عدن | ثلاثة أشهر مرت منذ دخول قوات «التحالف» إلى الجنوب اليمني، بعد انسحاب الجيش اليمني و»اللجان الشعبية» من مدينة عدن، التي باتت تعيش أوضاعاً مأساوية في جميع مجالات الحياة. مشاكل كثيرة حوّلت الحياة في عدن والمحافظات الجنوبية إلى ما يشبه الجحيم، بعدما وصلت معاناة المواطنين اليومية إلى درجات غير مسبوقة.
تردّي الخدمات الصحية

أدى تصاعد العنف في الأشهر الأخيرة وانتشار التنظيمات الإرهابية والفوضى العارمة في المدن الجنوبية عموماً وعدن خصوصاً إلى تردي الخدمات الصحية، بصورةٍ مخيفة، ما ينذر بكارثة صحية مقبلة. فبحسب مصادر طبية، فإن حالات الإصابات من جراء الأحداث في ارتفاع مستمر، ما جعل من المستشفيات الحكومية تقف عاجزة أمام هذه الحالات خصوصاً أنها تعاني نقصا حادا في الأدوية والكادر الطبي المؤهل والمعدات الحديثة.

لم يفِ التحالف بأي
من وعوده بشأن عودة المهجرين إلى عدن

ويُعدّ مستشفى «22 مايو» أحد أكثر المستشفيات الحكومية استقبالاً للإصابات منذ بدء الحرب، حيث وصل إليه نحو 3200 إصابة تمكّن من تقديم الخدمات الطبية إليها، من بينها 2000 عملية جراحية. لكنه في الأسبوعين الأخيرين، أعلن إغلاق أبوابه أمام الأهالي، بدعوة الترميم والصيانة، ما جعل من ذلك يمثل ضغطاً على بقية المستشفيات الحكومية كمستشفى «الصداقة» وبعض المستشفيات الخاصة في عدن.
مستشفى «الجمهورية « هو الآخر توقف عن العمل بدعوى إعادة صيانته، إذ إنه لم يعد صالحاً. وتؤكد مصادر طبية أن إغلاقه بسبب نقص الأدوية والمعدات والكادر الطبي الذي هاجر معظمه خارج إلى خارج البلاد، الأمر الذي أدى إلى إغلاقه بحجة الترميم والصيانة خوفاً من رد فعل الناس.
كذلك الأمر بالنسبة إلى مستشفى «إبن خلدون» في مدينة الحوطة عاصمة محافظة لحج شمالي عدن، الذي كان يقدم خدمات صحية متواضعة لأبناء المحافظتين، حتى فوجئ الأهالي بإغلاقه يوم الأحد الماضي، بسبب الإضرابات المستمرة من قبل العاملين فيه على خلفية عدم صرف رواتبهم ومستحقاتهم المالية لأكثر من أربعة أشهر. الأمر الذي ينذر بكارثة صحية تنتظر محافظتي لحج وعدن إذا لم تفِ قوات التحالف بالوعود التي سبق أن قطعتها على نفسها بإصلاح أحوال الناس وتقديم خدمات أفضل اذا خرجت قوات الجيش اليمني و»اللجان الشعبية» من المدن الجنوبية.
وبالنسبة إلى الأطفال، فقد أكد مصدر طبي لـ «الأخبار» أن أعداد الأطفال الذين تلقّوا اللقاحات الضرورية تراجعت بصورة كبيرة، وقد تسببت عوامل عدة بذلك، أهمها انقطاع الكهرباء المتواصل، ما أدى الى صعوبة تخزين اللقاحات الموجودة في مرافق صحية عدة. ولم يتمكن العاملون في مجال التحصين من الوصول إلى أماكن عملهم نتيجة تدهور الوضع الأمني، وعدم حصول العاملين على مستحقاتهم الشهرية فضلا عن نزوح بعض العاملين من مناطق سكنهم إلى مناطق أخرى.
نقص حاد في الغذاء والمياه... وانعدام الوقود!
يعاني عدد من الأسر في عدن نقصا حادا في المواد الغذائية، كما أن نفاد الكثير من السلع والمواد الغذائية من الأسواق المحلية يهدد حياة الآلاف من المواطنين. وقد ضاعف الحصار الذي يفرضه التحالف من حجم المعاناة الإنسانية وتسبب في ارتفاع أسعار السلع الباقية حيث وصلت قيمة أسطوانة الغاز إلى ما يقارب 50 دولارا، وهو سعر جنوني لم تشهده البلاد على مر التاريخ.
أما المخابز، فمعظمها مستمر بالعمل، ولكن على مضض، وذلك نتيجة عدم توافر الدقيق وشح المشتقات النفطية، حيث تشاهد مئات المواطنين في طوابير أمام العدد القليل الباقي من المخابز العاملة للحصول على رغيف الخبز.
ومع أن للمنظمات والمبادرات المحلية الدور الإغاثي الأبرز في الجانب الغذائي في ظل غياب واضح لدور منظمات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى، إلا إنها هي الأخرى مارست فساد يزكم الأنوف واستولت على 70 بالمئة من جميع المساعدات التي حصلت عليها، ما مثّل كارثة جديدة إلى جانب الكوارث السابقة.
وتعاني معظم مديريات عدن الانقطاع شبه الكامل لمياه الشرب الصالحة للاستخدام المنزلي بسبب انعدام الوقود وتعطل أعمال الصيانة، إضافة إلى نقص الموظفين الناجم عن تدهور الوضع الأمني وعدم وجود أموال تشغيلية وعدم وجود الدولة من الأساس.
من جهة أخرى، فاقمت أزمة الوقود في عدن الوضع الإنساني حيث ما زالت كثير من الأسر في عدن تستخدم الحطب بدلاً من الغاز وذلك نتيجة انعدامه أو غلائه. وحتى إن توافر فبكميات لا تفي بتلبية الطلب، رغم وعود شركة مصافي عدن بتوفير المشتقات النفطية والغاز بأسعار معقولة، لكنها ورغم مرور ثلاثة أشهر لم تفِ بما وعدت به.

