فيما تنشغل السعودية منذ نحو شهر بالتداعيات الصحية للملك عبد الله، وبينما كانت الاوساط تترقب بين لحظة وأخرى اعلان خبر الوفاة، جاء اعلان الديوان السعودي اول من امس رحيل ولي العهد الامير سلطان بن عبد العزيز، ليضع المملكة امام وضع جديد لم تشهده منذ تأسيسها، ويتمثل ذلك في مظهرين اساسيين. الأول هو بداية العد العكسي للصف السعودي الأول من ابناء الراحل عبد العزيز آل سعود. والملاحظ ان الشريحة التي تتولى الحكم من هذا الجيل تجاوزت كلها سن ثمانين سنة، وفي غالبيتها تعاني من الشيخوخة ومتاعبها. والمظهر الثاني هو ارتفاع صوت الجدل للمرة الأولى حول تداول العرش بعد رحيل الملك.
سلطان، الذي رحل في نيويورك عن عمر يناهز 86 سنة، هو الوحيد من ابناء عبد العزيز الذين وصلوا الى مرتبة ولاية العهد ولم يتوج ملكاً، ووافته المنية وهو يعدّ نفسه لاحتلال هذا الموقع، وبدا هو وشقيقه الأكبر عبد الله في سباق مع الموت خلال السنة الاخيرة، بل ان سلطان كان على مسافة قريبة من كرسي الملك قبل اقل من عام، حين نقل الملك للعلاج في الولايات المتحدة في تشرين الثاني من السنة المنصرمة. ويومها تسربت اخبار تفيد بأن عبد الله يعيش ايامه الأخيرة، ولذا عاد سلطان سريعاً من المغرب وقطع فترة علاجه ونقاهته التي دامت قرابة عامين قضاها بين نيويورك ومدينة اغادير المغربية.
حين عاد سلطان الى المملكة تنفست الاجواء الصعداء، ذلك ان المعلومات التي كانت متداولة تؤكد في مجملها ان رحيل عبد الله سوف يخلف فراغاً كبيراً، على اساس أن ولي عهده الامير سلطان عاجز عن ممارسة مهامه. وتبدد هذا الشعور العام لوقت قصير، فالظن السائد بأن غياب عبد الله سوف تخفف من وطأته عودة سلطان سرعان ما ترك مكانه لوضع صعب تمثل في تصدر الأمير نايف للمشهد بسبب عجز سلطان كلياً عن ممارسة مهام ولي العهد خلال سفر الملك للعلاج، وبالتالي عدم قدرته على تولي العرش في حال وفاة الملك. ولاحظت الدوائر القريبة من شؤون الحكم ان سلطان يعاني، بالاضافة الى السرطان، فقدان الذاكرة، وهو بالكاد كان يتعرف إلى الاشخاص القريبين منه، ولم يطل امر مكوثه في المملكة سوى عدة اشهر، إذ شد الرحال الى نيويورك بمجرد عودة عبد الله في شباط الماضي.
رحيل سلطان يمثّ منعطفاً مفصلياً في تاريخ السعودية منذ تأسيسها لعدة اسباب، الأول هو بدء العد العكسي لنهاية مرحلة اولاد عبد العزيز من الصف الأول الذين يعدّ سلطان الرقم 15 بينهم، وهذه النهاية تعني اغلاق صفحة في طريقة قيادة المملكة يغلب عليها طابع البداوة والأبوية في ادارة شؤون الحكم. ومن ابرز سمات هذه المرحلة الطاعة العمياء للملك، واحترام مقامه من دون نقاش، الأمر الذي يفسر سلاسة تداول العرش وفق الصيغة التي ارساها المؤسس عبد العزيز على اساس السن والأهلية للحكم التي طبقت على الدوام بالتوافق منذ أن أقصت العائلة الملك سعود سنة 1964 ليحل محله شقيقه فيصل، وجرى تبرير تلك السابقة بعدم اهلية الملك سعود للحكم، وهو ما اضطره لاختيار العيش في اليونان حتى وفاته. والسبب الثاني هو أن سلطان الذي يتمتع بشخصية قوية وبمكانة متميزة بين الاخوة السديريين السبعة (فهد، سلطان، عبد الرحمن، تركي الثاني، نايف، سلمان، وأحمد) ابناء حصة السديري زوجة الملك عبد العزيز النجدية الأولى، عاصر بناء المملكة وتولى مناصب منذ سنة 1942، حين بدأ طريق المسؤولية في رئاسة الحرس الوطني، ثم اسندت إليه خلال حياة والده امارة العاصمة سنة 1947، وانتقل الى العمل الوزاري سنة 1953، وتدرج في مناصب عدة حتى استقر منذ سنة 1962 في وزارة الدفاع التي ظلت حكراً له، وورثها من بعد ذلك لنجله الأكبر الامير خالد، وارتفع سلطان في سلم المسؤولية بعد رحيل الملك خالد سنة 1982 ليتولى منصب نائب رئيس مجلس الوزراء، وتسلم ولاية العهد سنة 2005، حين سماه الملك عبد الله الذي خلف الملك فهد على الحكم وفق سلم التراتبية القديم قبل تشكيل هيئة البيعة سنة 2006.
