أبرز ما في الرؤية الاستخبارية الإسرائيلية التي قدمها رئيس قسم الأبحاث في شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، الجنرال إيلي بن مئير، بمناسبة حلول العام العبري الجديد، هو عدم ادعائها الوضوح في استشراف مجريات الأمور، والسبب في ذلك «التغييرات المتسارعة» في خارطة التهديدات في المنطقة التي «من شأنها أن تؤدي إلى أخطاء في التقديرات الاستخبارية»، فضلاً عن جعلها أدوات التحليل الاستخباري المستخدمة قديمة وتحتاج إلى تحديث.
النموذج الأكثر دلالة على ذلك هو الواقع السوري، «فإذا كان الاستخبارات في الماضي تتمتع بظروف سهلة لقراءة الواقع، في ظل وجود دول واضحة المعالم وزعامات مستقرة، فإن المنظمات الإرهابية اليوم تنشق وتتوحد في سوريا شهرياً». والأهم، بالنسبة إلى الضابط المسؤول عن صياغة التقديرات الاستخبارية للقيادة الإسرائيلية هو أن «سوريا كدولة لم تعد موجودة فعلياً، رغم وجودها على الخريطة، ولذلك فإن أسئلة من نوع «ماذا سيحصل في سوريا؟» لم تعد ذات صلة». وفي الشأن السوري، يرى بن مئير أنه «لا يوجد شيء اسمه: ما بعد بشار الأسد. هناك حقبة تتبلور فيها الأمور... ونحن نحاول أن نشخص جميع السيناريوات: كيف سيبدو التغيير وما هي الظروف التي يمكن أن تؤدي إلى التغيير؟». يضيف الجنرال الإسرائيلي أن التدخل الإيراني في سوريا آخذ في الازدياد، وإلى جانبه «زاد الحضور الروسي أيضاً»، ويربط ذلك ليس فقط بدعم نظام الرئيس السوري بشار الأسد، فقط، بل أيضاً بمحاربة «داعش». فـ»روسيا لا تعتبر الأسد الشخص الأفضل على وجه الأرض، لكنها يجب أن تحارب ضد ظاهرة الإسلام المتطرف، وإلا وجدته داخلها»، يقول بن مئير، مذكراً بالاعتداء الذي تبنّاه «داعش» ضد القوات الروسية في القوقاز قبل أسبوع. وإذ يؤكد على متابعة الحضور الروسي في سوريا وتأثيراته التي تنطوي «مثل أي شيء آخر على فرص وتهديدات»، يخلص بن مئير إلى وجود «تطابق مصالح بين حزب الله وروسيا وإيران (في سوريا)، فهم يريدون دعم بشار الأسد ومساعدتهم على قتال داعش».
بيد أن التغيير الأهم الذي تواجهه إسرائيل حالياً هو الاتفاق النووي بين الجمهورية الإسلامية والغرب. وهو لا يزال قيد الدراسة في دوائر الاستخبارات الإسرائيلية التي تتطرق إليه بحذر شديد بوصفه «تغييراً كبير الحجم... ونحن يمكن أن نقف على بعض التأثيرات، فيما لا يمكننا فهم عمق تأثيرات أخرى». ومن بين تأثيرات هذا التغيير، وفقاً لبن مئير، انعكاسه على وتيرة النشاط الإيراني في الشرق الأوسط، وخصوصاً في سوريا. «فرغم أن العقوبات لم ترفع بعد عن طهران، يمكن تحسس التغيير الذي يتضمن مزيداً من خوض المخاطر، والنموذج الأبرز على ذلك هو في هضبة الجولان، حيث ازداد التدخل الإيراني المباشر في العمليات الموجهه ضدنا».
ويرى بن مئير أن «الإيرانيين لم يعودوا مقيّدين. هم يرفعون مستوى مخاطراتهم. هم يستثمرون أكثر، على سبيل المثال في حزب الله. الضغوط الاقتصادية التي كانت حرجة خفت... نرى أنهم يدركون أن ثمة أموالاً وراء المنعطف، ولذلك هم يسمحون لأنفسهم بالضغط على دواسة البنزين في بعض الأماكن، مثل هضبة الجولان في سوريا، وفي اليمن وأماكن أخرى. نحن لا نرى أنهم ينوون تغيير سياستهم الخاصة بدعم المنظمات الإرهابية، بل إنهم يزيدون هذا الدعم في عدد من الأماكن».
ورفض بن مئير تعريف إيران كتهديد وجودي لإسرائيل «فلو كان لديها سلاح نووي لكان بإمكانها تدمير دولة إسرائيل، لكن ليس لديها سلاح كهذا. للأسف لم يتم انتزاع كل القدرات منها لكي لا تمتلك سلاحاً في المستقبل.

