قصة أحداث عبرا لن تكون كاملة إن لم تُروَ بلسان الشيخ أحمد الأسير، أحد أبرز المتورطين والشاهد الملك على تلك الأحداث المشؤومة التي وقعت في حزيران ٢٠١٣. روى إمام مسجد عبرا لمحققي الأمن العام القصة، ثم كررها متوسّعاً لدى فرع التحقيق في الجيش. حكى عن كل كبيرة وصغيرة، مفنّداً إياها بالتفاصيل. وأوقع الكثيرين ممن ساعدوه وعملوا إلى جانبه ممن لم تكن هوياتهم معروفة لدى الأجهزة الأمنية. فهل يُحاكم الأسير على جرائمه أم يُطوى ملفه في أدراج القيّمين على العدالة.
يستعيد الرجل اجتماع الشورى الذي عقده في مقرّه قبل اندلاع الأحداث الشهيرة، عنوانه كيفية التعامل مع الجيش إذا ما فكّر في إزالة ظاهرتهم. يومها اتّفق الجميع على الدفاع عن أنفسهم حتى الموت. يذكر الأسير أن السبب المباشر لاندلاع الأحداث كان توقيف الجيش لكل من ط. س. وف. ب.، كاشفاً أنه أرسل مساعديه للسؤال عنهما. ولمّا انقضت ساعة ولم يُفرج عنهما، أوعز إليهم بالنزول إلى حاجز الجيش حاملين سلاحهم. أمّا عن خروجه من عبرا، فيذكر أن فضل شاكر أرسل إليه أحد مرافقيه ليدلّه على الطريق الذي سلكه قبلهم. ويكشف أنهم تمكنوا من الفرار إلى منزل أ. هـ. حيث مكثوا خمس ساعات، حلق خلالها الأسير لحيته واستبدل ملابسه. ثم تواصل مع ش. س. الذي أرشده إلى منزل س. ا. ح. هناك مكث الشيخ الفارّ فترة قبل أن ينتقل مع عائلته إلى منزل محمد علي الشريف، مدير المشتريات في دارة النائبة بهية الحريري، ونجل رئيس جمعية تجار صيدا على الشريف، مكث المطلوبون لعدة أيام قبل أن يتواصل الشريف مع ح. ر. الذي نقلهم إلى منزله. أقاموا هناك عدة أيام ثم نُقلوا بمساعدة زوجته ل.ط. إلى الشمال. وتولّت السيدة نفسها نقل أبناء الأسير الثلاثة إلى دير القمر حيث سلّمتهم للشيخ ز. م. الذي أوصلهم إلى منزل الشيخ سالم الرافعي بناءً على طلب الأخير. وتولّى ح. ص. استئجار منزل لهم في محلة باب التبانة.