من خلال موقعه في وزارة الدفاع ودوره في رئاسة عدة لجان داخلية، استطاع الامير سلطان ان يكون القطب الرئيسي في السياسة السعودية على المستويين الخارجي والداخلي. وعلى الصعيد الخارجي أصبح تسليح المملكة مفتاح علاقات سلطان الخارجية، التي كانت على نحو اساسي مع الولايات المتحدة وبريطانيا، وهو يعد الى جانب شقيقه فهد من واضعي اسس التعاون السياسي والعسكري مع الولايات المتحدة، وتجلى ذلك في دورهما البارز خلال المنعطفات الاقليمية، سواء على صعيد القضية الفلسطينية او الحرب العراقية الايرانية او احتلال الرئيس العراقي السابق صدام حسين للكويت، فقد كوّن الثنائي، فهد وسلطان، رأس جسر المشاريع والتدخلات الاميركية في المنطقة.
احد مصادر قوة سلطان الداخلية امساكه بملف العلاقات مع دول الخليج واليمن، واكثر ما انعكس هذا الدور من خلال ادارته للخلافات الحدودية مع كافة بلدان المجلس كالامارات والكويت وعمان وقطر، بالاضافة إلى اليمن. ويسجل للامير سلطان انه استخدم هذا الملف للابقاء على الهيمنة السعودية، فمن جهة تمتلك السعودية اوراق ضغط قوية على جيرانها، من خلال كونها طرفاً في الخلافات مع هذه البلدان، ومن جهة ثانية بين هذه البلدان بعضها مع بعض. لكن الحضور الأقوى للأمير سلطان في هذا المجال برز في اليمن، حيث تولى الملف اليمني حصراً، وألّف مكتباً للمتابعة تحت اسم «اللجنة الخاصة» يدير شؤون اليمن، وعلى مدى 40 سنة تقريبا حددت خلالها تدخلات الامير سلطان وجهات اليمن السياسية، عن طريق تحكمه بورقة القبائل ورجال الدين والعسكر في الشمال.
عاود السرطان انتشاره في الجهاز الهضمي للامير سلطان بعدما توقف خلال العام الماضي نتيجة لسلسلة من العمليات الجراحية بدأت سنة 2004 تبعتها استراحة طويلة في المغرب. وخلال فترة علاجه ساد قلق وخشية من أن تغيرات كبيرة في سلم السلطة داخل الأسرة المالكة بسبب رحيل ولي العهد تجعل من تولي منصبه من قبل أحد الأمراء مسألة فيها جدل داخل مجلس العائلة، حيث ساد الاعتقاد بأن يتقدم الأمير عبد الرحمن بن عبد العزيز، نائب وزير الدفاع، للمطالبة بمنصب ولي العهد لأنه أكبر سناً من المرشح القوي الأمير نايف بن عبد العزيز. وما عزز ذلك التحركات الاخيرة للأمير عبد الرحمن واقترابه من الملك عبد الله وظهوره المتكرر معه في الإعلام. ورأت الاوساط ان عودته تحصل في اطار إعداد نفسه لدخول الصراع على كرسي ولاية العهد بدعم من الملك، الذي أسند مهام وزير الدفاع الأمير سلطان إلى أخيه عبد الرحمن الذي هو بالفعل نائب لشقيقه سلطان، ما قوى من موقف الأخير سياسياً، بعدما كان مبتعداً بين لندن وجنيف لفترة طويلة بسبب ما أشيع عن غضبه من تعيين نايف نائباً ثانياً لرئيس مجلس الوزراء سنة 2009. ورغم ذلك، ظلت مصادر داخل الأسرة المالكة تجزم بأن منصب ولاية العهد قد تم الاتفاق ضمنياً على أن يكون للأمير نايف، وأن الملك عبد الله حسم الأمر حين عين نايف نائباً ثانياً لرئيس مجلس الوزراء، وترجمة ذلك من الناحية الفعلية انه يتولى تلقائياً موقع ولي العهد في حال شغوره.
