« KYE…أكبر مشروع بحري يقع في طبرجا (كسروان)»، هكذا تقول النشرة الخاصة بالمنتجع السياحي الجديد والمنشورة على المواقع الالكترونية. الاعلانات الضخمة الخاصة به بدأت تنتشر على الطرقات منذ فترة رغم أنه حتى أعمال الحفر لم تبدأ بعد. المشروع تُسوقه شركتا «Rise properties» و«صعب مارينا» وهو يُمثل تهديدا جديدا يُطاول مُلكا عاما آخر على الاراضي اللبنانية .
في عام 2011، تمكّن أبناء الصفرا (القرية المجاورة لطبرجا) من اسقاط مُخطط لطمر 27 ألف متر من بحر « نبع الحسون». وقد بقيت المنطقة لفترة طويلة عصية على محاولات تحويل الشاطئ الى استثمار خاص. بات شاطىء طبرجا، الصفرا والبوار مُتنفسا مفتوحا لأبناء المنطقة. من بيروت، المدينة الاسمنتية البشعة التي تُغتصب فيها الاملاك العامة، يصلون كل نهاية أسبوع فتكتظ الصخور برواد البحر. كل شيء هنا يوحي بالحياة صيفا. الا أن هذا الواقع لا يبدو أنه سيطول طويلا.
قصّة التعديات على الاملاك البحرية تتوالى فصولا، طبرجا هي عنوان الفصل الجديد هذه المرة. فهذا الشاطئ التاريخي الذي تزعم الأسطورة أن مار بولس انطلق منه الى العالم، يواجه خطر «الاقفال » بهدف اقامة مشروع سياحي ومارينا. أهداف الشركة، التي تأسست أصلا بهدف تجاري- استثماري وبالتالي لا تُبالي بحقوق وأملاك يجب المحافظة عليها، ليست هي ما يشغل بال أبناء طبرجا، بل «تواطؤ» القيمين على الاملاك العامة، الحكومة والبلدية، والقيمين على أملاك وقف الكنيسة، أي الكاهن المسؤول، الذين لا يعارضون المشروع بل يسهلون انشاءه. ما صدم الاهالي أكثر، كان تعبير النائب البطريركي على أبرشية جونية المارونية المطران نبيل العنداري، أمام عضوي لجنة الوقف في طبرجا خليل بواري وجان بيار كيورك، أن هذا المشروع «هو لمصلحة الكنيسة ومار جرجس (شفيع البلدة)».
تبلغ مساحة «KYE» مئتي ألف متر مربع. اغراءات استملاك «شاليه» داخل المنتجع لا تنتهي. النشرة الخاصة به تشرح أن المُستملكين سيحصلون على شاطئ رملي تبلغ مساحته 400 متر، ما يُمثل اعترافا «وقحا» بالتعدي على الاملاك البحرية. يضم المنتجع أيضا 5 أحواض سباحة وحوضين يتضمنان مشرباً، كما سيكون هناك حوض سباحة أولمبي. داخل المشروع 4 مطاعم، 9 ملاعب رياضية، ناد للسيجار، مساحة ألعاب للأطفال، 1500 متر من أجل ممارسة رياضة الركض، 3000 متر مُخصصة للنادي الرياضي والمنتجع الصحي و2000 موقف سيارة تحت الارض.

