طهران | رفعت إيران لهجتها العسكرية المليئة بالإيحاءات والرسائل، فكان الكشف لأول مرة أمام عدسات التصوير عن قاعدة عسكرية صاروخية تحت الأرض، غصّت بمنصات الصواريخ البعيدة المدى. الكشف البالستي ليس حديثاً، إلا أن التوقيت يعتبر بالغ الأهمية، خصوصاً أنه جاء بعد أقل من 48 ساعة على إعلان طهران تجربة صاروخ «عماد» البالستي.
من المعروف أن أحد أهم التكتيكات العسكرية الإيرانية، التي يتبعها الحرس الثوري، هو إخفاء القدرات العسكرية وعدم البوح بها، لكن خروج القاعدة البالستية إلى العلن حمل دلالات كثيرة. بحسب الإعلان الرسمي، تصل القاعدة إلى عمق 500 متر تحت سطح الأرض، قد تكون محفورة في قعر الجبال أو في جوف الأرض. التوغل كثيراً في الطبقات الأرضية يدلّل على مستوى التحصينات والاستحكامات التي يوليها العسكر أهمية قصوى، فلا أجهزة الكشف الهوائي ولا الحراري ولا حتى الأقمار الصناعية قادرة على رصد هذه القواعد. وفي حال تم رصدها من خلال تعقّب حركة المنصات الصاروخية والتحركات العسكرية، فإن من الصعب إن لم يكن مستحيلاً تدمير هذه القواعد المنتشرة على امتداد الجغرافيا الإيرانية. تعتمد الترسانة الصاروخية الإيرانية تكتيك الإمطار الصاروخي، ولا تعتمد كثيراً على استخدام التقنيات الذكية التي ربما يتم التشويش عليها من خلال منظومات إلكترونية لدى العدو. وفي هذا الإطار، تجدر الإشارة إلى أن رفع مستوى الدقة في الإصابة يعتمد على تحسين نوع الوقود المستخدم، والذي أصبح وقوداً صلباً، وفي بعض الأحيان وقوداً صلباً مركباً، وهو من النوع المستخدم في الصواريخ العابرة للقارات والصواريخ الحاملة للأقمار الصناعية إلى الفضاء. وقد دفع تطوير مدى الدقة، بعيداً عن الدخول في تقنيات التوجيه الإلكتروني، بالصناعات العسكرية إلى إدخال الألياف الكربونية في صناعة الصواريخ، منعاً لرصده السريع من قبل المنظومات الرادارية، إضافة إلى أن الوقود الصلب المركّب يقلّل جداً من خط الدخان الذي تخلّفه عمليات الإطلاق، ما يصعّب مهمة تحديد أماكن إطلاقه.
الأنفاق الصاروخية مجهزة بتقنيات حديثة من حيث تنظيم درجات الحرارة داخلها، إضافة إلى التهوئة والتمديدات الكهربائية، إذ لا يمكن للداخل إليها أن يتخيل أنه على عمق 500 متر تحت سطح الأرض.
وأوضح قائد الوحدات الصاروخية في الحرس الثوري، العميد أميرعلي حاجي زاده، أن «لهذه القاعدة أخوات في كافة المحافظات والمدن والقرى الإيرانية»، مضيفاً أنه «يمكن القول إنه يمكن تصوّر أن كل منطقة في إيران لا تخلو، على الأقل، من قاعدة صاروخية مماثلة».
حديث حاجي زاده المواكب للمشروع الصاروخي الإيراني، منذ انطلاقته، وكشفه عن أعداد هائلة من الصواريخ إضافة إلى الوفرة في العديد، أراد منها استكمال الرسائل التي وجهتها طهران، عبر الصاروخ «عماد»، والتي تتضمن ما مفاده أن التهديد بالعمل العسكري ضد الجمهورية الإسلامية من أي طرف كان، سيواجه برد صاروخي باتجاه قواعد النيران التي سينطلق منها أي هجوم. هذا الأمر يستبعد نظرية تحييد الجيران عن أي ردّ عسكري، وهي سياسية أعلنتها طهران، مسبقاً، داعية جيرانها إلى عدم السماح باستخدام أراضيها كمنطلق للهجوم، لأن الرد ستتسع دائرته باتجاه القواعد المهاجمة على أرض أو في مياه أي دولة كانت، صديقة أو عدوة.
إيران التي انخرطت، بشكل استشاري عسكري، في سوريا والعراق، تجد نفسها اليوم قوة عسكرية على الأرض من خلال «تحالف رباعي عسكري» بحاجة إلى ضخ معنويات وتوزيع رسائل تطمين، وهي سياسة اتبعها حزب الله بالقول إن الانخراط في حرب سوريا لن يشغل المقاومة عن الاستعداد لمواجهة الكيان الإسرائيلي. وهي الرسالة ذاتها والتفكير نفسه لإخوة السلاح في إيران، والذي يتمحور حول أن انخراط طهران في أي عمل عسكري مباشر في سوريا والعراق لن يمنع استكمال التحضيرات لسيناريوات الحرب مع واشنطن وتل أبيب ومن يدعم سياساتهما في المنطقة.
ستشكل صور الأنفاق والصواريخ المنتشرة في داخلها مادة بحث لدى صناع القرار في الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل، فهما المعنيتان بهذا الإعلان، في الدرجة الأولى، وسيعملان بشكل حثيث على دراسة هذه المشاهد وانعكاساتها في أي مواجهة مقبلة.