بعد إعطاء ترخيص لإقامة كسارتين في محمية وادي الحجير الطبيعية والذي أدى لاحقاً الى تشويه الوادي، وبعد حفر أكثر من 10 آبار ارتوازية في الوادي عينه، ما أدى الى جفاف نبع الحجير باكراً، جاء اليوم دور «عين الحمّام» الأثرية والغزيرة، والوحيدة في قضاء بنت جبيل، التي لا يصيبها جفاف الصيف، والتي تساهم بشكل كبير في تأمين المياه للمزارعين، في ظل الانقطاع المستمر لمياه الدولة عن العديد من قرى المنطقة وبلداتها.
بدأت القصة مع رؤية الأهالي جرّافة تعمل بالقرب من العين، فتوجه عدد منهم الى المكان ليكتشفوا أن «الهدف هو بناء مجمّع سكني يحوي 12 شقة سكنية ومحالّ تجارية»، كما تبين أن صاحب الورشة «حصل على رخصة بناء قانونية من التنظيم المدني تمكّنه من البناء فوق ينابيع العين». في اليوم التالي، انفجر ينبوع العين الرئيسي بسبب الجرف، وبدأت المياه تنساب بغزارة الى الحقول، وتدنى منسوب العين، وعلت صرخة الأهالي والمزارعين وأصحاب الـ»تراكتورات» الذين يعملون على نقل المياه من هذه العين.
اتصل الأهالي بمخفر تبنين «لكن أحداً لم يلبّ الطلب، الى أن عمد أحد المخاتير الى الاتصال بسرية درك صور التي وجّه آمرها أمراً الى عناصر المخفر للتحرك فوراً»، ثم وجه مختار صفد البطيخ كتاباً الى قائمقام بنت جبيل يناشده فيه إيقاف البناء. في اليوم التالي، حضر خبراء من التنظيم المدني ومصلحة مياه الليطاني برفقة القائمقام الى مكان العين، ليتبين لهم أن «ما حصل يهدد مياه ينابيع العين وأن ضرراً كبيراً أدى الى تدفق مياه أحد الينابيع الرئيسية، ما يؤدي لاحقاً الى جفاف العين وانخفاض منسوبها بشكل كبير». لكن أمراً جديداً حصل في ما بعد، إذ تدخلت الواسطة من جديد «فمصلحة مياه بنت جبيل غيرت رأيها ولم تعد تمانع في استكمال البناء، شرط تسوية مشكلة مجاري النبع. أما التنظيم المدني، فقد سمح بالبناء أيضاً، والقائمقام سمح باستكمال أعمال الجرف الى حين التأكد من خطورة المشكلة».
اجتمع أبناء بلدة صفد البطيخ، التي تقع العين ضمن نطاقها العقاري، وتداولوا في المشكلة المستجدة، ووجهوا كتاباً الى القائمقام موقّع من 130 فرداً، وطالبوه بضرورة وقف أعمال البناء، والعمل على شراء الأرض التي يملكها صاحب المشروع من أموال البلدية، وطالبوا القائمقام، الذي يقوم بأعمال البلدية المستقيلة، بسحب الأموال من صندوق البلدية، لكن الأخير رفض طلب أبناء البلدة بحجة «العجز المالي والروتين الإداري».
يذكر أن «عين الحمّام» التي يعرفها كبار السن في المنطقة وصغارها كانت «مقصد المقيمين في قلعة تبنين في القرون الماضية، كونها من أبرز عيون المنطقة وأكثرها غزارة». للعين أهمية استراتيجية، إذ يقول مختار صفد محمود زين الدين إن «أبناء المنطقة جربوا الحروب وانقطعت المياه عنهم بالكامل في أحيان كثيرة، وبقيت هذه العين ملاذ العطاشى والمزارعين»، مطالباً «جميع أبناء المنطقة بالتحرك لحماية هذه العين وينابيعها قبل أن تجفّ وتصبح من الذاكرة المهدومة».