«إذا انتُخب ميشال عون رئيساً للجمهورية...». استعمال أداة الشرط «غير الجازمة» في حديث سياسيين في تيار المردة، يدعو إلى التوقف عند الشقّ الأول من الجملة. «إذا؟»، يضحك طويلاً السياسيون «المرديّون» الذين لا يعينهم قبل عشرة أيام من الجلسة التشريعية سوى... الأمل، بكلّ ما تتضمن الكلمة من معانٍ. الأمل بأن تنجح محاولات لمّ شمل النواب المناوئين لخيار المرشح الرئاسي عون، إن كان من داخل تيار المستقبل أو خارجه.عددٌ من متابعي الشأن السياسي والمطلعين على تفاصيل الجولات الرئاسية طوال سنتين ونصف سنة تقريباً، يعتقدون أنّ عرض النائب سعد الحريري بترشيح النائب سليمان فرنجية إلى الرئاسة وقبول الأخير به هو «غلطة الشاطر». يحلو لهؤلاء أن يعيدوا في كل مرّة سرد نقاط هذه «الغلطة». بدايةً من إحراج فرنجية لحليفه الأول حزب الله، من حيث لا يدري، وقد تبين أنه بالنسبة إلى حارة حريك، عون قبل اتفاق معراب هو نفسه عون بعده. لن يحصل أحدٌ على توقيع حزب الله بطاقة العبور إلى بعبدا سوى عون نفسه. مروراً بأن فرنجية نجح في «تبييض» سجلّه من تحميله مسؤولية «دم رفيق الحريري»، ولكنه في المقابل فقد نفسه وجزءاً من الشارع الطائفي الذي يُمثله وواحداً من أهم حلفائه. وصولاً إلى أنّ فرنجية هو مرشح تيار المستقبل، لا فريق 8 آذار، في حين أنّ عون لم يكن ليصل إلى هذه المرحلة المتقدمة لولا تشبث حزب الله بدعمه له، باعتراف التيار الوطني الحر وتيار المردة.
بالنسبة إلى المردة، الحريري هو الخاسر الأكبر من ترشيح عون

كلّ هذه الحجج ساقطة في قاموس المردة. فبالنسبة إلى هذا التيار، فرنجية ربح أولاً أنه أصبح عضواً، مع وقف التنفيذ، في نادي رؤساء الجمهورية. ثانياً، هو حصل «على تأييد القوى الخارجية الأساسية. ألا يستحق الأمر أن نسأل لماذا قبل هؤلاء بفرنجية وتحفظوا على خيار عون؟». ثالثاً، يعتقد تيار المردة أنه تمكن من «تقريب الحريري إلى خيارنا». وبالتأكيد، «حزب الله لا يزال حليفنا». برأي المردة، الخسارة تنحصر في فكّ الارتباط مع التيار العوني.
في سجل الخاسرين من المسار الرئاسي، يُسمي تيار المردة شخصيتين: رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، والحريري. الأول «سيربح حتى لحظة انتخاب عون رئيساً، ولكنه بعد ذلك سيخسر لأنهما لن يتمكنا من التفاهم حول الحكم». وبرأي المصادر، فإنّه عندئذ «لا مجال أمام جعجع سوى التقرب من جديد من تيار المستقبل والتحالف معه في الانتخابات النيابية». أما بالنسبة إلى الحريري، «فهو الخاسر الأكبر لأنه لم يضمن نفسه في رئاسة الحكومة». وتشرح المصادر أنّ «الموقف نفسه الذي اتخذه حزب الله مع عون في الرئاسة سيتخذه في موضوع تشكيل الحكومة مع نبيه بري». أسئلة عدّة يطرحها تيار المردة: «هل يقبل الحريري أن يكون شريكه في الحكومة حزب الله فقط؟ هل يقبل حزب الله تأليف حكومة من دون برّي؟ وهل سيقبل الحزب بتوزيع المقاعد كما يريد عون، فتُعطى مثلاً وزارة الداخلية للقوات؟».