هناك تطابق مصالح بين حزب الله وروسيا وإيران في دعم الأسد

لكنها الدولة الأكثر سلبية في المنطقة، أي إن تأثيرها سلبي: سواء على مستوى التوجيه أو المساعدات المالية أو على مستوى الوسائل القتالية من النوع الأفضل التي تضخها إلى المنطقة. كذلك فإن الحافزية تؤثر؛ فإيران بإمكانها أن توقف النشاط المعادي في الجولان، لكنها عوضاً عن ذلك تعززه. وخلال الأشهر الأخيرة، تحاول إيران توسيع تأثيرها على حماس وهي توسع تأثيرها على الجهاد الإسلامي، ليس فقط في الجولان، بل في غزة أيضاً».
وفي ما يتعلق بوضع السلطة الفلسطينية، يرفض بن مئير التنبّؤ بمصير الرئيس الفلسطيني محمود عباس، مشيراً إلى وجود الكثير من الأسماء المرشحة لخلافته. وفي المقابل، لا يشعر الجنرال الإسرائيلي بالخشية على استمرار التنسيق الأمني بين السلطة وإسرائيل، «فالتهديدات التي تواجهها السلطة وإسرائيل، مثل حماس، متشابهة في الإجمال، ولذلك فإن جزءاً من التنسيق الأمني مع السلطة لا ينبع من حبهم لنا، بل من مصلحتهم في البقاء، وأعتقد أن المصالح المشتركة بيننا تزداد حالياً».
وفي ختام المقابلة، يشير بن مئير إلى الصعوبات التي باتت تواجه وحدته نتيجة التغييرات المتزايدة في المنطقة، والتي من شأنها أن تؤدي إلى أخطاء في التقديرات الاستخبارية. «نحن نغيّر إجراءات عملنا لأن بعضها لم يعد يتلاءم مع هذه التغييرات». ورداً على سؤال حول توقعاته للعام العبري الجديد، بدا بن مئير ضبابياً في إجابته، قائلاً «قد يبدو الأمر مضحكاً، لكننا لم نعد نجري تقديرات استخبارية سنوية، بل أكثر. هذا العام أجرينا تقديرين، وأعتقد أننا سنجري واحداً إضافيا على الأقل، وفي العام القادم سنجري على ما يبدو ثلاثة. لذلك لن أتشدق بالقول ماذا سيحصل عام 2016؛ يمكنني أن أتحدث عن مسارات: هي ستكون سنة أكثر هدوءاً من زاوية التهديدات العسكرية وأكثر تحدياً من زاوية الأنشطة المعادية المختلفة الأنواع والاتجاهات. الأموال الإيرانية ستؤثر أكثر، وفي نهاية المطاف سنرى تعاظماً في القوة».




حزب الله المنظمة الأقوى في المنطقة

رداً على سؤال حول الجهة الأكثر إثارة لقلق الاستخبارات الإسرائيلية، يقول الجنرال الإسرائيلي «الأمر مثل بناتي، فأنا لا أعلم أيّهم أحب أكثر. جميعهم يثيرون قلقي». لكن للجنرال الإسرائيلي «بنات مفضلات» على ما يبدو، فـ»على المستوى العسكري، حزب الله هو المنظمة الأقوى في المنطقة ولديه القدرات الأكبر على التسبب بالضرر، وهو الأكثر أهمية في المنطقة، لكننا أكثر جاهزية ممّا كنا عليه عام 2006». ويضيف «حزب الله بالتأكيد يبني قوته، وهناك داعش الذي ينتشر أمام حدودنا ولديه إنجازات في سوريا، وحماس التي ترمّم نفسها».
وحول وضع حماس في قطاع غزة، رأى بن مئير أنها لا تزال «مردوعة» لكنها ترمّم قوتها، «وهي تريد أن تكون جاهزة للمعركة القادمة، سواء على صعيد استعادة ما كان لديها، أو تحسين قدراتها». وإذ لاحظ أن حماس تواجه صعوبات في عمليات الترميم «بسبب أنشطتنا وأنشطة مصر»، أشار إلى أنها تحتاج إلى أشهر كثيرة لتستعيد ما كانت عليه». وأضاف «ثمة أشخاص في الداخل، مثل إسماعيل أبو هنية، وفي الخارج، مثل خالد مشعل، يدركون أنه لا يمكن الاستمرار في الخيار العسكري وحده، ويجب إنتاج خيارات أخرى»، لافتاً إلى أن «النقاش الآن (داخل حماس) هو بين التأثير الإيراني واللاعبين الآخرين. وحماس تحاول كعادتها اللعب على الحبلين. إنهم يريدون أن يبقوا على علاقة وثيقة بإيران وأن يربحوا أموال خصمها السعودي».
أما عن فرع داعش في سيناء، المسمّى بـ»أنصار بيت المقدس»، فيلفت بن مئير إلى أنه نشأ في البداية على أنه حركة مناهضة لإسرائيل، «لكن الآن يتبلور التقدير أن هدفه الرئيس هو مصر... وهو يختار عدم العمل ضدنا، وهو الآن يحصل على الدعم والمساعدة من حماس، في المال والتدريب والتوجيه، وفي المقابل يساعد حماس في تهريب الوسائل القتالية».