في منتصف تموز الماضي أرسل وزير المال علي حسن خليل مشروع قانون موازنة 2017 إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء، عارضاً إمكانية إقرارها بمرسوم، إلا أن المجلس لم يناقشها تمهيداً لإحالتها على مجلس النواب قبل بدء عقده العادي في 18 تشرين الأول استناداً إلى المواد 32 و83 و86 من الدستور اللبناني، وبالتالي تكون المهل الدستورية قد استنفدت ليدخل لبنان عامه الـ11 بلا موازنة.ما هو مسار إقرار الموازنة كما ينصّ عليه الدستور اللبناني؟ وماذا يعني إقرار الموازنة بمرسوم؟
يبدأ مسار إقرار الموازنة بعد إعدادها في وزارة المال وإرسالها إلى مجلس الوزراء قبل أول أيلول من كل سنة تطبيقاً للمادة 17 من قانون المحاسبة العمومية. وتنصّ المادة 83 من الدستور على أنه في كل «كل سنة في بدء عقد تشرين الأول تقدم الحكومة لمجلس النواب موازنة شاملة نفقات الدولة ودخلها عن السنة القادمة، ويقترع على الموازنة بنداً بنداً». وتضيف المادة 86 أنه «إذا لم يبت مجلس النواب نهائياً في شأن مشروع الموازنة قبل الانتهاء من العقد المعين لدرسه، فرئيس الجمهورية بالاتفاق مع رئيس الحكومة يدعو المجلس فوراً لعقد استثنائي يستمر لغاية نهاية كانون الثاني لمتابعة درس الموازنة، وإذا انقضى العقد الاستثنائي هذا ولم يبت نهائياً في مشروع الموازنة فلمجلس الوزراء أن يتخذ قراراً، يصدر بناءً عليه عن رئيس الجمهورية، مرسوم يجعل بموجبه المشروع بالشكل الذي تقدم به إلى المجلس مرعياً ومعمولًا به. ولا يجوز لمجلس الوزراء أن يستعمل هذا الحق إلا إذا كان مشروع الموازنة قد طرح على المجلس قبل بداية عقده بخمسة عشر يوماً على الأقل».
كان على رئيس الحكومة تعيين موعد جلسة مخصصة لمناقشة مشروع الموازنة

وتحدّد المادة 32 بداية عقد المجلس النيابي على النحو الآتي: «يجتمع المجلس في كل سنة في عقدين عاديين. العقد الأول يبتدئ يوم الثلاثاء الذي يلي الخامس عشر من شهر آذار وتتوالى جلساته حتى نهاية شهر أيار، والعقد الثاني يبتدئ يوم الثلاثاء الذي يلي الخامس عشر من شهر تشرين الأول، وتخصص جلساته بالبحث في الموازنة والتصويت عليها قبل كل عمل آخر، وتدوم مدة هذا العقد إلى آخر السنة».
أمام هذا المسار الدستوري، بدت شروط إقرار الموازنة واضحة؛ الالتزام بهذا المسار يوجب على مجلس الوزراء، بعد أن أحيلت عليه الموازنة من وزارة المال في منتصف آب الماضي، مناقشتها وإعداد صيغتها النهائية ثم إرسالها إلى مجلس النواب قبل بدء عقده العادي في 18 تشرين الأول. ولا تكفي إحالتها على مجلس النواب، بل يجب إدراجها على جدول أعمال الهيئة العامة كشرط أساسي يسبق مناقشتها وإقرارها. ولا يمكن إقرارها إلا بعد إقرار قطع حساب السنة السابقة، وهو أمر يتطلب وجود حسابات مهمة...
في الواقع، لا تنطبق المعطيات الفعلية على هذا المسار الدستوري، ما يعقّد عملية تطبيقه وإقرار موازنة 2017. فلبنان ليس لديه موازنة مقرّة منذ 2005 إلى اليوم، وليس هناك قطوعات حساب "نهائية" مدققة وموافق عليها من ديوان المحاسبة منذ 1993 إلى اليوم، إذ إن جميع قطوعات الحساب المصدَّق عليها في مجلس النواب خضعت لموافقة أولية من ديوان المحاسبة بانتظار البت بميزان الدخول لسنة 1993، أي بعد تصفير الحسابات يومها. وهناك قسم من حسابات المهمة مفقود.
إزاء هذا التناقض بين القاعدة الدستورية والمعطيات الواقعية، وجدت القوى السياسية أن مصالحها لا تنسجم مع تحقيق كل هذه الشروط التي تتطلب نبشاً في دفاتر الماضي والتدقيق في عمليات تنفيذ الموازنات السابقة والمحاسبة على الارتكابات والمخالفات والسرقات التي ستكتشف على مرّ الفترة الممتدة من عام 1993 إلى اليوم، وبالتالي لم يعد إقرار الموازنة خياراً على طاولة هذا الطرف أو ذاك، ولم يعد تطبيق هذه القاعدة متاحاً، ما دفع نحو اللجوء إلى الاستثناء المنصوص عنه في المادة 86 من الدستور وإقرار الموازنة بمرسوم بالاستناد إلى اجتهادات أكثر «براغماتية» في تفسير القواعد الدستورية المتعلقة بإقرار الموازنة.
على هذا الأساس، بات يتطلب إقرار الموازنة بمرسوم، أن تعدّ وزارة المال الموازنة في وقتها الطبيعي وأن ترسلها إلى مجلس الوزراء، الذي يناقشها ويقرّها بصيغتها النهائية ويحيلها على مجلس النواب قبل بدء عقده الطبيعي في 18 تشرين الأول بـ 15 يوماً. هذا يعني أنه كان على مجلس الوزراء إرسال الموازنة إلى مجلس النواب يوم الاثنين الماضي الواقع فيه 3 تشرين الأول... انتهاء هذه المهلة يلغي الإجراءات الأخرى المنصوص عليها في المادة 86 التي تشترط استعمال حقّ إقرار الموازنة بمرسوم عند عدم إقرار الموازنة في مجلس النواب قبل نهاية العقد العادي، ودعوة رئيس الجمهورية (غير الموجود) إلى عقد استثنائي وانقضائه من دون البتّ بالموازنة، ثم اتخاذ قرار يستند إليه رئيس الجمهورية ليصدر المرسوم المطلوب بإقرار الموازنة. وهنا تبرز إشكالية إضافية عن عدم سريان الموازنة قبل نشرها في الجريدة الرسمية وأن الوحيد الذي يمكنه أن ينشرها هو رئيس الجمهورية.
وانتهاء المهلة يعني أنه كان على رئيس الحكومة تعيين موعد جلسة مخصصة لمناقشة مشروع الموازنة، وهذا ما لم يدع إليه الرئيس تمام سلام. وبحسب وزير المال علي حسن خليل، فإن الموازنة أدرجت على جدول الأعمال، إلا أنه من وقتها إلى اليوم لم تعقد إلا جلسة واحدة وسط اشتباك سياسي وأجواء متوتّرة وأزمة حكومية».
ومن العقبات أمام الموازنة، أن إقرارها في مجلس الوزراء يتطلب موافقة ثلثي الوزراء، وبالتالي إن الجو المتوتر لا يفسح في المجال أمام الموازنة. منذ أكثر من 11 سنة لم تجد السلطة في لبنان جوّاً مريحاً لإقرار موازنة. يعيش لبنان.