إسطنبول ــ> الأخبار هيمن مضمون التقرير الذي نشرته صحيفة «صباح» المقرَّبة من الحكومة التركية، أمس، والذي تحدثت فيه عن وجود مشروع تقدّمت به المعارضة السورية إلى أنقرة، ينصّ على إقامة تركيا منطقة حظر جوي داخل الأراضي السورية تتحوّل إلى منطقة عازلة تضمّ مدينة حلب لإسقاط النظام، على تصريحات معنيين رئيسيين بالملف السوري، من سوريين ومسؤولين أجانب. فالمشروع الذي أكّدت الصحيفة أن أنقرة وافقت على التزام تطبيقه بشروط ثلاثة، لمحت باريس إلى موافقتها عليه، وسط حماسة صريحة من «الاخوان المسلمين» السوريين لحصوله.

وبعد نشر التقرير الصحافي، نقلت وكالة «رويترز» عن مسؤولين أتراك نفيهم صحته، وهو الذي قالت «صباح» إن تركيا تشترط، قبل السير به، أن تتحقق 3 شروط أساسية، تتلخص بأن يصدره مجلس الأمن الدولي بموجب قرار بعد أن تتوحّد أطياف المعارضة السورية، وأن تؤيده الجامعة العربية وأن تضمن تنفيذه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
وبحسب الصحيفة، ينصّ المشروع، الذي «تمت مناقشته بين الحكومة التركية والمعارضة السورية» من جهة، «وبين الحكومة التركية والجامعة العربية» من جهة أخرى، على إقامة منطقة حظر جوّي في البداية تكون بعمق 5 كيلومترات انطلاقاً من طول الحدود التركية وصولاً إلى حلب «التي ستتحوّل مع الوقت إلى أساس للمنطقة التي ستصبح في ما بعد منطقة عازلة». وبحسب «صباح»، فإنّ «اتصالات المعارضة السورية في القاهرة وفي تركيا خلصت إلى أن تعلن الأمم المتحدة منطقة الحظر الجوي هذه، على أن تطبّقها تركيا وأن تدعمها الجامعة العربية»، مع التشديد على أنّ «تدخُّلاً عسكريّاً لحلف شمالي الأطلسي لن يحصل أبداً في سوريا». ووفق المشروع نفسه، فإنّ منطقة الحظر الجوي ستتّسع مع مرور الوقت لتصبح منطقة عازلة، مع التأكيد أن المراقبين الـ500 الذين قرر العرب إرسالهم إلى سوريا سيتوجهون فعلاً إلى هناك و«سيكونون المرحلة الأولى من سياسة رفع الضغوط على النظام السوري بحسب ما اتُّفق عليه في الرباط»، في إشارة إلى اجتماع وزراء الخارجية العرب واللقاء العربي ــ التركي في العاصمة المغربية أول من أمس. وأشارت الصحيفة إلى أنّ الجامعة العربية سيكون لها دور حيوي في تطبيق المشروع المذكور الهادف إلى تغيير النظام، إذ من المقرر أن تطلب من مجلس الأمن الدولي استصدار قرار بإقامة هذه المنطقة. وفيما توقف تقرير الصحيفة عند أن العقبة الوحيدة التي تعوق تطبيق المشروع حتى الآن هي الفيتو الروسي والصيني المنتظر، فإنّها تتحدث عن توقّعات بإقناع هاتين الدولتين «مع ازدياد أعداد القتلى في سوريا، إضافة إلى أنه سيتم طمأنة الروس بنحو حازم إلى أن سوريا لن تشهد عملية عسكرية أجنبية مثلما حصل في ليبيا، وعندها سيكون صعباً على الروس الاستمرار في مقاومة استصدار قرار من مجلس الأمن».
