ثاني ايلول يذهب رئيس الحكومة تمام سلام الى نيويورك رئيسا للدولة تقريباً، لا رئيسا فحسب. ويُستقبل على نحو كهذا. الا انه ليس اول رئيس للحكومة يتحدث من منبر الامم المتحدة. سبقه في التسعينات الرئيس رفيق الحريري، وقبل عقد الرئيس رشيد كرامي. كلاهما كان في ظل رئيس للجمهورية، وذهب بانتداب من الرئيس. على ان سلام يتوجه الى قاعة المنظمة الدولية تبعا لمنطق مغاير: ان لا يكون مقعد لبنان، ودوره خصوصا، شاغرا في مناسبة دورية تنتظرها الدول كي لا تتخاطب فحسب، وانما تؤكد حضور كيان الدولة.
في ايلول 2014 خطب سلام في الامم المتحدة، ولم يكن انقضى على خلو الرئاسة اربعة اشهر. بعد غد يذهب مجددا للوقوف في المكان نفسه، بعد سنة واربعة اشهر على استحقاق لا يزال مؤجلا الى امد غير معروف.
يقول مطلعون على موقف رئيس الحكومة انه كان يفضّل الجلوس الى جانب رئيس الجمهورية في مكان كهذا او لحظة مماثلة، لا في محله. بيد انه بات اليوم، على رأس مجلس الوزراء، يمثل الشرعية الدستورية مذ انتقلت صلاحيات رئيس الجمهورية الى مجلس الوزراء. بين منتصف آذار ونهاية ايار، اقل من شهرين بعد تأليف الحكومة، ارتاح سلام الى تعاونه مع الرئيس ميشال سليمان في ما تبقى من ولايته، في اعمال مجلس الوزراء وادارة الحكم، من غير ان يتنكب احدهما وزر الآخر وصلاحياته. بعد الشغور ضاعت وحدة الحكم وتشتت الصلاحيات.
بالتأكيد يبدو اليوم احسن حالا من ثلاثة من اسلافه واجهوا تشكيكا في شرعيتهم ابان شغور الرئاسة .

سلام يتوخى
«الحلول الواقعية» لانتخاب الرئيس

الرئيسان ميشال عون وسليم الحص على رأسي حكومتين تقاسمتا عامي 1988 و1989 الشرعية الدستورية، وكان كل منهما بل يطعن في الآخر. بدوره الرئيس فؤاد السنيورة بعد شغور عامي 2007 و2008، كان على رأس حكومة طُعن في شرعيتها بعد استقالة الوزراء الشيعة.
على طرف نقيض من هؤلاء، يتصرف سلام على انه رأس شرعية دستورية غير مشوبة بأدنى عيب. يترأس حكومة يصفها دائما بائتلافية، وهو في قرارة نفسه يعرف انها ليست كذلك، ويدير اوسع شبكة من نزاعاتها غير القابلة للحل، من دون ان يشعر بما يمكن ان يتهدّدها، وهي تحظى بدعم غربي وعربي يكادان يكونان غير مسبوقين. بل خلافا للشغورين السابقين، ترأس سلام حكومة نُظر اليها، منذ ما قبل تأليفها، على انها ستملأ بعد شهرين فقط شغورا حتميا سيقع في رئاسة الجمهورية.
ماذا يتوقع سلام من مشاركته الثانية في اجتماعات الجمعية العمومية للامم المتحدة؟
الى القائه كلمة لبنان، يتحدث المحيطون به عن سلسلة اجتماعات يشارك فيها ابرزها، ظهر 30 ايلول، انعقاد مجموعة الدعم الدولية للبنان، للمرة الثالثة في نيويورك بعد لقائها التأسيسي في ايلول 2013. كانت قد توالت اجتماعاتها بعد ذاك بين باريس في آذار 2014، وروما في حزيران 2014، ونيويورك في ايلول 2014، وصولا الى اجتماعها الاخير الخامس في المانيا في تشرين الاول 2014. وبحسب ما يعتزم مناقشته في الاجتماع السادس، يضع سلام في اولوية البنود الاستحقاق الرئاسي متقدما عما عداه من بنود طغت على الاجتماعات السابقة، واخصها ازمة النزوح السوري الى لبنان والمساعدات.
ما يلمسه رئيس الحكومة، بالتزامن مع اجتماعات نيويورك، ارتفاع منسوب قلق لفته في اتصالاته ولقاءاته بالديبلوماسية الغربية حيال لبنان، والخطورة التي بلغتها الحال تحت وطأة عاملين:
اولهما، تدهور الوضع السياسي الناجم عن الشغور الرئاسي وما راكمته الملفات والخلافات على انها من عواقب استمراره طوال هذا الوقت بلا اي حلول جدية، بدءا بانتخاب الرئيس.
ثانيهما، تداعيات استمرار الحرب السورية وتجاوز النزوح واللجوء الدول المجاورة الى الغرب، وما بدأت تتوجس منه القارة الاوروبية وتتخوّف من تأثيره عليها في مناح مختلفة.
في الكلمة التي سيلقيها سلام امام مجموعة الدعم اصرار على اضطلاعها بدور اكثر فاعلية لاجراء الاستحقاق بعدما طال الشغور اكثر مما في وسع لبنان تحمّله، وضرورة بذل الدول المشاركة جهودا استثنائية لمساعدة اللبنانيين على انتخاب رئيسهم. يتوخى سلام التركيز على ما يسميه «الحلول الواقعية» لانجاز الاستحقاق الرئاسي.
يبدو رئيس الحكومة مطمئنا الى المستوى الرفيع للمشاركين في اجتماع مجموعة الدعم على مستوى وزراء خارجية الدول الدائمة العضوية في مجلس الامن والمانيا وايطاليا، ناهيك بالاتحاد الاوروبي: الاميركي جون كيري سيحضر، كذلك الروسي سيرغي لافروف، والفرنسي لوران فابيوس، بينما ابلغ رئيس الحكومة البريطانية ديفيد كاميرون ابان زيارته بيروت نظيره اللبناني ان وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند قد لا يحضر، الا ان بلاده ستتمثل في الاجتماع بوزير حرصا على اضفاء جدية عالية على مداولاته، الى حضور الوزيرين الالماني والايطالي.
على ان امام سلام ايضا المشاركة في مؤتمرين آخرين: احدهما يتناول التنمية المستدامة وله فيه كلمة، والآخر على مستوى رؤساء الوفود عن مكافحة الارهاب والتطرف دعا اليه الرئيس الاميركي باراك اوباما.