رغم أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين ينتنياهو، حاول خلال الأسابيع الماضية في أكثر من رسالة الإيحاء بوجود رهان جدي على إمكانية إسقاط الاتفاق النووي مع إيران في الكونغرس الأميركي وعبره، إلا أنّ من الصعب جداً التسليم بمقولة أن نتنياهو كان مقتنعاً بما يقوله.
والحقيقة أن أداء طاقمه السياسي والإعلامي منذ ما بعد إعلان الاتفاق، لم يكن سوى «عدة شغل» بات أكثر حاجة إليها كي يقدم نفسه على أنه استنفد كل الوسائل، وأدى قسطه للعلى. وبالتالي يمكن الجزم بأن تل أبيب لم تفاجأ بنجاح الرئيس الأميركي، باراك أوباما، في بلورة كتلة مانعة في الكونغرس تحول دون إسقاط الفيتو الرئاسي وتمنع الكونغرس من إسقاط الاتفاق.
مع ذلك، لا تعني هذه التقديرات أن وقع هذا الحدث على المؤسسة السياسية الإسرائيلية لن يكون قاسياً. بل إن مفاعيل الشعور بالهزيمة نتيجة التوصل إلى اتفاق شامل مع ايران، تجددت مرة أخرى، ولكن هذه المرة بشكل نهائي.
إلى ذلك، لم يكن مفاجئاً أيضاً، أن تحاول المصادر السياسية المقربة من نتنياهو، احتواء فشله الجديد والتخفيف من وطأة الصفعة التي وجهها له أوباما، عبر القول إن رئيس الحكومة أدى واجبه عندما حذر من الاتفاق، وإن واجبه فرض عليه أن يقدم مخاوف دولة إسرائيل، خلال خطابه في الكونغرس في شهر آذار الماضي.
وحاولت المصادر أن تعزّي نفسها بالقول إن «هناك أغلبية كبيرة بين الجمهور الأميركي والكونغرس تلتقي مع إسرائيل في مواقفها من الاتفاق» من دون أن تشير إلى أن هذا التعاطف لم يكن له مفاعيل سياسية وعملية، كما كانت تطمح تل أبيب.
أيضاً، تراجع السقف الإسرائيلي في مواجهة الاتفاق النووي، مرة أخرى، عندما اعتبرت المصادر نفسها أنه «كلما تعاظمت معارضة الاتفاق، انعكس ذلك في السياسة الأميركية تجاه إسرائيل والمنطقة». لكن هذه المصادر تجاهلت حقيقة أن هذه المعارضة كانت في ذروتها قبل التوصل إلى الاتفاق، ولم ينعكس ذلك في قطع الطريق على إدارة أوباما في تبني رؤية وخيار سياسي استراتيجي لا يرضي إسرائيل.
أما لجهة مفاعيل الخلافات الأميركية ــ الإسرائيلية على خلفية الموقف من الاتفاق، على إسرائيل، فقد حرصت المصادر الإسرائيلية على محاولة طمأنة الجمهور الإسرائيلي عبر القول إن «التحالف بين إسرائيل والولايات المتحدة ثابت ولا يوجد شك لدى رئيس الحكومة في أن الدولتين ستواصلان العمل معاً لمواجهة التحديات الكبرى».
وضمن الإطار نفسه، أكد مصدر سياسي رفيع للقناة السابعة، أن الكفاح الإسرائيلي ضد الاتفاق سيتواصل بكامل قوته، حتى بعد نجاح الرئيس الأميركي في تأمين كتلة تمنع إلغاء الفيتو. وأوضح أيضاً أن نتنياهو سيواصل الخروج ضد الاتفاق وشرح الأخطار الكامنة فيه ليس فقط ضد إسرائيل، بل أيضاً ضد الولايات المتحدة.