ومن البنود الحسّاسة التي يتضمنها تقرير «صباح»، ما يخصّ مدينة حلب، ثانية أكبر المدن السورية ومركز الثقل الاقتصادي في البلاد والتي لا تزال تُعدّ بمثابة نقطة ثقل بالنسبة إلى شعبية النظام ومؤيّديه. ووفق المشروع المذكور نفسه، فإنّ منطقة الحظر الجوي التي ستبدأ بعمق 5 كيلومترات داخل الأراضي السورية، ستتحوّل إلى منطقة عازلة «وستضمّ مع الوقت مدينة حلب لكي تتحوَّل إلى ما يشبه بنغازي سورية بالنسبة إلى المعارضة السورية، ومنطلقاً لتمركز الجنود والضباط المنشقين عن الجيش السوري النظامي ولعائلاتهم، ولهجمات المنشقين على الأهداف السورية». وتصف الصحيفة هذا المسار بأنه سيكون «طويلاً وصعباً»، وتنقل عن مصادرها توقعاتها بأن يجري خلال مراحل تنفيذه إضعاف وانقسام حقيقي للجيش السوري النظامي. وفي الخلاصة، تؤكد «صباح» أنّ أنقرة تضع 3 شروط أبلغها وزير الخارجية أحمد داوود أوغلو لوفد «المجلس الوطني» في أنقرة قبل يومين، لتسير بلاده في الخطة الموضوعة: أولاً أن تتوحّد المعارضة السورية، ثانياً أن يصدر قرار عن مجلس الأمن يشرّع منطقة الحظر الجوي «لأنّ الالتزام بالشرعية الدولية واجب»، وثالثاً أن تدعم الجامعة العربية تركيا بنحو كامل، وثالثاً وأخيراً أن تؤدي الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي دور الجهة الضامنة لتنفيذ هذه الخطوات.
ورأى مراقبون أتراك أنّ النفي التركي لصحّة التقرير هو «أمر منطقي»، مرجِّحين أن يكون نشر التقرير في صحيفة «صباح» المقرَّبة جدّاً من الحكومة، هدفه «تهيئة الرأي العام التركي لمثل هذا السيناريو المحتمل، وخصوصاً أن الرأي العام التركي غير المهتم، بشقّ كبير منه، بالشؤون الخارجية، بعيد جداً عن مصطلح منطقة حظر جوي أو منطقة عازلة». وقد توقف مراقبون وصحافيون أتراك، في حديث مع «الأخبار»، عند صعوبة تطبيق هذه الخطة «بسبب حاجز الفيتو الروسي»، موضحين أنّ اشتراط أنقرة صدوره وفق قرار من مجلس الأمن، يعني رفضاً غير مباشر له.
وقد سألت وكالة «فرانس برس» نائب مراقب الاخوان المسلمين السوريين محمد فاروق طيفور عن مضمون التقرير، فأجاب بأن «كل الوسائل ممكنة» لوقف العنف. وفيما أعرب عن أمنيات «الاخوان» بالوصول «إلى حل لا يتدخل فيه المجتمع الدولي»، حمّل «النظام مسؤولية تصرفاته التي يمكن أن تأتي بالتدخل الدولي». وفي السياق، قال طيفور، وهو القيادي في «المجلس الوطني»، لوكالة «أسوشييتد برس»، إنّ «التدخُّل الدولي يمكن أن يحصل خطوةً تلو أخرى. في الوقت الحاضر، نعتقد أن إقامة منطقة عازلة في مكانٍ ما ستكون كافية لمساعدتنا على إنهاء النظام وإسقاطه، ونعتقد أنه إذا حصلت مثل هذه الأمور قريباً، فإنّ النظام السوري لن يكون قادراً على المقاومة لأكثر من أيام معدودة».
ورغم النفي التركي لصحّة الخبر الصحافي، فإنّ تعليقاً لافتاً في موافقته الضمنية صدر من باريس، إذ رأى المتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية برنار فاليرو، رداً على سؤال حول موقف فرنسا من احتمال إقامة منطقة عازلة بين سوريا وتركيا، أنّ «أي إجراء يهدف إلى حماية المدنيين السوريين يستحق الدرس بانتباه»، كاشفاً أن وزير خارجيته آلان جوبيه، الذي بدأ أمس زيارة لتركيا، يبحث مع المسؤولين الأتراك ابتداءً من اليوم «كل السبل الممكنة لوضع حدّ للقمع في سوريا».