وخلال السنة الماضية ساد قلق في اوساط الكثير من السعوديين حول تراتبية تولي الحكم، لكونها تحتاج الى موقف واضح وعاجل من هيئة البيعة ومجلس العائلة المالكة. ونزولاً عند هذه المخاوف حدد الملك عبد الله اجتماعاً لمجلس العائلة المالكة في نهاية شهر رمضان الماضي، وكان ينتظر أن يشرف على تنسيق الاجتماع أمير منطقة الرياض الأمير سلمان، لكنه كان يرافق شقيقه الأمير سلطان في نيويورك، ولم يحصل الاجتماع في وقته وجرى ترحيله إلى حين عودة الأمير سلطان، الذي اشتد عليه المرض وغاب عن الوعي طيلة الشهر الماضي. وتتوقع اوساط سعودية أن يشهد اجتماع مجلس العائلة احتجاجات على تولي نايف ولاية العهد من أمراء اكبر سناً لعل أهمهم الأمراء مشعل وعبد الرحمن وطلال. لكن مصادر تشير الى أن الاحتجاجات لن تكون قوية سوى اعلامياً من طرف الامير طلال، وخصوصاً ان معظم فروع الأسرة لا يرون غضاضة في تولي نايف، بعد نجاحاته الأمنية ضد الإرهاب ووقوف الكثير من القبائل معه وقوة علاقاته مع المؤسسة الدينية. وكانت معلومات متضاربة قد اشارات الى ان مجلس العائلة قد انتهى دوره بعد تأسيس هيئة البيعة، التي يرأسها الأمير مشعل بن عبد العزيز، لكن معلومات أخرى أوضحت أن مجلس العائلة لا يزال على قيد الحياة، وأنه اجتماع عائلي على شكل مناسبة اجتماعية مفتوحة وليس كما يصور على أنه اجتماع عمل تقليدي.
صعود نايف
مع تولي نايف (78 سنة) ولاية العهد، تدخل السعودية مرحلة جديدة عنوانها التشدد الداخلي والخارجي. فالمعروف عن نايف داخلياً انه هو الذي قاد التيار الذي تصدى للنهج الاصلاحي الذي حاول الملك عبد الله السير عليه منذ اعتلائه العرش سنة 2005. ولا يختلف اثنان في السعودية على ان نايف من اشد معارضي الانفتاح على المطالبين بالحريات السياسية ورفع الغبن عن المرأة، وهو يعد من اكثر اشقائه قرباً من المؤسسة الوهابية التي صارت منذ فترة طويلة ملحقة بوزارة الداخلية. والأمر ذاته بالنسبة إلى علاقات السعودية الخارجية، فهو ينطلق من مقاربة امنية في ادارة علاقات المملكة، وتؤكد اوساط سعودية انه صاحب قرار ارسال قوات درع الجزيرة الى البحرين من اجل قمع الانتفاضة الشعبية.
وترى اوساط سعودية أن تصدر نايف للمشهد في الفترة المقبلة سوف تكون له تداعيات سلبية على وضع السعودية، وهناك اجماع على انها ستدخل مرحلة ضعف وتراجع في الدور، فنايف يعاني هو الآخر من عدة امراض، عدا أنه لا يحظى بالاجماع الذي توافر لأشقائه الكبار الذين تداولوا العرش، بالاضافة الى ان الخارج ينظر اليه كرجل أمن يفتقر للحنكة الدبلوماسية.
صعود نايف سوف يترافق مع تقدم امير الرياض الامير سلمان (76 سنة) الى الصف الأول، بعدما ظل لفترة طويلة في الصف الثاني، وهناك اكثر من قاسم مشترك بين الاثنين، ابرزها انهما على صلة متينة بالمؤسسة الدينية، وسيكون لسلمان دور اساسي لثلاثة اسباب. الأول هو انه انتقالي بين جيلين وقريب أكثر على الصعيد الاجتماعي من الجيل الثاني. والسبب الثاني هو انه يتولى موقع عميد الاسرة منذ 2006. والثالث هو موقعه في امارة الرياض التي تعد مركز النشاط السياسي والاقتصادي. لكن الأمر متوقف في النهاية على وضعه الصحي ايضاً، فهو الآخر يعاني من عوارض السن ومرض القلب.