يواجه الشاطئ خطر «الاقفال» بهدف اقامة مشروع سياحي



العدّة لا تكتمل من دون الاغراءات المادية، الخاصرة التي توجع اللبنانيين. سعر «الشاليه» يبدأ بـ 4800 دولار للمتر الواحد. لا تشترط الشركة تسديد الدفعة الاولى كاملة: «10% في الفترة الاولى، ثم 15% بعد ستة أشهر». أما مساحاتها فتراوح بين الـ55 والـ85 مترا مربعا.
«يبغون اقامة المارينا واقفال طريق البحر علينا. الشركة ورئيس البلدية جوزف قزي وشقيقه المونسينيور جورج قزي يريدون ذلك»، يقول طوني ناكوزي. وهو ينقل عن أحد ممثلي الشركة ميشال صعب تأكيده نيتهم اقامة المارينا «ولكن مش هلق تا يصير في رئيس جمهورية ونجيب مرسوم»، وذلك خلال لقاء نُظم في صالة مار جرجس. بادر ناكوزي بكتابة عريضة ضد المشروع تضم تواقيع أبناء طبرجا.
اضافة الى مسألة «اغتصاب» الشاطئ العام، تحاول الشركة «الشراء بالمقايضة العقار الرقم 30 في محلة وطى سلام – طبرجا، الذي يُمثّل واجهة صالة الكنيسة والمدخل الرئيسي للكنيسة الجديدة». مع العلم أن الشركة تملك العقارين 32 (مساحته 3806 متر²) والعقار 84 (مساحته 3327 متر²) اللذين يؤديان مباشرة الى المشروع ويُغنيانها عن استملاك العقار الرقم 30، «الا أن المعلومات تقول إن الشركة تريد الحفاظ على عقاريها من أجل أن تشيّد عليهما مركزا ثقافيا لاحقاً».
هذا الأمر، دفع ناكوزي أيضاً الى توجيه كتاب اعتراض الى كلّ من السفير البابوي غابريال كاتشيا ( حتى الساعة لم يُحدد موعدا لمقابلة وفد من البلدة)، الكاردينال بشارة الراعي والقيّم البطريركي العام المونسينيور جوزف البواري «الذي أكد لنا أن المشروع ما بيمرق». في الكتاب الموجه الى الجهات الثلاث تأكيد على رفض «مقايضة شركة التنمية المتطورة بأرض وقف مار جرجس ... لأن هذا الأمر سيُمثل اساءة الى حرمة المكان وله ضرر روحي... القيمون على الأملاك يُحافظون عليها ولا يبيعونها». في هذا الاطار، يقول أمين صندوق لجنة الوقف جان بيار كيورك إنه «في الماضي جرت مفاوضات من أجل نقل الكنيسة من موقعها السابق بسبب مجاورتها للشاليهات، الآن يُساهمون (الكاهن) في افتتاح مشروع يحوي 800 شاليه».
تسليم المشروع من المتوقع أن يكون بعد خمس سنوات. عمليات البيع بدأت على الخرائط والشركة لم تحصل حتى الساعة على الرخصة التي تخولها مباشرة الأشغال. استنادا الى مصادر مُتابعة فان «أصحاب المشروع يُطمئنون المستملكين إلى أنهم اذا لم يتمكنوا من شق طريق الى المنتجع فستعاد الاموال مع فائدة 6 بالمئة».
حتى تاريخ ارسال رسائل الاعتراض وكتابة المعروض، لم يكن أعضاء لجنة الوقف على دراية بما يجري بشأنهما، وخاصة أنه مضت 5 سنوات على آخر اجتماع لهذه اللجنة المُؤلّفة منذ 15 سنة. أعضاء اللجنة خمسة اضافة الى المونسينوير جورج قزي، «الذي حاول أن ينال توقيع كل عضو على حدة»، استناداً الى كيورك. وقّع الطلب كميل عواضة «الذي تسري معلومات أنه حُسم له 250 ألف دولار من ثمن الشاليه»، وجوزف ناكوزي «اتفقنا على أن نعقد اجتماعا من أجل سحب توقيعه، بعدما شرحنا له القصة، الا أن الكاهن تغيب عن الموعد الذي كان مُقررا في صالة الكنيسة».
القزي لم يكتف بمحاولة «سَرِقة التواقيع سِرْقة»، بل توجه الى أبناء طبرجا خلال عظاته بالقول: «هذه الضيعة هي ضيعة ذئاب وسأقوم بما أريد ... الزبالة ليست في الشارع بل الزبالة هي التي توقّع العريضة»، كما ينقل ناكوزي.
«الأخبار» تواصلت مع المونسينيور قزي الذي حددّ لنا موعداً ثمّ تراجع عنه تحت حجة: «ما في شي وما في موضوع مهم». يقول في دردشة هاتفية إن أبناء طبرجا «استبقوا الأمر مفترضين وجود بيع فيما المطلوب حق مرور، وحتى نحن لم نوافق على شيء». يؤكد أن «أرض الوقف لا تُباع… العالم يتسرعون ويتكلمون». حتى موضوع المارينا «ما من رئيس من أجل أن يحصلوا على مرسوم اقفال البحر». وفي وقت يكشف قزي فيه عن «وجود طلب نحن في صدد دراسته»، يعود ويقول «لسنا المرجع، بكركي تدرس الملف».

أما من جهة أبرشية جونية، فينقل كيورك أجواء المطرانية «الايجابية تجاه المشروع، وهم يرون أن رأينا في طبرجا استشاري فقط». منذ أسبوعين تقريبا التقى كيورك برفقة خليل البواري العنداري «وأخبرناه اصرارنا على عدم توقيع الطلب ويدبرو حالن من غير طريق». أيضا، تمنى الوفد على المطران «سحب الملف من التداول لما له من أضرار على المنطقة». من جهته، «لامنا العنداري لأننا قدمنا المعروض الى بكركي قبل التواصل معه». قال إن «المشروع لخير الكنيسة قبل أن يؤكد أن شبرا واحدا من الارض لن يُهدر». بعد اللقاء أُلّفت لجنة «وتوجهت الى المكان من أجل القيام بأعمال المساحة».
القصة خلقت «بلبلة» في القرية الكسروانية الهادئة. أملاكهم التي حافظوا طويلا عليها باتت الأخطار تُحدق بها. بلهجة مليئة بالتحدي وبالغضب يشدد أبناء طبرجا على أنه «اذا جرى توقيع المشروع فسيكون هناك مجزرة». بالنسبة إلى طوني ناكوزي: «أرض مار جرجس مُقدسة وهي ليست للمقايضة ولا للبيع ولا لحق المرور».
حاولت «الأخبار» الاستيضاح من الشركة، الا أنها ما زالت حتى تاريخ كتابة هذه السطور تنتظر موعدا من أحد مسؤولي الشركة.