آخر تحديث 5:30 PM بتوقيت بيروت | خاص بالموقع «هو المستشفى الوحيد، على طول الساحل الممتد من الكورة إلى جبيل». هكذا يبدأ الحديث مع مدير مستشفى البترون (مستشفى الدكتور إميل البيطار الحكومي) الدكتور الياس الهاشم عن المؤسسة التي يديرها، والمعرّضة لخطر الإقفال أواخر العام الجاري. وهو التاريخ الذي ينتهي معه عقد استثمار «الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي» للمستشفى، وعدم رغبته بالتجديد.

من هنا، يصرّ الهاشم على الحديث عن المشكلة القائمة اليوم بدءاً من «حكاية المستشفى»، بهدف إيصال الرسالة «لمن يهمّه الأمر» بأن «امنحوا الفقراء فرصة الإستشفاء». بدأت القصة إذاً منتصف شهر آب الماضي، عندما «أرسل الضمان الاجتماعي إنذارات للموظفين في المستشفى للإستغناء عن خدماتهم، وقد كانت هذه الشرارة الأولى التي أشارت إلى احتمال عدم تجديد العقد». وما زاد الطين بلّة أنّه «تكوّن لدى الموظّفين شعور بأنّ وزارة الصحّة العامة لا ترغب هي الأخرى بإعادة استلام المستشفى». وهو ما نفاه وزير الصحّة وائل أبو فاعور بالقول إنه لا مانع من إعادته «ولكن الأمر يتطلّب مرسوماً من مجلس الوزراء، وهو ما يستحيل في الوقت الحالي لكون المجلس لا ينعقد».
وبما أن المرسوم «مستحيل»، فقد عقد اجتماع، ظهر اليوم، على «نيّة» مستشفى البترون، خرج بخلاصة مفادها أن «يحاول الضمان الاجتماعي الإستمرار في إدارة المستشفى، مع تأمين كل المستلزمات والتغطية القانونية والمالية له، لأن الضمان لا يستطيع الإستمرار في الإدارة وتكبّد الخسارة»، بحسب ما صرّح به وزير العمل سجعان قزّي. وأشار قزّي إلى أنه «سيُعقد اجتماع قريب برئاسة رئيس الحكومة تمام سلام وحضور وزير المالية علي حسن خليل، لإيجاد الحلّ الكامل لهذه التسوية المؤقتة لاستمرار عمل المستشفى». وقد علمت «الأخبار» أن الاجتماع سيعقد صباح اليوم الجمعة في السرايا الحكومية.
إذاً، استقرّ الحلّ على تمديد العقد، مؤقتاً، مع «الضمان». والمؤقت، بالصيغة اللبنانية، لا نهاية له. وهو ما يخاف منه العاملون في المستشفى، وخصوصاً أنه في «الوقت الراهن، لا أمل في انعقاد جلسة لمجلس الوزراء، أضف إلى ذلك أن الضمان لم يعد مرتاحاً لإبقاء المستشفى في كنفه»، يقول الهاشم. ويستند في ذلك إلى حوادث سابقة، منها محاولات «الضمان» المتكرّرة، حتى قبل انتهاء مدّة العقد، لنفض هذه المسؤولية عن كاهله. ويستذكر في هذا الإطار ما جرى عام 2009 «عندما طالب الصندوق وزارة الصحّة باستعادة المستشفى، متذرّعاً بأنه يعاني عجزاً»، ولكن في ذلك الوقت لم ينجح الصندوق في هذا، لكون عقد الإستثمار يمتدّ حتى أواخر العام الجاري.
مرّت ستّ سنوات، وما زالت «حجّة» العجز هي الأقوى. وفي وقتٍ سابق، أعلن المدير العام للصندوق محمد كركي أنّ سبب «توليّ الصندوق إدارة مستشفى البترون عام 1971 يعود إلى غياب المستشفيات الحكومية آنذاك، وقد ألزم بذلك في حينها، أما اليوم، فمن غير الجائز استمرار الضمان في تكبّد الخسائر في المستشفى على حساب حقوق المضمونين، الذين يمثّلون أولوية بالنسبة إلى عمل الضمان».