تنقّل بين صيدا وطرابلس والمنية وعكار قبل المكوث طويلاً في عين الحلوة


بعد أيام، أحضِرت زوجته إليه حيث كان بحوزتها مبلغ ٤٠٠ ألف دولار أميركي. ثم نُقل الجميع من التبانة إلى المنية حيث مكثوا لنحو ستة أسابيع في أحد المنازل. بعدها، أُعيد نقلهم مجدداً إلى التبانة حيث قضوا ٥ أشهر في منزل استأجره لهم الشيخ خالد حُبلص، غير أن اشتداد الطوق على التبّانة بعد تطبيق الخطة الأمنية، دفع الأخير إلى نقلهم مجدداً إلى بحنين واستضافتهم في منزله لنحو شهر. نُقلوا بعدها إلى منزل آخر في بحنين حيث بقوا لمدة شهر ونصف شهر. ولمّا بدأ السكّان يتداولون أنّ عائلة متشددة من تنظيم «داعش» تسكن في منزل جرت مداهمته، وكان الأسير يقيم فيه، عادوا إلى منزل خالد حبلص.
يقول الأسير: «دفعت للشيخ ح. مبلغ ٢٥٠ ألف دولار أميركي بغية إنشاء قوة عسكرية لنصرة أهل السنة»، كاشفاً أن عداد مجموعة ح. كان يبلغ قرابة ١٨٠ فرداً. أما عن دوره في المواجهات مع الجيش في المنية، فينفي الأسير مشاركته شخصياً، كاشفاً أن عناصره شاركوا بإشراف منه، باعتبار أن أصل الاتفاق بينه وبين ح. كان يقوم على قاعدة أن يكون ح. في الواجهة وهو في الكواليس. وأفاد الأسير بأنّه كلّف ش. س. نقل السلاح من صيدا وعبرا إلى بحنين حيث كان يتسلّمها ف.ع. غير أنّه أبلغ المحققين بأنّه فوجئ بإعلان حُبلص انطلاق الثورة السنية خلال خطبة الجمعة الشهيرة.
وذكر الأسير أنّه إثر اندلاع معركة الأسواق والتبانة، استنجد شادي المولوي وأسامة منصور بالشيخ حُبلص، ما دفعه إلى التحرّك للاشتباك مع الجيش. ويكشف الأسير للمحققين أنه بعدما تيقن من الهزيمة، فرّ مع عائلته من منزل حبلص إلى منزل م. ع. في المنية الذي أحضر شاحنة كبيرة ونقله إلى صيدا، فيما بقيت عائلته وعائلة شقيقه في أحد المنازل في المنية. اعترف الأسير بأنه أقام مع عائلته وشقيقه أمجد لدى الموظف السابق في وزارة المالية معتصم قدورة لمدة ثلاثة أيام قبل أن ينقلهم ش. إلى مخيم عين الحلوة عبر بساتين الحسبة، كاشفاً أنّهم أقاموا في أحد المنازل خلف مسجد النور. وأفاد الأسير بأنّه بقي في ذلك المنزل لفترة طويلة، مدّعياً أنهم عائلة سورية نازحة ولم يكن يتواصل فيها إلا مع القليل من رجاله عبر تطبيق التيليغرام. وأكّد أنّ أيّاً من الفصائل الفلسطينية لم يعلم بوجوده. وبحسب محاضر التحقيق، تبين أن الأسير كان قد لجأ إلى منزل الموقوف ح. د. بعد فراره من بحنين قبل أن ينتقل إلى منزل معتصم قدورة. ونفى الأسير أيضاً أي علاقة له بتنظيم «الدولة الإسلامية» و«جبهة النصرة». كذلك نفى ارتباطه بالشيخ سراج الدين زريقات أو كتائب عبدالله عزام. واعترف بأنه كان يعرف الانتحاريين عدنان المحمد ومعين أبو شهر اللذين نفّذا العملية الانتحارية ضد السفارة الإيرانية.

خطط الاغتيالات

اعترف الأسير خلال التحقيقات بأنّه كان ينوي الانتقام، كاشفاً أنّه بعد معركة عبرا بعدة أشهر، اتّخذ قراراً باغتيال شخصيات تنتمي إلى حزب الله وحركة أمل وسرايا المقاومة وضبّاط من الجيش وآخرين يدورون في فلكهم. ولهذه الغاية، كلّف ش. س. وم. ق. استنهاض المجموعات لتحديد الأهداف وجمع المعلومات لبدء الاغتيالات. بدأ العمل على توزيع المجموعات ووُزِّعت المهمات. المجموعة الأولى نطاقها في منطقة صيدا القديمة بقيادة الفلسطيني ف. أ. مجهّزة بأسلحة رشّاشة وقواذف وقنابل يدوية، هدفها مسؤولو سرايا المقاومة وعناصرها. أما المجموعة الثانية التي تأتمر بأوامر ع. ح. فهدفها شخصيات من حزب الله وحركة أمل أثناء انتقالهم باتجاه قرى الجنوب. إضافة إلى مجموعات أخرى توزّعت على باقي المناطق وعملت على استئجار شقق في كل من زاروب حشيشو وصيدا القديمة والشرحبيل لتخزين السلاح والاجتماع فيها.

