نعود من سوريا بعد الانتصار وسقوط مشروع التقسيم
مقالات مرتبطة
كلام الأمين العام لحزب الله بدا مفاجئاً لكثيرين. فما الداعي إلى الإصرار على طمأنة الحلفاء العونيين إلى هذا الحد؟ ببساطة، يجد نصرالله نفسه في موقع من يريد ضمان التسوية الرئاسية، وحماية قطارها الذي وُضِع على السكة. ولأجل ذلك، سمّى الرئيس سعد الحريري، مؤكداً أن الحزب لا يمانع وصوله إلى رئاسة الحكومة. وذكّر بأن كلمة منه تعارض عودة الحريري إلى السرايا كفيلة بإفشال التسوية.
كلام نصرالله جاء في خطاب ألقاه بذكرى أسبوع الشهيد القائد حاتم حمادة (الحاج علاء) الذي نُظم في بلدة القماطية (عاليه)، فوصف إعلان النائب سعد الحريري تبني ترشيح عون لرئاسة الجمهورية بـ«التطور المهم. فتح الباب على مصراعيه أمام إنجاز الاستحقاق في الموعد المقبل». الغوص في دهاليز الملف اللبناني «بدها نقطة ميّ»، كما قال «السيّد» ضاحكاً.
قرر نصرالله غضّ الطرف عن خطاب الإعلان الذي «كان تصعيدياً ضدنا». لم يتوقف عنده «وإن كان لنا حقّ الرد ولكن لن نرد الآن». السبب هو «أنني أريد أن آخذ الجانب الإيجابي لأننا نريد أن نصل إلى نتائج إيجابية لمصلحة البلد». وفي البداية، تأكيد أنّ أحداً من الحلفاء والأخصام «لا يُفكر بعقلية الفوضى أو العودة إلى الحرب الأهلية. وما نُسب إلى حركة أمل غير صحيح». وأكد نصرالله «بشكل جازم» أن أحداً لا يُفكر «بعقلية إدارة ثنائية للبلد لا على أساس مذهبي ولا طائفي ولا حزبي». ولكن «هناك نقاط قلق لها أسبابها يجب أن نُبادر إلى معالجتها. في هذا البلد نحتاج إلى مستوى معين من الثقة». ورداً على ما يُحكى عن أن حزب الله لم يقم بالجهد الكافي لانتخاب عون، قال نصرالله إنّ البعض «يفهم الجهد تبعية مثلاً أو ضغطاً. نحن نتعاطى مع حلفائنا باحترام ولا نضغط عليهم».
مستعدون لكشف أوراق التصويت للعماد عون في مجلس النواب
نصرالله تحدث عن العلاقة مع حركة أمل التي هي «أعمق وأقوى وأصلب من أن تنال منها كل الفبركات (...) عندما نذهب إلى الجلسة المقبلة سنذهب متفهمين متفاهمين مع حركة أمل». أما التزام «الحركة» بترشيح النائب سليمان فرنجية فليس توزيع أدوار، كما قال السيد، بل «الإخوة في حركة أمل لديهم حيثياتهم وأسبابهم (…) ولكن أياً يكن خيارنا السياسي في الانتخاب، فهذا لن يُفسد في الودّ قضية». ولفت إلى أنه سبق في الملف الرئاسي تحديداً، أن تباين موقفا كل من الحزب والحركة، لناحية المشاركة في جلسات الانتخاب أو مقاطعتها.
ولفت نصرالله الى أنه «ما في شي كان ببلاش»، قاصداً أن تيار المستقبل ما كان ليدعم عون لولا حصوله على وعد بأن يتولى الحريري رئاسة الحكومة. فأشار «نحن أيضاً نُقدم تضحية كبيرة جداً حين نقول إننا لا نُمانع أن يتولى الحريري رئاسة الحكومة».
مهما كان مضمون حديث الأمين العام، فإن من النادر أن لا يُعرّج على الملف السوري، حيث المعركة هناك «تهدف إلى إحداث تغييرات وجودية والخريطة السياسية للمنطقة». ليس بجديد أن يقول السيّد إنّ المعركة في سوريا واحدة «ونحن درسنا جيداً منذ أحداث تونس وبحثنا ولم نذهب عاطفياً وبحثنا حول الجماعات (التي تقاتل في سوريا) وعلى ضوء هذه الدراسة أخذنا قرارنا. لم يأمرنا أحد بالذهاب إلى سوريا».
بعد قرابة الخمس سنوات من الحرب السورية، وبعدما كان هناك انعكاسات مباشرة لها على الساحة اللبنانية، «لم تعد تأتي سيارات مفخخة من القلمون لأن ظروف تفخيخ السيارات ــ حين كانوا مرتاحين ــ انتهت». من دون أن يغفل نصرالله أنه «لا يزال هناك إمكانية في جرود عرسال، لكن الحصار المفروض عليها (الجماعات التكفيرية) يمنعها»، مضيفاً أنّ «القاعدة الخلفية للعمل الإرهابي الأمني في جرود عرسال والسلسلة الجبلية تراجعت إلى الحدّ الأقصى».
قد تكون المعركة الأساسية التي يخوضها الجيش السوري وحلفاؤه في سوريا اليوم هي معركة حلب، «معركة مصيرية لكل المنطقة، كما معركة الموصل»، قال نصرالله. وتوقّف عند إعلان تركيا أنها تريد أن تُقاتل في الموصل «بذريعة الدفاع عن نفسها وتطلب منع الحشد الشعبي العراقي أن يُقاتل». الأمر نفسه سيتكرر في حلب حين «سيُقال إنّ حلب لتركيا وليست للسوريين». وقد حيا نصرالله العراقيين من كل الطوائف والقوميات على «الموقف الوطني الحقيقي في مواجهة داعش».
واعتبر نصرالله أنّ «أشد الناس معاناة من هذه المحنة التكفيرية التي صنعها من صنعها هم أهل السنّة في المنطقة»، مُقدماً مثلاً عن اليمن حيث «ما لا يقل عن 15 إلى 20 مليون يمني محاصر (…) أين مجلس الأمن والموقف الدولي والعالم الإسلامي والعربي من سقوط مئات الشهداء في غارة الصالة الكبرى في صنعاء؟». وذكّر بتسريبات البريد الإلكتروني لوزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون التي كشفت أن السعودية كانت تدعم «داعش».
في الختام، جدّد الأمين العام العهد بأن المعركة مستمرة، «سنواصل تواجدنا في هذه المعركة»، موجهاً رسالة إلى كلّ من لا شغل له سوى تعداد شهداء حزب الله بأنّ الأخير يفخر «بشهدائنا في سوريا ومن يُراهن على تعبنا عليه أن ييأس. نحن قوم لا نملّ ولا نتعب. لا يراهنّن أحد على تراجعنا». فالحالة الوحيدة التي «تُعيدنا إلى لبنان هي الانتصار في سوريا وإلحاقنا الهزيمة بمشروع الجماعات التكفيرية في العديد من الجبهات. وعندما يسقط مشروع التقسيم والسيطرة على سوريا حينئذ لا يعود أي سبب لبقائنا هناك».
(الأخبار)