مجلس العائلة


مجلس العائلة المالكة السعودية هو المجلس المسؤول عن شؤون أسرة آل سعود، وكان أول رئيس للمجلس هو الأمير محمد بن عبد العزيز آل سعود. وهو مكون من أبناء الملك عبد العزيز. ويرأس المجلس الآن الأمير سلمان بن عبد العزيز آل سعود. ومهمة هذا المجلس الرئيسية هي متابعة شؤون العائلة الداخلية فقط. ورغم ان لا علاقة له بالسياسة، إلا أنه يتوقع أن يكون اجتماع المجلس عبارة عن تصويت موسع على تغيرات تراتبية تمهد لاجتماع هيئة البيعة الرسمية والمسؤولة عن تعيين ولي العهد من خلال الاختيار، ومن دون أن يحدث ذلك خلافات داخل الأسرة. ويتوقع أن يشهد اجتماع مجلس العائلة احتجاجات من أمراء عدة لعل أهمهم الأمراء مشعل وعبد الرحمن وطلال. وكانت معلومات متضاربة قد اشارات الى ان مجلس العائلة قد انتهى دوره بعد تأسيس هيئة البيعة التي يرأسها الأمير مشعل بن عبدالعزيز، لكن معلومات أخرى أوضحت أن مجلس العائلة لا يزال على قيد الحياة وأنه اجتماع عائلي على شكل مناسبة اجتماعية مفتوحة وليس كما يصور على أنه اجتماع عمل تقليدي.



هيئة البيعة أمام امتحان وليّ العهد




رحيل الأمير سلطان بن عبد العزيز، واختيار ولي عهد جديد يمثّل أول تحدٍّ لقاعدة الحكم في المملكة، التي من المفترض أن تخرج عن المبدأ الذي سنّه الأب المؤسس عبد العزيز، لتجري وفق قانون «البيعة»، الذي جاء به الملك عبد الله سنة 2006، والذي وضع ضوابط جديدة للتداول على العرش وولاية العهد.
الراحل سلطان هو صاحب الحق الشرعي في خلافة الملك عبد الله وفق القاعدة القديمة، التي جرى العمل بها منذ رحيل مؤسس المملكة عبد العزيز آل سعود سنة 1953، الذي كرس التداول على العرش بين أبنائه على أساس تراتب السن. ثم يليه الأمير نايف بن عبد العزيز وزير الداخلية والنائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء، البالغ من العمر 78 سنة.
منذ وفاة الملك فهد سنة 2005، أصبحت عملية انتقال الملكية أقل قابلية للتوقع وأكثر غموضاً وتعقيداً، حيث أدخل الملك عبد الله في تشرين الأول سنة 2006 تحديثاً لآلية انتقال الخلافة، من خلال إنشاء «هيئة البيعة»، التي عين على رأسها الأمير مشعل بن عبد العزيز. وتعنى «الهيئة» باختيار الملك وولي العهد، وهي تتكون من أبناء الملك عبد العزيز أو أحفاده في بعض الحالات، بالإضافة إلى اثنين يعينهما الملك، أحدهما من أبنائه والآخر من أبناء ولي العهد، وتقوم عند وفاة الملك بالدعوة إلى مبايعة ولي العهد ملكاً على البلاد. وحسب ما نص عليه نظام «الهيئة»، يختار الملك بعد مبايعته، وبعد التشاور مع أعضاء الهيئة، من يراه مناسباً لولاية العهد، على أن يُعرض بعد ذلك اختيار الملك على الهيئة لترشح واحداً منهم، وفي حالة عدم ترشيحها لأي منهم، فعلى «الهيئة» ترشيح من تراه مناسباً لولاية العهد، وفي حالة عدم موافقة الملك على ترشيح «الهيئة»، تقوم «الهيئة» بعملية تصويت بين من رشحته وبين الآخر الذي اختاره الملك، ويُسمى بعد ذلك الحاصل على أكثر الأصوات ولياً للعهد. وحدد نظام «الهيئة» بأن يُختار ولي العهد في مدة لا تزيد على ثلاثين يوماً من تاريخ مبايعة الملك.
