الأميركيون مذهولون، هذا ما يمكن قراءته في معظم المقالات الصحافية التي كتبت على مدى أسبوع منذ لحظة بدء الهجمات الروسية في سوريا، وبغضّ النظر عن مواقف الكتّاب السياسية. ذهول أميركي من القدرات العسكرية الجوّية والصاروخية والاستخبارية الروسية، وذهول من التصريحات الفجّة في مواقف المسؤولين الروس، وذهول من المكانة التي تتمتّع بها روسيا لدى معظم الشعوب العربية وحكّام المنطقة.
دفعت صدمة تدخّل روسيا عسكرياً بقوة في سوريا، معظم كبار المحللين الأميركيين الى الاعتراف بما لم يقولوه منذ بداية الأزمة السورية لاعتبارات سياسية «ثورية» حينها. نبش بعض الصحافيين ملاحظات سابقة ومقابلات لم ينشروها ومشاهدات حول المنطقة كانوا يدركون معناها لكن لم يشاؤوا الإفصاح عنها حتى الآن.
الصحافي في «فورين بوليسي» كولوم لينش عاد بالذاكرة إلى عام ٢٠١٢ الى لقاء جمعه مع مندوب روسيا لدى الأمم المتحدة فيتالي تشوركين. في حزيران من ذلك العام ضجّ الإعلام بكلام لتشوركين بأن «روسيا ليست متزوجة الرئيس السوري بشار الأسد وأنه يمكنها أن تقبل رحيله شرط أن يكون هذا القرار صادراً عن الحكومة السورية». طبعاً، استعجل الإعلام الغربي وخصوصاً الأميركي حينها الى الاستنتاج بأن «روسيا ليست متمسكة بالأسد»، رغم أن كلام تشوركين الدبلوماسي لم يكن يعني ذلك بتاتاً، لكن لينش، استعاد منذ أيام كلاماً آخر قاله تشوركين في الشهر نفسه من ذلك العام، خلال لقاء خاص معه في نيويورك. سأل لينش تشوركين حينها لماذا تتمسكون بالأسد؟ فأجاب المندوب الروسي: «شخصياً أعتبره شرفاً وطنياً بأن أقف الى جانب أصدقاء روسيا وأدعمهم». وأضاف: «نحن أقوى من غيرنا لجهة وفائنا (لحلفائنا) وذلك بات معترف به دولياً». تشوركين شرح حينها للصحافي الأميركي أنه «ليس من السهل أبداً، في الدبلوماسية الروسية، أن نتخلّى، من أجل منفعة سياسية ما، عن سياسيين وحكومات صديقة كانت تربطنا بهم علاقات جيدة طوال سنوات أو عقود». تذكّر لينش كلام تشوركين بعد ٣ سنوات و٣ أشهر على لقائهما ونشره في «فورين بوليسي» محاولاً شرح طبيعة العلاقة التي تربط روسيا بحليفتها سوريا وتبرير تدخلها العسكري المباشر هناك.

تشوركين: أعتبره
شرفاً وطنياً أن أقف الى جانب أصدقاء
روسيا وأدعمهم

لكن لينش يردف أن «هناك قادة آخرين في المنطقة يثقون بروسيا أكثر من الولايات المتحدة لجهة مَن يقدّم الدعم لأصدقائه في وقت المحن»، ويعطي مثالاً على ذلك، التقدير الذي أظهره رئيس مصر عبد الفتاح السيسي لروسيا ولعلاقات الدولتين منذ تولّيه الحكم، كما يلفت الصحافي أيضاً الى سعي كل من السعودية وبعض دول الخليج وإسرائيل الى «مدّ جسور» مع الرئيس الروسي «رغم الاختلافات السياسية بينهم».
هل يكون الإرث السوفياتي والتجربة التاريخية الجيدة مع السوفيات سبباً لذلك عند بعض الشعوب العربية؟ أم هو بسبب سجلّ روسيا غير الملطّخ بدماء الفلسطينيين واللبنانيين والعراقيين والليبيين واليمنيين عكس الولايات المتحدة؟ مقال «فورين بوليسي» يبقي «غامضاً» سبب «احترام الدول العربية لموسكو أكثر من واشنطن لجهة حسم القرارات».
الاستفسار حول أسباب الهيبة الروسية ومكانتها لدى الشعوب العربية وقادة دول المنطقة تكررت في أكثر من مقال حتى وصل البعض الى لحظ «البوسترات» التي رفعت في الشوارع العربية منذ عام ٢٠٠٦ (بعد انتصار المقاومة اللبنانية على العدوان الإسرائيلي) والتي ضمّت وقتها السيد حسن نصر الله والرئيس السوري بشار الأسد والمرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية علي خامنئي... «لينضمّ اليهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على بوسترات رفعت في دمشق أخيراً». دايفد شانكر على موقع «ذي هيل» أعلن، بعد متابعته لتلك الملصقات منذ عام ٢٠٠٦، أن بوتين انضمّ الى «محور المقاومة» في المنطقة. شانكر أشار الى أن «التدخل الروسي في سوريا هو هدية استراتيجية لمحور المقاومة الذي انضمّت روسيا اليه أخيراً» وأن «جزءا من إعادة إحيائه جاء نتيجة غياب الخطّة السياسية الأميركية في سوريا». الكاتب حذّر من أن «تجعل واشنطن من روسيا وإيران حلفاءها الأمنيين في المنطقة»... «هكذا قد يرى أوباما نفسه الى جانب الأسد وخامنئي ونصر الله وبوتين في الدفعة المقبلة من البوسترات» المعلّقة في شوارع الدول العربية، أردف الكاتب.




انهيار العلاقة مع آل سعود؟

أحيت الهجمات الروسية وانقلاب المشهد في سوريا أخيراً فكرة تكرر ذكرها في السنوات الأخيرة وهي أن واشنطن «تعيد التفكير بعلاقاتها مع آل سعود»، حتى ذهب البعض لدعوة واشنطن الى ذلك جدّياً. مقال في مجلة «فورين بوليسي» يستعرض الواقع السعودي الداخلي والإقليمي وأسباب دعوة البعض واشنطن الى إعادة النظرفي العلاقة مع المملكة. المقال يذكر أسباباً مثل «الانشقاقات داخل العائلة الحاكمة، الحرب على اليمن التي باتت مكلفة كثيراً مادياً وإنسانياً واتهام الأمير محمد بن سلمان باستعجال شنّها من دون استراتيجية واضحة أو خطّة خروج، المشاكل الاقتصادية داخل المملكة، مأساة الحجّ الأخيرة وتبعاتها في العالم الإسلامي، تصعيد الأزمة مع إيران، وخصوصاً بعد التدخّل الروسي ـ الإيراني الأخير، انسحاب واشنطن من المنطقة ونموّ واقع بأن أميركا تتخلّى عن حلفائها التقليديين في المنطقة».