القاهرة | ربما كانت عودة المذيعة على فضائية «النهار» المصرية ريهام سعيد (الصورة) إلى الشاشة مرّة أخرى متوقعة، لكن ما لم يكن متوقعاً أن تعود بهذه السرعة وبهذه الطريقة. المذيعة أثارت جدلاً بعد حلقتها مع فتاة تعرّضت للتحرش في أحد المراكز التجارية في القاهرة في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، وعرفت وقتها بأزمة «فتاة المول». هاجمت ريهام الضحية، ونشرت صوراً شخصية لها (الأخبار 28/10/2015).
وكشفت الفتاة لاحقاً أن فريق إعداد البرنامج سرق صوراً لها من هاتفها المحمول ونشرها في الحلقة للإيحاء للرأي العام المصري بأنّها «فتاة مستهترة وأن التحرّش بها طبيعي». بيان «النهار» أعلن بشكل رسمي عن عودة برنامج «صبايا الخير» قريباً لـ «أداء دوره الخيري والإنساني والوطني، والتخصّص فيه، على أن يكون ذلك بدون أي إعلانات أو رعاة للبرنامج لأجل غير مسمّى. وأن يكون هدف البرنامج الرئيسي هو تكثيف الأعمال الخيرية والوطنية ومراعاتها من دون أهداف تجارية». وكان رعاة البرنامج قد أعلنوا انسحابهم من البرنامج مع أزمة «فتاة المول»، وكذلك تمكّنت شخصيات عامة من جمع 80 ألف توقيع للمطالبة بوقف البرنامج. كما دشّن مستخدمو مواقع التواصل الإجتماعي هاشتاغات لمهاجمة ريهام وبرنامجها والقناة أيضاً. وظهرت دعوات كثيرة لحذف القناة عن «الريسيفير»، وهو الوضع الذي إضطر إدارة القناة وقتها لإصدار بيان أكّدت فيه إحترامها للمشاهدين، ووعدت بإجراء تحقيق عن واقعة نشر الصور الشخصية للضحية.
وفي بيان «النهار» الذي صدر مساء أمس، جاء أنّ القناة إنتهت من دراسة جميع ملابسات الحلقة التي أثارت الأزمة، و«حرصت على مراجعة جميع التفاصيل الداخلية التي أحاطت بالحلقة المثيرة للجدل مع فريق العمل. لكنّها قرّرت عدم إعلان أيّ تفاصيل خاصة بنتائج دراستها، إحتراماً للقضاء المصري الذي ينظر في الموضوع بأكمله، حيث تدرس الإدارة حالياً جميع الإجراءات الإدارية التي ستتخذها حيال كل الأطراف». وكانت الضحية (الفتاة) قد تقدّمت ببلاغ تتهم فيه ريهام و«النهار» بانتهاك خصوصيتها ونشر صور خاصة من دون الرجوع إليها. كما تقدّم عدد من المنظمات النسوية ببلاغات مشابهة، متهمة ريهام بمهاجمة الضحية، والتشجيع على التحرّش.
جاءت مبرّرات «النهار» لعودة برنامج ريهام إستغلالية، معتمدة على الدور الذي كان يقوم به «صبايا الخير» في علاج غير القادرين. وجاء في البيان أنّ القناة «راجعت الأعمال الإنسانية والوطنية للبرنامج على مدار السنوات السابقة التي ساهمت في الكثير من أعمال الخير، وعبّرت عن مصالح فئات مختلفة من المجتمع لا تستطيع إيصال صوتها واحتياجاتها في المساعدة أو العلاج. لذلك تأثرت تلك الفئات كثيراً بعد قرار تعليق البرنامج، وهذا ما دفع إدارة الشبكة لاتخاذ قرار بعودة البرنامج قريباً لأداء دوره الخيري والإنساني والوطني». هذا الحديث أثار حفيظة كثيرين، إذ أنّ الدور الإنساني والخيّر قد يقوم به أيّ مذيع آخر غير ريهام، فضلاً عن أنّ الفضائيات ليست مكان جمع التبرعات، خصوصاً أنّه يتمّ تصوير المحتاجين بطريقة مهينة. وفي حال كانت إدارة الفضائية تريد فعلاً عملاً خيرياً، فلها أن تنشئ جمعية خيرية تقوم بما كانت تقوم به ريهام، من دون إستغلال وإمتهان لآلام الفقراء المرضى.
ويرى محمود خليل، الأستاذ في كلية الإعلام في جامعة القاهرة، أنّ عودة «صبايا الخير» تعبّر «عن حالة الفوضى الإعلامية التي نشهدها خلال الأشهر الأخيرة من افتقار للقيم الاخلاقية والمهنية». وتابع أنّ ما قدّمه البرنامج «مادة تميل إلى الكذب والتدليس في عرض المضمون على المشاهدين، وإستند إلى لغة مراحيضية استخدمتها مقدّمته لجذب المشاهدين على حساب إحترامهم والمعايير الأخلاقية المعروفة».
من جانبه، قال الخبير الإعلامي ياسر عبد العزيز إنّه «إذا كان الجمهور يريد إعلان غضبه من عودة برنامج «صبايا الخير» عليه أن يواصل ما بدأه بالفعل من دون كلل أو ملل». ولفت إلى أنّه حين إتخذت «النهار» موقفاً بتجميد البرنامج، كان ذلك نتيجة «ضغط شعبي تعرّضت له، لكن حين توقفت حملات الردع عادت الأمور إلى طبيعتها من جديد».
والحقيقة أنّ الضغط لم يتوقف بعد بيان «النهار» الليلي، إذ انتشرت دعوات لحذف قناة «النهار» عن جهاز «الريسفير»، فضلاً عن مقاطعة القناة حتى تعود عن قرارها بإعادة برنامج ريهام، صاحبة لقب «المندوحة» الذي وصفها به يسري فودة، أثناء خلافه معها قبل وقف برنامجها، وأصبح هو لقبها الأشهر للسخرية منها.