تتابع الأوساط السياسية اللبنانية ما يدور من مفاوضات إقليمية ودولية حول الوضع السوري، انطلاقاً من نقطتين أساسيتين: وقف النار، ومصير النازحين السوريين إلى لبنان في أي تسوية محتملة.
وإذا كانت المفاوضات الدولية مع الدول العربية المعنية، وفي مقدمها السعودية، لا تزال تدور حول البند المتعلق بمصير الرئيس بشار الأسد، وما إذا سيكون جزءاً من التسوية أو المرحلة الانتقالية أو سيحق له الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة التي أشارت إليها مقررات مؤتمر فيينا، فإن لبنان معنيّ مباشرة ببند وقف النار الذي يفترض أن تضع الأمم المتحدة برنامجه، ليس فقط لجهة تأثير وقف الحرب السورية على لبنان، بل أيضاً في ما يتعلق بوضع حزب الله في سوريا.
في الأسابيع الأخيرة التي سبقت مؤتمر فيينا، جرى الكشف عن مسودات أفكار وضعتها موسكو في رؤيتها للحل السياسي، منها ما يتحدث عن هدف روسي بمنع التنظيمات الإرهابية من السيطرة على سوريا والإبقاء عليها دولة موحدة ديموقراطية علمانية، وأخرى تحدد إطاراً لحل سياسي متكامل لسوريا تشكل الانتخابات النيابية والرئاسية إحدى أهم نقاطها وإطلاق جميع المعتقلين والرهائن ووضع جميع المسلحين الذين يلتزمون هذه التسوية تحت إمرة القوات المسلحة، وتعهد الدول عدم إرسال الأسلحة إلى المسلحين السوريين على اختلافهم. لكن المفارقة أن كل ما تسرب من أفكار روسية خضع للتعديل تباعاً، كعدم تمسك روسيا بإبقاء الأسد على رأس السلطة، إلى حد أن إحدى الأوراق تحدثت بإسهاب عن مصيره وعن ضمان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين نفسه عدم ترشحه للانتخابات الرئاسية المقبلة.

أي وقف للنار
يفترض أن يأخذ في الاعتبار عدم تحوّل النازحين إلى لاجئين

ورغم أن هذه الفقرة أثارت ردّ فعل من روسيا التي حاولت نفي اتخاذها مثل هذا القرار، علماً أن الأسد زار موسكو في الفترة التي تزامنت مع تسريب الأفكار الروسية، إلا أن توجه مؤتمر فيينا، قارب إلى حد ما هذه الرؤية من خلال الاتفاق على تسوية مرحلية عبر انتخابات نيابية ورئاسية، ولو ظل الاختلاف على مصير الأسد قائماً.
ما يعني لبنان من الأفكار الروسية التي تأخذ طريقها إلى الحوارات الدولية هو، بحسب مصادر مطلعة، مقاربة موسكو لوقف لإطلاق النار على كل جبهات القتال بين النظام والمعارضين، من دون أن تحدد ما إذا كان وقف النار سيشمل حزب الله والحرس الثوري الإيراني والموالين لإيران. وفيما أوكل مؤتمر فيينا إلى الأردن مهمة تنسيق قائمة المنظمات الإرهابية، وفي وقت تتركز فيه الجهود الغربية على محاربة تنظيم «داعش» تحديداً، ولا سيما بعد تفجيرات باريس، فإن وضع حزب الله في سوريا لا بد أن يكون في جملة محاور النقاش من الآن وصاعداً، في أي مقاربة عربية أو أممية لوقف النار، لجهة وضعيته العسكرية والأمنية في سوريا. فالمفاوضات الثنائية الأميركية ــ الروسية، ودور السعودية في التعامل مع الحل السياسي لسوريا، لا بد أن يضيفا وضع حزب الله على الأجندة الدولية، في ظل الرعاية الإيرانية لأي حل في سوريا. وهذا الأمر سيرتب على الحزب الكثير في مرحلة ما بعد فيينا، أولاً لأن مسار التفاوض والمراحل المقترحة طويل نسبياً، ولأن مصير