أزمة أسر الشهداء والمشردين

برغم تأكيد المحافظ عدن الجديد جعفر محمد سعد أن أولوياته تتمثل في حل قضايا السكان وفي مقدمتها أوضاع أسر الشهداء (1275 شهيدا) وصرف مساكن لهم، بالإضافة إلى معالجة الجرحى والمصابين البالغ عددهم 10332 مصابا، بحسب الارقام الرسمية. ستة بالمئة فقط سافروا للعلاج في الخارج، نصفهم إلى السودان والنصف الآخر إلى الأردن. وكشفت تقارير صحافية أنهم جميعا يعانون التسيب والإهمال، فضلاً عن حسم مبالغ مالية كبيرة من المستحقات المالية المخصصة لمعالجتهم، ما دفع بالبعض إلى نشر مناشدات عاجلة تطالب بمساعدة الجرحى.
من جهة أخرى، دفعت الحرب في عدن بعدد من ابنائها إلى التهجير، جراء استمرار الغارات الجوية والمعارك، ما أدى الى إحراق عدد من المنازل وتدميرها.
وعلى الرغم من التهجير ووعود التحالف، حتى اللحظة لم يتم تبنّي أي إجراءات لمعالجة هذا الملف المهم من أجل تخفيف المعاناة عن السكان، وعودة الأسر المهجّرة من خلال تعويضات مستعجلة.

معاناة موظفي الدولة

يعاني موظفو الدولة متابعة حقوقهم الوظيفية بما فيها الرواتب، بسبب وجود المؤسسات الرئيسية في صنعاء (الوزارات - المالية ـ الخدمة المدنية ـ البنك المركزي إلخ) وغياب أي جهة في عدن يمكن الرجوع إليها. وكل ما قاله الإعلام عن وجود حكومة تمارس عملها من أجل خدمة الناس غير صحيح.
وإن قامت جهة بمتابعة مستحقات الناس فإن أول ما تمارسه هو حسم مبالغ مالية على الموظفين بحجة تكاليف متابعة رواتبهم وهو خارج القانون ــ فساد مالي وإداري ــ واضح، حيث أنه منذ بدء الحرب لم يتسلم بعض الموظفين الحكوميين رواتبهم. وبالرغم من عودة المرافق المخصصة لصرف رواتب الموظفين، تعد الخدمة سيئة وربما دون مستوى المسمى أصلاً، فيما لا يزال البعض يتسلمون رواتبهم من صنعاء باعتبار ذلك أسهل من معاناة الانتظار على أبواب البريد في عدن.