جرى النظر، داخلياً وخارجياً، إلى قرار الملك عبد الله تأسيس «الهيئة»، على أنه صمام أمان لانتقال الملكية من دون نزاعات، وأنه يهدف إلى نزع فتيل صراع الخلافة داخل عائلة آل سعود. والملاحظة الجديرة بالاهتمام هنا هي أنه جاء في مرسوم تأليف «الهيئة»، أن أحكام نظامه تسري على الحالات المستقبلية، ولا تنطبق على الملك وولي العهد الحاليين، أي أنه كان من حق سلطان أن يتولى الحكم في صورة أوتوماتيكية بعد عبد الله، ولكن ليس هناك ما يلزم سلطان بتعيين نايف ولياً للعهد وفق ترتيب السن القائم حالياً، رغم أن نايف يأتي بعد سلطان لجهة صلاحيات الحكم، لأنه يشغل منصب النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء بقرار من الملك عبد الله سنة 2009، وبالتالي فإن القاعدة المعمول بها طوال الفترة السابقة ستنكسر هذه المرة.
مرض سلطان في السنوات الأخيرة طرح مشكلة فعلية لانتقال الحكم من عبد الله في حال الوفاة. ولو لم يكن ولي العهد (سلطان) يعاني صحياً، لكان شأن الانتقال من عبد الله لا يثير قلق أحد، ولكن مرضه فتح الباب أمام عدة احتمالات: الأول ألا يكون قادراً على ممارسة مهمات الملك، وبالتالي لا بد من أن يتنازل عن حقه في ذلك، بإرادته أو بقرار من «الهيئة»، وهذا ما لم يحصل قبل وفاة سلطان. والثاني أن يصر على ممارسة حقه في الملك رغم مرضه، وأن يمارس صلاحياته في اختيار ولي عهد جديد من خارج التراتب، بحيث يتجاوز الأمير نايف، وهذا الاحتمال لم يحصل هو الآخر. والثالث هو أن يتوفى قبل عبد الله، وبالتالي يتعين هنا اختيار ولي عهد جديد، وهذا هو الوضع الذي تجد السعودية نفسها أمامه اليوم، ويجب عليها إيجاد حل له حسب قانون هيئة البيعة، ويتعين على الملك عبد الله أن يسمي ولي العهد الجديد، لتنظر فيه الهيئة.
من الناحية الشكلية يبدو الأمير نايف اليوم صاحب أكثر الحظوظ في احتلال موقع ولي العهد واعتلاء عرش المملكة بعد وفاة عبد الله، ولكن بما أن قاعدة الخلافة أصبحت غامضة بعد تأليف «الهيئة»، لا تبدو فرصة نايف محسومة، ويعزز من هذا الاعتقاد كثرة عدد المتنافسين على الحكم، وقد تجلى ذلك، علناً، حين عينه الملك عبد الله نائباً ثانياً لمجلس الوزراء سنة 2009، ففي حينه عبر عدد من الأمراء الأصغر سناً، مثل الوليد بن طلال وبندر بن سلطان، عن أملهم في الحكم.
هذه هي المرة الأولى التي تخرج فيها هذه المسألة للعلن، ويبرز التنافس الحاد بين أبناء العائلة المالكة. فمنذ وفاة ابن سعود في عام 1953 عمل نظام الخلافة على العرش في عدد من الظروف المختلفة، من تنصيب ملك جديد على وجه السرعة بعد الوفاة، أو العجز، أو العزل، أو اغتيال الملك السلف. لقد أدت أحياناً الخصومات الداخلية إلى حدوث تصدعات في القيادة. أما اليوم، فإن خلافة قصيرة الأجل لملوك سعوديين مرضى، يمكنها أن تثير شبح عدم استقرار سياسي، أو حتى أزمة خلافة. ويشبه وضع السعودية اليوم حال الاتحاد السوفياتي في سنواته الأخيرة، عندما توالى على الحكم زعيم واهن تلو آخر، ما جعل فترات الحكم قصيرة وغير فاعلة. والمرشحون في الظرف الراهن لخلافة الملك عبد الله تجاوزوا الثمانينيات أو أنهم يقتربون منها، كما هي حال الأمير نايف.
بشير...