لا تزال أجواء التفجيرين الإرهابيين اللذين ضربا مدينة السويداء بعد ظهر الجمعة الماضي وأوقعا عدداً كبيراً من الشهداء من بينهم الشيخ وحيد البلعوس، تخيّم على المحافظة. وشيّع الآلاف من أبناء المحافظة صباح أمس، الشيخ البلعوس والشيخ فادي نعيم والشيخ أيهم طربيه في ساحة الملعب البلدي، ولُفّت الجثامين بالأعلام السورية.
دعوات التهدئة ونبذ الفتنة التي دعت إليها غالبية الفعاليات الدينية والاجتماعية والسياسية في المحافظة، تغلّبت على حملة التحريض الكبيرة التي شنّتها وسائل إعلام المعارضة السورية والدول الداعمة لها عبر بثّ الشائعات عن أوضاع المحافظة، لجهة انسحاب أجهزة الدولة من الدوائر الرسمية. إذ عادت الحركة الطبيعية أمس إلى الأسواق والدوائر الحكومية، وسط أجواء من الحزن على الشهداء. وكما كان متوقّعاً، مرّ تشييع الشيخ البلعوس والشهداء الآخرين بصمت وحزن، واكتفى المنظّمون بكلمة ألقاها الشيخ يحيى الحجّار باسم «مشايخ الكرامة»، الاسم الذي تُعرف به حركة الشيخ البلعوس. وعاهد الحجّار في كلمته البلعوس على «الاستمرار بالدفاع عن الكرامة»، مستذكراً كلام سلطان باشا الأطرش «الدين لله والوطن للجميع». وأكّد الحجّار أن مشايخ الكرامة «سيكونون سوريين كما كان سلطان باشا الأطرش، والدفاع عن السويداء من كافة الطوائف والمؤسسات، فهذا واجبنا الوطني أن نقف متوازين مع أبناء الوطن الشرفاء المدافعين عن عزة سوريا الأم».
وفي مقابل دعوات التعقّل والتهدئة التي دعا إليها مشايخ العقل و«مشايخ الكرامة» وفعاليات المحافظة، تابع عدد من المعارضين من أبناء المحافظة، المعروفين باسم «التنسيقيات» إلى تحريض جزء من المشيّعين على التظاهر أمام سرايا المحافظة. وأكد أكثر من مصدر أن «هناك قراراً رسمياً ومن الفعاليات بعدم الصدام مع مظاهر الاحتجاج التي تغذّيها أجهزة خارجية لعدم جرّ الدولة والأجهزة الأمنية والفصائل المسلحة إلى أي فخّ». ومن هنا تشير المصادر، إلى أن «الدولة قامت بتسهيل وصول عدد من المتظاهرين إلى أمام مبنى السرايا، وانفضت التظاهرة بعد وقت قصير من دون أي مشكلة». وعلى الرغم من حالة الاحتقان بفعل التفجيرين الإرهابيين، إلّا أن الاتصالات استمرت بين غالبية الفعاليات لضمان استمرار التهدئة في ظل استمرار انقطاع شبكة الإنترنت عن السويداء، خصوصاً بعد الاعترافات الخطيرة التي أدلى بها الموقوف لدى الأجهزة الأمنية حول مسؤوليته عن التفجيرين، وتفاصيل العملية وارتباطاته بالاستخبارات الأردنية. وقالت مصادر أمنية وأخرى من المؤسسة الدينية إن «استمرار انقطاع شبكة الإنترنت سببه عدم ترك مكان للشائعات التي تبثّ عبر مواقع التواصل الاجتماعي من صفحات مشبوهة تعمل من لبنان وتركيا والأردن وفلسطين المحتلة».
وتابع التلفزيون الرسمي السوري أمس بثّ اعترافات أبو ترابة، بعد أن كان قد ذكر أول من أمس تفاصيل العملية وكيفية وضع العبوات الناسفة مع المتعاونين معه. وكرّر أبو ترابة أمس الرواية المتعلقة بتكليفه من قبل العقيد المنشق مروان الحمد «رئيس المجلس العسكري في السويداء» التابع لـ«الجيش الحر»، باغتيال الشيخ البلعوس لأن «الشيخ لم يعد يلزمنا، ويجب وضع حدٍّ له»، أن الحمد وعده بأن يستلم مكانه في قيادة تشكيل جيش خاص بالسويداء. وذكر أبو ترابة أنه تنقّل في السنوات الماضية بين الأردن ولبنان وتركيا ودرعا، وانتقل قبل أربعة أشهر من لبنان إلى درعا عبر طرق التهريب من راشيا اللبنانية إلى بلدة قلعة جندل على سفح الشيخ من الجهة السورية. وأشار إلى أن الحمد طلب منه «اغتيال الشيخ البلعوس لأن الأخير لم يلتزم الاتفاقية، وبات يعمل بشكل إفرادي».
