على الطريقة اللبنانية، انتهت ازمة جلسة مجلس النواب الذي يلتئم اليوم على نحو يخرج منها الجميع رابحين، بلا خاسرين ولا ضحايا. لكنهم يربحون خصوصاً على نحو متساو لا يكسر احد احداً في كل اتجاه:ــــ اولهم الرئيس نبيه بري باصراره على انعقاد الجلسة في موعدها، بجدول الاعمال نفسه بلا نقصان او زيادة، متمسكاً برفض تعديله وادخال مشروع قانون الانتخاب عليه. لم يكن في صدد الموافقة على تأجيل الجلسة وإن لم يكتمل نصابها القانوني، وهو المتيقن سلفاً من توافره، ودافع باستمرار عن وجهة نظره بضرورة التوافق على قانون انتخاب يسبق عرضه على البرلمان.

عندما فاتحه النائبان جورج عدوان وابراهيم كنعان الثلثاء بوضع قانون الانتخاب في جدول اعمال الجلسة التالية لمجلس النواب مع مشروع سلسلة الرتب والرواتب، علّق: ماذا اذا لم نتفق على مشروع، ماذا نفعل بالجلسة؟ هل نغلق المجلس حتى نتفق على صيغة؟ قال ايضاً: اتفقوا على قانون (التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية) وانا موافق عليه. انتظر جوابهما الذي لم يأتِ منذ الثلثاء.
اكثر من مرة ردد رئيس المجلس في اليومين المنصرمين امام زواره النواب: لا يمكن مطالبتي من تحت الطاولة بوضع قانون الانتخاب في جدول الاعمال، في وقت تتعذر مناقشته والاتفاق عليه عندما يصبح فوق الطاولة.
انطوت تسوية الرئيس سعد الحريري على هذا المخرج باقتصار جدول اعمال جلسة اليوم على البنود المالية.
ــــ تساوى الرئيس ميشال عون ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع في كسبهما سلفاً تعهداً قاطعاً بالتصويت على اقتراح القانون المكرر المعجل باستعادة الجنسية، وكانا تشبّثا باقراره وليس ادراجه في جدول الاعمال فحسب، ما حتم ثلاثة اجتماعات للثلاثي المسيحي وتيار المستقبل لمناقشته والتوافق على صيغته النهائية. بيد ان عون ربح ايضاً تعهداً مسبقاً باقرار اقتراح عائدات البلديات من الهاتف الخليوي.
ــــ نجح رهان حزب الله في تعويله على عامل الوقت منذ السبت حتى الساعات القليلة المنصرمة، وخصوصا من خلال زيارتين لموفديه حسين خليل ووفيق صفا في اليومين الاخيرين، لاتمام تسوية لا ترجح احدى كفتي بري او عون.

للمرة الثالثة يجد تيار
المستقبل نفسه وجهاً لوجه
مع جعجع


وهو ما عبر عنه امس الامين العام السيد حسن نصرالله بموقف ساوى بين ضرورة اجتماع مجلس النواب والخوض في قانون جديد للانتخاب.
شأن اكثر من مرة، وجد الحزب نفسه محرجاً في النزاع المحموم الذي لا يرتوي بين بري وعون، وحاول على الدوام عدم تغليب وجهة نظر على اخرى، وهو يحافظ في الوقت نفسه على تماسك الثنائية الشيعية وخصوصا مع رئيس المجلس، وعلى «ورقة التفاهم» مع عون وعدم بث الظنون والشكوك فيها. ليست مفارقة ان حزب الله الذي جارى عون في مقاطعته جلسات مجلس الوزراء فتغيب وزيراه بينما حضر وزيرا بري، هو نفسه يقف بقوة الى جانب رئيس المجلس ويدافع عن التئام جلسات البرلمان والتشريع وان لوّح حليفه الآخر بمقاطعتها. الا انه ايضاً الحزب نفسه الذي ابتعد عن رئيس تكتل التغيير والاصلاح حينما ايّد تأجيل تسريح القيادات العسكرية والامنية مرتين على التوالي، وحينما وقع وزيراه على مرسوم فتح دورة استثنائية لمجلس النواب في ايلول رفضه عون والوزراء المسيحيون فلم يبصر النور. ها هو نفسه ــــ بعد طول معارضة ــــ ينضم الى التصويت مع اقتراح استعادة الجنسية وكان من ابرز معارضيه.
ــــ ربح تيار المستقبل ايضاً وايضاً اذ بدا رئيسه واجهة التسوية من خلال بيان فصل بين القوانين المالية وقانون الانتخاب في الجلسة نفسها، الا انه علق المشاركة السنّية في اي جلسة مقبلة لمجلس النواب لا تكون مخصصة لمناقشة قانون الانتخاب، في وقت لا يخفى ان التيار اول مَن يعارض الخوض في قانون جديد للانتخاب بذرائع شتى احدثها ــــ وليس آخرها ــــ عدم صواب اقراره قبل انتخاب رئيس الجمهورية.
لم يكن تيار المستقبل اقل احراجاً من حزب الله، وهو يجد نفسه للمرة الثالثة وجهاً لوجه مع جعجع، بعد اولى عندما قفز حليفه الى تأييد اقتراح اللقاء الارثوذكسي وثانية بعد ترشحه لرئاسة الجمهورية من دون تنسيق مسبق. في الايام الاخيرة امتعض نواب التيار من مواقف جعجع ومغالاته في الانضمام الى عون، في اكثر من اشارة سلبية مباشرة الى اهتزاز تحالفه مع تيار المستقبل، قبل ان يسارع الحريري الى الايعاز الى هؤلاء بعدم الرد او الدخول في اشتباك اعلامي مع جعجع.
في المخرج التسوية الذي ارضى عون وجعجع ــــ الخصم والحليف ــــ لجأ الحريري الى مناورة سبق ان عمد اليها في تشرين الثاني 2014 على ابواب نهاية الولاية الممددة الاولى للبرلمان، بقوله انه لن يشارك في الانتخابات النيابية، ما حمل بري على قيادة معركة التمديد الثاني. في طبعة مطابقة للمناورة نفسها، لا يشارك الحريري في جلسة عامة تلي جلسة اليوم لا تقتصر على قانون الانتخاب، وهو بذلك يلجأ الى استخدام سلاح الميثاقية بحجب الحضور السنّي عن جلسة لا تستجيب هذا الشرط.
لكن ما يلتقي عليه الافرقاء هؤلاء جميعاً بلا استثناء، ان اياً منهم لا يصدق حقاً ان في وسعهم الاتفاق على قانون جديد للانتخاب ما ان يُدرج في جدول الاعمال ــــ شأن انتخابات الرئاسة ــــ قبل جلاء الغبار من وراء الحدود الشرقية.