لبى رئيس قسم المجتمع والاقتصاد في «الأخبار» الزميل محمد زبيب دعوة النيابة العامّة التمييزية للمثول أمامها عند العاشرة من قبل ظهر أمس. هذا الاستدعاء ظل «مشوشاً» حتى لحظة وصوله إلى قصر العدل، وهو ما دفع الكثيرين إلى وصفه بأنه استدعاء ذات طابع «تأديبي»، على خلفية نشر صورة شيك من شيكات محررة في عام 2002 من بنك المدينة إلى (وزير الداخلية الحالي) نهاد المشنوق على «الفايسبوك».ففي 16 أيلول، فيما كانت قوى الأمن الداخلي تتولى تنفيذ القرار السياسي بقمع الحركة الاحتجاجية في الشارع، نشر زبيب صورة الشيك مرفقة بدعوة إلى العودة للمطالبة باستقالة المشنوق، متهماً إياه بتقاضي الرشى.

سرعان ما جرى تداول هذه الصورة عبر شبكات التواصل الاجتماعي، ما دفع الوزير المشنوق، في اليوم التالي، إلى إصدار بيان يؤكد صحة هذا الشيك، قائلاً إنه «يمثل جزءاً» من ثمن مبيع منزله في ضهور الشوير آنذاك»، وهدد باتخاذ «الإجراءات والتدابير القضائية اللازمة، ولا سيما ملاحقة كل من أقدم أو شارك أو تدخل في خرق السرية المصرفية المصونة قانوناً». بعد يوم واحد فقط، أي في 18 أيلول، تلقى الزميل زبيب اتصالاً هاتفياً من المباحث المركزية يبلغه بوجوب المثول أمام المحامي العام التمييزي القاضي عماد قبلان في 21 أيلول من دون تقديم أي إيضاحات، ثم تلقى اتصالاً في وقت متأخر من اليوم نفسه يطلب منه المثول في 19 أيلول، إلا أنه رفض ذلك.
يومها، أي عندما تبلّغ الاستدعاء، جرى الاتصال بالقاضي قبلان للاستفسار، فأعلن أن زبيب لا يمثل بصفته مُدَّعىً عليه ولا بصفته شاهداً! وتبين لاحقاً أنه لم يكن هناك أي شكوى ضده من قبل الوزير المشنوق، بل «ورقة معلومات» وضعها مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية وحماية الملكية الفكرية بناءً على إخبار من الوزير المشنوق الذي يتبع له المكتب إدارياً. في ضوء هذه المعلومات، ازداد الاستدعاء «تشوشاً»، إذ بموجب القوانين المرعية الإجراء يُفترض أن يتحرّك القضاء في قضايا السرية المصرفية والقدح والذم بناءً على شكاوى شخصية لا على «ورقة معلومات».
أثار ذلك ردود فعل واسعة خوفاً من زج القضاء في حملة القمع الجارية للحركة الاحتجاجية، وهو خوف مبرر في ضوء تزايد التهديدات بملاحقة المتظاهرين والمتظاهرات الذين يشتمون المسؤولين في الدولة ويشهّرون بفسادهم. انطلاقاً من ذلك، تجمّع عشرات الناشطين والصحافيين والإعلاميين والمحامين وأصدقاء الزميل زبيب وأهله ابتداءً من التاسعة من قبل ظهر أمس أمام قصر العدل، لإعلان رفضهم للاستدعاء وإصرارهم على دور القضاء في حماية حرية الصحافي وواجبه في نشر المعلومات لا حماية المسؤولين من المساءلة. وصل زبيب في الموعد المحدد ودخل إلى قصر العدل برفقة رئيس تحرير «الأخبار» إبراهيم الامين والمحامي نزار صاغية وعدد كبير من المحامين الذين تجمّعوا في صالون مكاتب النيابة العامة التمييزية في انتظار خروجه.
عند مثول الزميل زبيب أمام القاضي قبلان، تبيّن أن الوزير المشنوق تقدّم بشكوى ضد الزميل زبيب صباح أمس أمام النيابة العامّة التمييزية بواسطة وكيله المحامي كارلوس أبو جودة تتهمه بالقدح والذم والتحقير، وهو ما عدّ تطوراً مفاجئاً. فالشكوى لا تتضمن اتهاماً بخرق السرية المصرفية، وهي مسجّلة أمس، فيما استدعاء زبيب حصل قبل تسجيلها بثلاثة أيام على قاعدة أنه غير مدّعى عليه، ما استدعى من المحامي صاغية طلب الاطلاع على مضمون الشكوى والاستمهال للرد عليه بحسب ما تقتضيه الأصول، فقرر القاضي قبلان تحديد موعد آخر عند العاشرة من قبل ظهر الخميس في 1 تشرين الأول المقبل.
اللافت في المشهد أمام قصر العدل أمس، أن المتضامنين مع زبيب لم يكونوا وحدهم، إذ سبقتهم قوة كبيرة من عناصر مكافحة الشغب لحماية قصر العدل. وقف هؤلاء على طول مدخل القصر مدججين بهراواتهم والقنابل المسيلة للدموع! حتّى أنّه استُقدمت سيارة إطفاء بهدف رش المتضامنين بالمياه. كانت السلطة أمس خائفة وجاهزة في الوقت نفسه للاستشراس، وهو ما بدا واضحاً عبر التعزيزات التي استقدمتها. وجود هذا العدد الكبير من عناصر مكافحة الشغب أثار ريبة المتضامنين الذين اعتبروا أنّ هذا الأمر لا يبشّر بالخير، متوقعين أن يكون سببه الاتجاه إلى اعتقال زبيب تعسّفاً، وهو ما كان المشنوق يرمي إليه.
استغل المتضامنون وجود العناصر الأمنيين ليطلعوهم على قصة الشيك الذي تلقاه المسؤول المباشر عنهم. حملوا صورة الشيك وأخبروهم أنه جزء من مبلغ تلقاه المشنوق من بنك المدينة لقاء بيعه لمنزل كان يملكه في منطقة ضهور الشوير. «قديه المبلغ؟»، يهمس أحد العناصر فتجيبه إحدى الحاضرات: «مليون دولار، وهذا ليس المبلغ كاملاً». ينظر العنصر إلى الشيك بتركيز من دون أن يشكّك بصحته، يمازح زميله سائلاً: «كم معاش بيعملولنا؟».
بعد انضمامه إلى المتضامنين في الشارع، قال زبيب إن هناك وقائع في القضية المرفوعة ضده ستعرض على القضاء وهو عليه أن يقوم بواجبه.