الأسد لا يزال معلقاً، الأمر الذي لا يمكن معه الحزب أو إيران أن يسلما مبكراً بأي تسويات ووقف النار قبل اتضاح الرؤية الكاملة لسوريا في ظل الأسد أو من دونه، خصوصاً أن هناك عوامل أمنية وعسكرية تتعلق بلبنان وبالحزب تحديداً، لم يعد من السهل على الحزب التخلي عنها بين ليلة وأخرى. فالحزب موجود في سوريا اليوم في أماكن استراتيجية تعني سوريا ولبنان معاً، ولا سيما على الحدود الشرقية، وهو يأخذ بحسب أدبياته على عاتقه محاربة هذه التنظيمات، وفي مقدمها «داعش» و»جبهة النصرة». وفي حين أن السعودية لا توفر جهداً للإشارة إلى الحزب ودوره في سوريا، إلا أنه أيضاً يمكن الملاحظة أن ثمة تحييداً غربياً حتى الساعة عن مقاربة هذا الدور في انتظار نضوج حل متكامل مع إيران حول سوريا. علماً أن تفجير برج البراجنة أسهم أيضاً إلى حد كبير في توجيه الأنظار إلى «داعش»، أكثر مما أعاد طرح دور حزب الله في سوريا على بساط البحث الدولي. وفي خضم الحملة الدولية على «داعش»، بعد تفجيرات باريس، يمكن الحزب أن يرتاح مرحلياً من توجيه الأنظار إليه ووضعه تحت لائحة مطالب دولية، إلا في حال ارتداد «داعش» على لبنان وعليه كما فعلت أخيراً.
ورغم أنّ من المبكر لأوانه الحديث عن وقف للنار سوريا، وهو أمر سبق للبنان أن عرفه إبان حرب 1975 الطويلة من مفاوضات عقيمة لوقف النار، إلا أن مصير النازحين السوريين، يشكل أيضاً عامل ضغط لبناني بالدرجة الأولى في خريطة طريق التسوية السورية. وقد دلت الأحداث الأخيرة والمهمات الأمنية التي تنفذ في أماكن تجمع النازحين السوريين، وتسليط الضوء على ارتفاع نسبة المتهمين الذين يلقى القبض عليهم من بين النازحين، (فضلاً عن تسجيل نسب مرتفعة بينهم حتى في الجنح والجرائم التي لا تصنف أمنية)، على أن هذا الملف سيظل ملفاً ضاغطاً أمنياً، رغم جهود كل الأجهزة الأمنية المستمرة التي لا بد بعد انكشاف الخلايا الأخيرة أن تحظى بغطاء سياسي أكثر شمولية في تدقيقها في بقع تجمعات النازحين.
فأي وقف ـــ ولو مرحلياً ــــ لإطلاق النار في سوريا، يفترض أن يأخذ في الاعتبار أيضاً عودة النازحين إلى بلادهم، لا الاستسلام إلى فكرة تحولهم «لاجئين في لبنان». كذلك يفترض، وفق أي مسار سياسي جدي، أن يكون لبنان في صلب متابعته لجهة طرح ملف النازحين، ليس من باب التعهدات الدولية بتوفير متطلباتهم الحياتية والتعليمية والصحية ودفع التمويل اللازم للبنان لإبقائهم فيه، كما يحصل اليوم، خصوصاً خلال الزيارات التي يقوم بها مسؤولون غربيون لبيروت، بل لجهة وضعهم ورقة أساسية على طاولة أي مفاوضات تتعلق بوضع سوريا، وتحولهم بنداً رئيسياً أسوة بكل بنود التسوية الأخرى، لأن الدول الأوروبية ستكون بعد مؤتمر باريس، أكثر تشدداً في استقبال النازحين السوريين، الأمر الذي يضاعف من إمكان بقائهم في لبنان الذي يرزح منذ أربعة أعوام تحت ثقل هذا النزوح. هذا إذا سارت التسوية الدولية في طريقها الصحيح، وإلا فإن لبنان معرض لضغط نزوح أكثر، مع كامل المفاعيل التي يمكن أن ينتجها انفراط عقد التسوية، والمخاطر الجديدة التي يمكن أن تصيب لبنان، إذا ارتدت الحملة الغربية على «داعش» في الساحة المحلية، وقد تكون برج البراجنة حينها أول العنقود.