هذا مع التشديد على أنّ المردة لا يعتبر أن «سعد الحريري خذلنا». هل حزب الله هو من خذلكم؟ تُفكر المصادر قبل أن تردّ: «كترة أخلاق حزب الله خذلتنا». تعني بذلك التزام الحزب تأييد عون. وأمام «أخلاق» حزب الله لن تنصاع قيادة بنشعي. حتى إذا ما تمنّى عليكم ذلك الرئيس بشار الأسد والسيّد حسن نصر الله؟ «لا نظن أنهما سيلجآن إلى ذلك. من يعرف سليمان فرنجية يعلم أن شخصيته كانت جزءاً أساسياً من ترشيحه، وهو يرفض أن يتراجع». لا خيار سوى المواجهة، التي تنقسم إلى مرحلتين:
المرحلة الأولى هي محاولة قلب موازين القوى قبل الجلسة التشريعية «التي من الأكيد أن نصابها سيتأمن وسيُشارك فيها فرنجية»، والمراهنة على ثلاثة عوامل: اعتماد بري خيار المواجهة، «الذي خلافاً لما يُقال بأنه سيرضى بمجرد أن تُقدم له الضمانات في ما خص وزارة المالية، فهي تحصيل حاصل»، وتبني النائب وليد جنبلاط «موقفاً داعماً لنا»، وأخيراً «أن ننتظر إن كان حزب الله سيطلب تأجيل الجلسة». لا يرتبط العامل الثالث بالتحضير لاجتماع لقوى 8 آذار فـ«الله يرحم هالفريق». ولكن من الممكن أن «يكون هناك مسعى يقوم به حزب الله». خطة المواجهة قائمة أساساً على تكثيف التواصل مع جميع الشخصيات المناهضة لترشيح عون ومحاولة إقناعها بخيار فرنجية. الخطوط مفتوحة مع بري، ومن المتوقع أن تكون هناك زيارة قريبة لقيادة حزب الكتائب.
أما المواجهة الثانية، ما بعد الانتخابات الرئاسية، فهدفها إصابة ثنائية إعلان النيات بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية. لن يُفضل المردة «عدم المواجهة تفادياً للحرب، وإلا فسنكون قد جلبنا على أنفسنا الذلّ والخسارة». على العكس من ذلك، «سنواجه». يُدرك «التيار» جيداً أن المعركة لن تكون سهلة «بوجود مصالح مشتركة بين العونيين والقوات وبما أنّ قسماً كبيراً من الشارع متعاطف معهما». بيد أن مصادره مرتاحة «في الجغرافيا التي نوجد فيها (أي أقضية الشمال)، الصعوبة بالنسبة إلينا ستكون في جبل لبنان». وهنا لبّ الموضوع، إذ إنّ المردة الذي يُستفز دوماً من محاولات حشره خلف المدفون، يركن إلى هذه البقعة ليحمي نفسه.
في عام 2004، وقبل التمديد للرئيس إميل لحود، طُرح اسم سليمان فرنجية لرئاسة الجمهورية. سقط الطرح في دمشق، حيث كان الرئيس بشار الأسد متمسكاً بالتمديد للحود. في عام 2015، رشّح سعد الحريري فرنجية، معتبراً أنه بذلك يُحرج حزب الله الذي يخوض حرباً في سوريا. الرفض أتى أيضاً من الحلفاء، ولكن من باب التزام الوعد الذي تمكّن عون من انتزاعه. قبل 12 سنة، رضي فرنجية بوزارة الداخلية جائزة للترضية، في حين أنّ كبرياءه تمنعه حالياً من التراجع خطوة إلى الوراء صوناً للفريق الذي ينتمي إليه. لن يُهادن ولن يرضى باستقبال وفد التيار الوطني الحر الذي يقوم بجولات على السياسيين. أبواب بنشعي مفتوحة لميشال عون حصراً، «إذا طلب موعداً نستقبله».