تكفي إطلالة سريعة على مواقف نواب طرابلس، وعلى آراء ناشطين ومواطنين في المدينة على مواقع التواصل الاجتماعي، بشأن انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، حتى يتبيّن حجم "حقل الألغام" الذي يعترض طريق الرئيس سعد الحريري قبل إقدامه على تبنّي "الجنرال"، وتداعيات هذا التبنّي لاحقاً.فالمدينة التي لطالما اعتبرها "التيار الأزرق" قلعة له، لم تعد كذلك. وإذا كانت قيادة "المستقبل" قد قرأت نتائج الانتخابات البلدية في طرابلس على أنها "فلتة شوط"، وأن المدينة سرعان ما ستعود إلى "حضن" التيار، فإنها بذلك ترتكب الخطأ ذاته مرة ثانية، وينتظر أن تدفع ثمن هذه القراءة الخاطئة في الانتخابات النيابية المقبلة.
فعاصمة الشمال التي تقاسم الحريري النفوذ السياسي فيها، مضطراً، في انتخابات 2009 مع أبرز خصومه، وعلى رأسهم الرئيس نجيب ميقاتي والنائب محمد الصفدي، يجد نفسه اليوم أمام مأزق خروج وزير العدل المستقيل أشرف ريفي من تحت "عباءته" ليقاسمه النفوذ السياسي في المدينة، ما يجعل الحريري أمام تنافس مزدوج وصعب، خصوصاً بعدما فقد الكثير من شعبيته وأوراق قوته مقارنة بما كان عليه وضعه قبل سبع سنوات.
ووفق لغة الأرقام والأسماء، فإن الحريري ليس قادراً اليوم على أن يمون على أكثر من نائبين طرابلسيين من أصل ثمانية ليقنعهما بالتصويت لعون، هما النائبان سمير الجسر وبدر ونوس. أما الصفدي، فينطلق في تأييده عون من حسابات مختلفة عن حسابات الحريري، رغم تقاطعه معه.
وبعد استبعاد النائبين روبير فاضل لاستقالته وسامر سعادة بسبب موقف حزبه، يقف على الضفة الأخرى المعارضة لخيار عون كلّ من ميقاتي والنائبين أحمد كرامي ومحمد كبارة، إذ أكد ميقاتي أن "ثمّة هوة كبيرة جداً بين شريحة من اللبنانيين، وخاصة من أمثّل، ومرشح التيار الوطني الحر"، راداً السبب إلى"التراكمات السلبية التي أنتجتها مواقف عون في السنوات الماضية".
وإذا ما أضيف موقف ريفي، الذي اعتبر دعم عون "خطأً تاريخياً"، إلى موقف الثلاثي الرافض وصول عون إلى قصر بعبدا، فإن أكثرية تبدو واضحة ضمن الشارع الطرابلسي تسير في عكس توجه الحريري، الأمر الذي سيحرج الثلاثي المؤيد لترشيح عون.
خروج الأمور عن السيطرة من بين يدي الحريري لا يقتصر فقط على طرابلس، بل ينسحب أيضاً على قضاء المنية ــــ الضنية، حيث أعلن النائب أحمد فتفت علناً رفضه تبنّي الحريري ترشيح عون، معتبراً تسميته "صكّ استسلام لحزب الله"، بينما تتحدث معلومات عن "تنسيق قطع أشواطاً بعيدة" بين النائب قاسم عبد العزيز وريفي. أما النائب كاظم الخير فإنه يدقق حساباته ولم يحسم موقفه بعد.
كل ذلك يحصل فيما الشارع في طرابلس يغلي رفضاً لموقف الحريري. وتتحدث معلومات عن تحضيرات تجري لرفع يافطات رافضة في المدينة، فضلاً عن تحركات شعبية على الأرض قد تشمل مؤيدي الحريري الذين يلزم حالياً أكثريتهم الصمت لعدم قدرتهم على مواجهة موجة الاعتراض الكبيرة في المدينة.
وتبرز موجة الاعتراض هذه على مواقع التواصل الاجتماعي، التي تتوعّد "صاحبنا"، أي الحريري، في الانتخابات النيابية المقبلة، بأن "يحصد فيها ما يحاول زرعه الآن".