وكما هو متوقع، بعد جلاء نتائج الكباش السياسي في الكونغرس لن تحافظ إسرائيل على وحدتها السياسية، بقدر أدنى، في مواجهة الاتفاق النووي. وستتوالى تباعاً المواقف التي تنتقد نتنياهو على أدائه وسياساته ورهاناته. ضمن هذا الإطار، رأت رئيسة «ميرتس»، زهافا غلاؤون، أن نتنياهو بعد نجاح أوباما في توفير كتلة مانعة تحمي الاتفاق، كمن «أكل السمك النتن وطُرد أيضاً من المدينة». وقالت إنه خرج من معركة كانت نتائجها معروفة مسبقاً، من أجل مصالح أصدقائه في «الحزب الجمهوري»، مضيفة أنه في الطريق، خرَّب العلاقات الاستراتيجية بين واشنطن وتل ابيب.
من جهتها، تلقفت القيادية في كتلة «المعسكر الصهيوني»، تسيبي ليفني، الحدث الأميركي كي تصوّب على نتنياهو، ورأت أنه في ضوء المعلومات الواردة من الولايات المتحدة، ومع اقتراب «عيد الغفران»، ينبغي للشخصية الأولى التي شخَّصت وحذَّرت مراراً وتكراراً من إيران، أن تكون الشخصية الاولى التي تجري حساباً حقيقياً للنفس حول الإخفاق في منع تحوّل إيران إلى دولة نووية وحول الأضرار التي تسببها للعلاقات الاستراتيجية بين إسرائيل والولايات المتحدة.
ولفتت ليفني إلى أن نتنياهو كان يدرك أنّ من غير الممكن إعادة العجلة إلى الوراء، مشيرة إلى أن إيران منذ توقيع الاتفاق تحولت إلى دولة شرعية. وعزت ليفني إصرار نتنياهو على العمل السياسي في الداخل الاميركي إلى أنه من أجل «أصدقائه الجمهوريين».
وأضافت ليفني أن الاتفاق بات الآن حقيقة منجزة، ومن الواضح أن إسرائيل وصلت إلى مرحلة «خسارة ــ خسارة» (في مقابل شعار ربح ــ ربح): من جهة، تعزَّزت إيران على الرغم من معارضة اسرائيل، وتحوّل التحالف الاستراتيجي بين تل أبيب وواشنطن إلى قضية خلافية، وتضرر يهود الولايات المتحدة بنحو خطير، والتعويض الأمني الذي ستحصل عليه إسرائيل الآن، بات أقل مما كان يمكن أن تحصل عليه قبل ذلك.
في السياق نفسه، رأى رئيس «معهد أبحاث الأمن القومي» الرئيس الأسبق للاستخبارات العسكرية، عاموس يادلين، أن الاتفاق بات حقيقة منجزة، ولم يعد هناك خيار إلا إدارة محادثات بين واشنطن وتل أبيب في محاولة لتقليل الأضرار. وأكد أنه تحدث مع العديد من أعضاء مجلس الشيوخ ومجلس النواب، الذين رأوا أن الاتفاق إشكالي لكن لم يقدم لهم أحد بديلاً منه. وأقر يادلين بأنه لم يستطع إقناعهم بأن عدم التصديق على الاتفاق سيؤدي إلى وضع أفضل.
وشدد يادلين على ضرورة أن ينتهي التوتر بين واشنطن وتل أبيب باتفاق موقّع بين الطرفين، لافتاً إلى أن الضغط على أوباما تراجع بسبب امتلاكه القدرة على إمرار الاتفاق. ولفت إلى أن المقصود بالاتفاق ليس رسالة جانبية، أو مواقف يطلقها الرئيس في خطاب هنا أو هناك، بل اتفاق مكتوب يتناول العديد من القضايا: كيفية مواجهة إمكانية محاولة إيران الخداع، وما ينبغي القيام به إذا وصلت بعد 15 سنة إلى وضع غير مقبول، من دون أن يتغير النظام؛ وأيضاً هناك قضية فورية تتمثل بنشاطات إيران غير النووية وتتصل بدعم حزب الله، وقوات القدس ودعم سوريا. وتحدث يادلين عن الحاجة إلى رزمة أمنية، إضافة إلى عنصر سياسي في الاتفاق، يقود إلى اتفاق موقع يمنع الأخطار الكامنة في هذا الاتفاق وهي كثيرة.