منذ الثلاثين من تشرين الأول الماضي، ماطلت قيادة اليونيفيل في تسليم موظفها اللبناني هاني م.، بعدما انتشلته من التوقيف، مذكّرة بالاتفاقية الموقعة بين الأمم المتحدة والحكومة اللبنانية عام 1996، والتي تمنح موظفي الأمم المتحدة في لبنان حصانة ضد الملاحقة القضائية، من دون إذن الأمين العام للأمم المتحدة.
قبل تسليم الموقوف أمس، بعثت الأمم المتحدة، بواسطة اليونيفيل كتاب استيضاح للنيابة العامة التمييزية، ممثلة بالنائب العام القاضي سمير حمود، طالبةً شرح الاتهامات والأدلة التي استُند إليها لتوقيف موظفها هاني م، بحسب مصادر قضائية مطلعة على التحقيق. فأحال النائب العام التمييزي الكتاب إلى النيابة العامة العسكرية التي ردّت برسالة أوضحت فيها الاتهامات والأدلة المتوافرة بحقه، بل «والتي تدينه أيضاً»، بحسب المصادر نفسها، ما أسقط أي حجة للأمم المتحدة بعدم تسليم موظفها. ووفقاً للاتفاقية، يجب على اللجنة المولجة الموافقة على إسقاط الحصانة إحالة طلب الموافقة إلى الأمين العام للأمم المتحدة، على أن يتضمن الأدلة المتوافرة مع تقويم مُرفق، ليتسنى للأخير إعطاء الإذن بإسقاط الحصانة. وهذا الأمر وفّرته النيابة العامة العسكرية للأمم المتحدة خطياً، ما ألزم بان كي مون بالموافقة على رفع الحصانة وتسليم المشتبه فيه إلى السلطات اللبنانية. سبقت ذلك ممارسة الموظفين اللبنانيين في اليونيفيل ضغوطاً على قيادة القوات الدولية، لتسليم المطلوب إلى القضاء اللبناني، معبّرين عن استيائهم من التحفظ على تسليم مشتبه فيه ملاحق بجريمة بهذا القدر من الخطورة.
بسيارة تابعة للأمم المتحدة، نقل الموظف في الإدارة والمالية في قيادة اليونيفيل (هاني م.) من مقرها العام في الناقورة إلى مقر المديرية العامة للأمن العام. وكان الأمن العام قد أوقف المشتبه فيه في صيدا في الثلاثين من الشهر الماضي خلال انتقاله من مقر عمله في الناقورة نحو بيروت بعد رصد تحركاته لأيام. إلا أن توقيفه لم يدم بعدما تدخلت قيادة اليونيفيل لإخلاء سبيله استناداً إلى الحصانة التي يتمتع بها بفضل الاتفاقية الموقعة بين الأمم المتحدة والحكومة اللبنانية عام 1996 التي تمنع على السلطات اللبنانية توقيف أي موظف لديها إلا بإذن من الأمين العام للأمم المتحدة. بان كي مون أعطى أخيراً موافقته أمس بحسب بيان وزعته اليونيفيل جاء فيه: «بعد دراسة المعلومات المقدمة من قبل السلطات اللبنانية، قرر الأمين العام أن الادعاءات ضد الموظف المدني لدى اليونيفيل لا تبدو مرتبطة بعمله. ووفقاً لهذا، فإن الحصانة من أي ملاحقة قانونية لا تطبق في هذه الحالة». ولفت إلى أن اليونيفيل «ستواصل تقديم المساعدة المطلوبة لتسهيل تحقيقات الحكومة في هذه المزاعم، وتعتبر أن من الأهمية متابعة عملية التحقيق والعملية القضائية وفقاً للمعايير الدولية للعدالة والإنصاف وللإجراءات القانونية الواجبة».

النيابة العسكرية أوضحت لليونيفيل «الأدلة التي
تدينه أيضاً»


الأمم المتحدة احتاجت إلى 13 يوماً لكي تقدم فتواها في ما وصفته بـ»المزاعم» حول تورط هاني بالتعامل مع العدو، إضافة إلى رامز س. وزوجته اللبنانية سلام ش، بإشراف من العميل الفار في الأراضي المحتلة طنوس الجلاد. خلال فترة التمحيص بـ»المزاعم»، وضع المشتبه فيه «قيد الإقامة الجبرية في مقر الناقورة»، كما نقلت اليونيفيل. أول من أمس، نقل هاني م. (46 عاماً) إلى المستشفى الميداني لليونيفيل في المقر العام لإصابته كما نقلت مصادرها بـ»أزمة صحية ونفسية نتيجة الضغط الذي يتعرض له». بقي في المستشفى حتى ظهر أمس عندما نقل إلى بيروت.
على صعيد المسار القضائي للقضية، فإن التحقيقات أنجزت من قبل الأمن العام مع المتهمين الثلاثة (رامز س. أوقف في 28 تشرين الأول، وسلام ش. أوقفت بعد يومين). وعليه، كان القاضي صقر صقر قد ادعى أول من أمس عليهم وعلى الجلاد غيابياً، «بجرم التعامل مع العدو الإسرائيلي ومراقبة أماكن وجود شخصيات سياسيّة ودينيّة وعسكريّة تحضيراً للقيام بأعمالٍ إرهابيّة. وأحالهم على قاضي التحقيق العسكريّ الأوّل رياض أبو غيدا».
لكن القصة لم تعد مرتبطة بتوقيف هاني م. فحسب، بل باستحضار حملات التشكيك والشبهة التي يشنها بعض الجنوبيين تجاه دور اليونيفيل وأدائها. أمس، حاولت لجنة الموظفين اللبنانيين في الناقورة تنفيذ تحرك احتجاجي. لكن قيادتهم أجهضته لأن «مسؤول الشؤون القانونية اضطر إلى مغادرة المقر لأسباب طارئة وهو المخول بشرح حيثيات تهمة المشتبه فيه». استياء الموظفين من مماطلة اليونيفيل بتسليم زميلهم إلى السلطات اللبنانية، عززه المنصب الحساس الذي كان يتولاه كمسؤول في قسم الإدارة والمالية واطلاعه على ملفات كل الموظفين الإدارية والمالية والمعلوماتية. في الإطار ذاته، كان عدد من رؤساء بلديات المنطقة الحدودية في قضاءي صور وبنت جبيل يستعدون لتحرك احتجاجي ضد التأخر في تسليمه.