وانطلاقاً من هذه النقطة، يشير رئيس بلدية البترون مارسيلينو الحِرك إلى أن «كل المستشفيات الحكومية تعاني الأمر نفسه، وليس الأمر وقفاً على مستشفى البترون، الذي يستقبل ما لا يقل عن 5 آلاف مريض سنوياً، والحاجة إليه أكثر من ضرورية لكونه يخدم أهالي المنطقة والجوار».
يكمل الهاشم ما بدأه الحِرك، ويعطي مثالاً على العجز: «مستشفى بيروت الحكومي»، منطلقاً منه للقول «إنّ المستشفيات الحكومية، على عكس المستشفيات الخاصة، واقعة دائماً بالخسارة». أما لماذا تحدث هذه الخسارة؟ فيردّ الهاشم الأمر «إلى التعريفة الإستشفائية، إذ إن تعرفة الضمان معروفة 10%، ونحن عندما يأتينا مريض مضمون أو على حساب وزارة الصحة، فنحن نلتزم التعرفة، ما يعني أن مريض الضمان بيدفع بالمستشفى فرق الـ10%». ولأن «80% من مرضى المستشفى هم إما مضمونون أو على حساب وزارة الصحة أو التعاونيات»، فالعجز قائم لا محالة «إذا ما أخذنا بعين الإعتبار الفارق ما بين المداخيل والمصاريف». هذا الفارق «الذي يبلغ اليوم مليار و300 مليون ليرة لبنانية من الموازنة البالغة تسعة مليارات ليرة لبنانية، وقد غطّاه الضمان لهذا العام، علماً أن النسبة تتناقص منذ عام 2010».
هذا في ما يخص الواقع الذي ينسحب على مستشفيات كثيرة. أما في لغة «الربح والخسارة»، فمن الطبيعي أن «يكون الضمان خاسرا... لكوننا نتحدّث عن مرفق عام»، يقول الهاشم.
لكن، ما يحدث في المستشفيات الحكومية لا يمكن تعميمه، ولو بنسبة مئوية ضئيلة، على ما يجري في المستشفيات الخاصة، إذ يشير أحد الأطباء العاملين في مستشفى خاص إلى أن «الأمر هنا مختلف، إذ يعود للمستشفى القرار في استقبال المريض على حساب الضمان أو وزارة الصحة من عدمه، وفي كلتا الحالتين، ثمة هامش من الربح». ويتابع «إذا استقبله المستشفى، يمكنه أن يفرض عليه، فضلا عن قيمة التعرفة، مبلغاً إضافياً بدل خدمات، وفإذا لم يستقبله، فالذريعة الجاهزة هي أن سقف التعرفة الإستشفائية قد انتهى». هذا السقف الذي ينتهي أحياناً منتصف الشهر. وهذا سؤال برسم وزارة الصحّة العامة والضمان الاجتماعي أيضاً.

لمحة

في عام 1971، وقّعت وزارة الصحّة العامّة اتفاقية مع الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، يستثمر من خلالها الأخير مستشفى البترون لخمس سنوات، على أن يعمّم «المثل» تباعاً على جميع الأراضي اللبنانية. انتهت المهلة في عزّ الحرب الأهلية اللبنانية، فصار التجديد يحدث تلقائياً كل عام حتى عام 2000. عندها، طالب الضمان بفسخ العقد، إلا أنه لعدم قدرة وزارة الصحة في ذلك الوقت على استرداد المستشفى، جرى تمديد العقد لخمسة عشر عاماً تنتهي في الثالث عشر من كانون الأول المقبل.
40 عاماً في عهدة «الضمان» ستمدّد مؤقّتاً، على أن تستعيد وزارة الصحة «أملاكها»، عندما يصبح مجلس الوزراء قادراً على عقد جلسته. وإلى حين ذلك، سيبقى مصير 230 عاملاً في المستشفى (160 موظفاً و70 طبيباً) معلقاً، ومعهم حياة عائلاتهم.