ضمن أساليب
التهويل وقمع الحريات الصحافية لجأ المشنوق إلى رفع الدعوى


وشكر المحامي نزار صاغية المتضامنين، معتبراً أن ذلك «يعد أكبر ضمانة لحرية الصحافة»، وأوضح أنّه «تم استدعاؤنا على أساس كتاب يتضمن معلومات بعبارات مطاطة، ولكن اكتشفنا أن هناك شكوى تقدمت اليوم (صباح أمس) من قبل وزير الداخلية نفسه، وبالتالي اطلعنا على الشكوى ومن الطبيعي أن يكون لدينا مهلة للرد عليها. وقد أعطينا مهلة لما بعد الأعياد حيث سنقوم بتقديم الجواب الصحيح في 1 تشرين الأول». هكذا إذاً تمّ «تأجيل الاستجواب على اعتبار أن الدعوى للاستجواب صارت قبل أن تتقدم الشكوى بناءً على كتاب معلومات». يوضح صاغية أنّ «الجلسة المقبلة ستخصص للإجابة عن الحجج المقدمة في الشكوى دفاعاً عن موقف زبيب وحرية الصحافة، كذلك سنعمل على نقل الدعوى إلى محكمة المطبوعات». فمن ضمن أساليب التهويل وقمع الحريات الصحافية لجأ المشنوق إلى رفع الدعوى وفقاً لقانون العقوبات بهدف توقيف زبيب، فيما يؤكد صاغية أنّ «هناك اجتهاداً ثابتاً وراسخاً لدى محكمة المطبوعات في بيروت باعتبار الفايسبوك خاضعاً لقانون المطبوعات، خاصة إذا كان الشخص المدعى عليه صحافياً».
من جهته، «طمأن» محامي المشنوق كارلوس أبو جودة الصحافيين المجتمعين خارج قصر العدل إلى أنّ «القضية ليس لها أي طابع إعلامي»، مؤكداً أن «لا أحد يريد التعرض لحرية الإعلام، وهذا الأمر مقدس». وقال أبو جودة: «الشيك صحيح، وليس شيك رشوة، بل هو ثمن عقار باعه الوزير آنذاك وقبض ثمنه. وهدف دعوى الوزير على زبيب هو معرفة كيفية وصول الشيك إليه»، علماً بأن الشكوى حادت عن هذه القضية وانحسرت بتهمة القدح والذم والتحقير.
وعلّق المحامي علي زبيب، وهو أحد الذين رافقوا الزميل زبيب إلى قصر العدل، معتبراً أن محكمة المطبوعات هي المحكمة المختصة بمحاكمة الصحافيين، وعليه كان من الأجدر أن تكون هذه الشكوى مقدمة إلى هذه المحكمة. وقال: «إن القدح والذم له طابع جزائي لكن الطريقة التي قدمت بها الدعوى عبرت عن ضعف الحجة القانونية... والهدف هو إرباك الصحافي زبيب وموكليه القانونيين، وهذا موضوع رائج بالقانون، لكنه غير محبذ».