ومن إسطنبول، أصدر المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين محمد رياض شقفة مواقف تقترب من مضمون تقرير صحيفة «صباح»، حين أشار، في مؤتمر صحافي، إلى أن «الشعب السوري سيقبل تدخلاً عسكرياً تركياً وليس غربياً لحمايته». وقال إن المجتمع الدولي «يجب أن يعزل النظام لتشجيع الناس على المضي في سعيهم إلى إسقاطه». ولفت إلى أنه «إذا رفض النظام وقف قمعه، يمكن الدعوة إلى تدخل عسكري أجنبي، ويفضل أن يكون تركياً، لحماية الشعب السوري». وتابع «لو أن المجتمع الدولي عزل هذا النظام ولو أنه سحب السفراء وطرد سفراءه، فسيشعر بأنه معزول من كل العالم، ثم يتكفل الشعب السوري بإكمال الطريق لإسقاط النظام، وهذا هو المطلوب». وتابع «قد نحتاج إلى طلب المزيد من تركيا لأنها جارة، وإذا كان المجتمع الدولي يتلكّأ في الدعم، فالمطلوب من الدولة التركية، كجارة، أكثر من الدول الاخرى أن تكون أكثر جدية في معالجة ذلك، وإذا اضطرت نتيجة تعنُّت النظام إلى حماية جوية أو هكذا، فالشعب يقبل التدخل التركي ولا يريد تدخلاً غربياً»، علماً أنّ عبارة «الحماية الجوية» لم ترد إلا في التغطية الصحافية لوكالة «رويترز» للمؤتمر الصحافي للشقفة.
وعن اتصالات «المجلس الوطني» بالعواصم الأجنبية، كشف المراقب العام لـ«الاخوان» أنّ مفوضة السياسة الخارجية والأمنية في الاتحاد الأوروبي كاثرين آشتون عرضت على «المجلس» أن يعقد إحدى جمعياته العامة في بروكسل. وفي سياق الحديث عن الاعتراف بـ«المجلس الوطني السوري»، أفادت صحيفة «راديكال» التركية المعارضة، بأن «أنقرة قررت تأمين الدعم اللوجستي السياسي وليس العسكري لأعضاء المجلس الوطني، وتركيا قرّرت عدم الاستعجال بالاعتراف الرسمي بالمجلس، لكن هذا لا يعني أنها ترفض افتتاح مكتب لهم في تركيا».
وكانت آشتون قد دعت، إثر لقائها بوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، الأسد إلى التنحي، داعيةً «العالم» إلى «مواصلة الضغط على الحكومة السورية لوقف العنف». وتابعت «يحدوني أمل أن نقوم بخطوة مهمة في هذا الاتجاه خلال الأيام المقبلة». كلام آخر يفيد بوجود جهود أجنبية لمساعدة المعارضة السورية كشف عنها وزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه، الذي وصل إلى تركيا أمس، وذلك في مقابلة إذاعية أوضح فيها أن «على المجلس الوطني السوري أن ينظم صفوفه قبل أي اعتراف رسمي به».
في غضون ذلك، وضع رئيس الحكومة التركية رجب طيّب أردوغان الأزمة السورية في خانة الأزمات العالمية وليس فقط الإقليمية، منتقداً «القوى العظمى الدولية» لعدم «إظهار شهيّتها تجاه المجازر في سوريا مثلما فعلت مع ليبيا، لأن سوريا لا تمتلك كميات كافية من النفط، لكن الشعب الذي يُقتل هناك هو بشر أيضاً». ونقلت وكالة أنباء «الأناضول» التركية الحكومية عن أردوغان قوله، خلال افتتاح «منتدى البحر الأسود للطاقة والاقتصاد» الثالث في إسطنبول، إن «المشاكل في سوريا والشرق الأوسط ليست إقليمية بل عالمية، وبالتالي علينا اتخاذ إجراءات فورية لوقف سفك الدماء ليس فقط من أجل أمن إمدادات الطاقة بل السلام والتضامن العالمي».