وعلّق مصدر قيادي في «مشايخ الكرامة» لـ«الأخبار» على اعترافات أبو ترابة، بالقول إن «هناك الكثير من التفاصيل غير الواضحة، وهناك الكثير من التشكيك من قبل الجمهور بالاعترافات، لكن نحن نعرف أن أبو ترابة مشبوه وهو ليس بريئاً»، مشيراً إلى أن «موقفنا لم يحسم بعد والمهم الآن هو التهدئة والعبور بالمحافظة فوق الفتنة». واستنكر المصدر ما ورد على لسان أبو ترابة من اتهامات للشيخ البلعوس، وأكّد أن «الكلام عن تآمر الشيخ مع جهات خارجية هو افتراء من المدعو أبو ترابة، الشيخ لم يكن مع الدولة ولكن لم يكن ضدّ الدولة وكان يدعو للحياد». وكرّر المصدر نفي أي أعمال تخريبية اتُّهِم بها «مشايخ الكرامة» ليل الجمعة، مؤكّداً أنهم «بريئون من كل الافتراءات ولم نعتدِ على أي مرفق عام». وكشف أبو ترابة أمس عن معلومات وأسماء عددٍ من الأشخاص المتورطين بالتفجير، ومتورطين بالتآمر مع الاستخبارات الأردنية والإسرائيلية والقطرية. وأشار إلى أن سلسلة اجتماعات حصلت في الأردن وتركيا لتشكيل ما يسمى «جيش الدفاع الدرزي» حضرتها مجموعة من المنشقين عن الجيش السوري وبعض المعارضين، ومن بينهم الضابط حافظ فرج والعميد فرج المقت ويامن الجوهري وهو عضو في «الائتلاف الوطني السوري» وفي «المجلس العسكري» ويحيى العريضي من لبنان. وأكّد أنه التقى أحد ممثلي النائب وليد جنبلاط في الأردن، وهو يعرفه باسم «أبو أحمد، وهو من آل الغضبان» وقد سلّمه سابقاً مبلغاً من المال بقيمة 10000 دولار أميركي.
وذكر أنه حصل اجتماع في منزل حسن القنطار، في مدينة انطاكية بحضور معتصم العبدالله ويامن الجوهري، ومجموعة أخرى من الأسماء، من بينهم «أبو عبد الله» أو الممثّل القطري، وشخصان آخران رجّح أن يكونا إسرائيليين عرّفا عن نفسيهما باسم اسحق وميكايل، وجرى النقاش بحسب أبو ترابة بالخطّة الموضوعة في «الموك» أو غرفة العمليات الأردنية المعنية بإدارة الجبهة الجنوبية السورية. وسأل المجتمعون عن طريقة لتفريغ أماكن في حندرات في حلب ودمشق في حي جوبر، عبارة عن معابد يهودية أو تعود ملكيتها للطائفة اليهودية في سوريا، وهي تحت سيطرة الجيش السوري. ونفى أبو ترابة أن يكون الشيخ البلعوس قد زار الأردن كما أشيع قبل فترة.
أمّا في لبنان، فاستمر غالبية المشايخ على مواقفهم المنسجمة مع مواقف المشايخ السوريين، فيما استمر الحزب الاشتراكي بالتحريض على «الانتفاضة» على غرار تحريض وسائل الإعلام والصحافيين من دروز فلسطين المحتلة. كذلك يحضّر جنبلاط لإقامة موقف عزاء للشيخ البلعوس في دار طائفة الموحدين الدروز في بيروت بعد غدٍ الخميس، وسط مقاطعة من باقي السياسيين الدروز بسبب التخوّف من تحويل موقف العزاء إلى منبر سياسي، كما أكّدت مصادر النائب طلال أرسلان لـ«الأخبار» مقاطعتها للنشاط.