فكّر في السفر
إلى تركيا، ثم ارتبك
أمام سفارتها، فعاد واختار نيجيريا
أما الشخصيات المستهدفة، فكشف الأسير أنهم قرروا اغتيال كل من الشيخ ماهر حمود ومسؤول حزب الله في صيدا زيد ضاهر وأحد قياديي حزب الله الحاج محمد كوثراني، إضافة إلى استهداف مجمع الزهراء قرب محلة الحسبة، وحواجز الجيش المختلفة. غير أنّه نفى وجود أي نية لديه لاستهداف النائبة بهية الحريري.
وذكر الأسير أنه كان لدى هذه المجموعات الأمر بالتحرّك بمجرّد بدء استهدافها إن حصلت حملات توقيف استباقية. أما لماذا لم يُنفَّذ المخطط، فأفاد الأسير بأنّه عدل عن مخططه بسبب تعرضه للخذلان من مناصريه إثر أحداث طرابلس. وأفاد الأسير خلال استجوابه بأن عديد الخلايا النائمة ناهز المئة عنصر.
كذلك كشف الأسير عن أسماء الشخصيات التي تموّل منها مالياً. فذكر أنّ أبرزها ن. ع. الذي حصل منه على ما يُقارب ٣٣٠ ألف دولار أميركي على دفعتين، كاشفاً أن ع. كان يدفع نصف تكاليف أي نشاط كان يقيمه الأسير. غير أنه أكّد للمحققين أن ع. لم يموّل أي نشاط عسكري له، على عكس الباقين الذين أتى على ذكرهم. وهم ر.ش. وم.ب. وض.و. وح.ش. و ع.م.ش. وأبناء الحاج ح.ح. والشيخ الفلسطيني م.م. ورجل الأعمال ع.أ. كما كشف عن حصوله على مبلغ ٤٠٠ ألف دولار من أجل إنشاء فضائية تبرع بها كل من ن. ع. وعمّته والسيدة أ.ش.

الهيكلية التنظيمية

تحّدث الأسير خلال التحقيقات معه بالتفصيل عن هيكلية حركته المنظّمة. فكشف أنها كانت تُقسم إلى: لجنة المسجد، المكتب الشخصي، اللجنة الدعوية، لجنة الاعتصامات، لجنة شراء العقارات، كتائب المقاومة الحرة، جهاز الحماية الشخصية. وذكر أنّ معظم سلاحه حصل عليه من عرسال والشمال، كاشفاً أنه كان ينقل بواسطة بيك أب يوجد فيه مخبأ سري بالاتفاق مع القيادي في كتيبة الفاروق أحمد سيف الدين الملقب بـ «السلس». أمّا من الشمال، فذكر أن فصائل المعارضة المسلحة في منطقة جوسيه كانت مصدره. أما معسكرات التدريب لديه، فذكر أنّ أحدها كان في القصير والآخر في ملجأ يقع مقابل مسجد بلال بن رباح في عبرا يُستعمل للدروس العسكرية النظرية.




حكاية الهروب

ظُهر ١٢ آب الجاري، خرج أحمد الأسير للمرة الأخيرة من مخيم عين الحلوة عبر حاجز للجيش اللبناني يُعرف بـ«حاجز سيروب». انتقل إلى محيط مسجد الشهداء حيث التقى ع. ر. ش. لينتقلا سوياً إلى منزل الأخير في جدرا. في اليوم التالي، أقلّ ع. ش. الأسير إلى مبنى السفارة التركية في الرابية. غير أن الأسير تردد في الانتظار بسبب الاكتظاظ أمام السفارة وخاف أن يفتضح أمره، فعاد إلى بيروت. هناك قصدوا مكتب خ. للسفر في محلة مارالياس. وتمكن ش. من الحصول على تأشيرة السفر إلى نيجيريا. وجاء ذلك نتيجة أيام من التنسيق بين الشيخ ي. ح. وم. ن. مع م. ع. الموجود في أفريقيا. عاد الاسير إلى جدرا حيث بقي في منزل ش. حتى ١٥ آب. في صباح ذلك اليوم، حضرت سيارة تاكسي لتنقل الأسير إلى محطته الأخيرة في مطار بيروت.