سيطر الأخضر، لون حركة أمل، على مواقع التواصل الاجتماعي على مدى الأيام الماضية. لم يكد يُسرَّب أنّ الرئيس سعد الحريري في صدد إعلان ترشيح النائب ميشال عون لرئاسة الجمهورية، حتى اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي ضد الإعلان المرتقب. «غضبٌ شعبي» في العالم الافتراضي ظهر على شكل هاشتاغ «عون لا يمثلني»، وانتقل إلى «#معارضة_لعيونك»، بعدما أعلن الرئيس نبيه بري رفض المشاركة في حكومات عهد العماد ميشال عون، وصولاً إلى تداول معلومات تفيد عن تحركات في الشارع بالتزامن مع إعلان الحريري ترشيح عون. غير أنّ ذلك بقي في دائرة الشائعات التي تسعى إلى التوتير. لكن استمرار الحشد والتعبئة افتراضياً خَيَّل للكثيرين كأنما هناك حربٌ وشيكة على شكل فتنة أهلية، لا سيما أنّه ترافق مع تصعيد على قناة «أن بي أن» وإذاعة الرسالة. فهل ترعى القيادة الغضب الشعبي؟ ألا تخشى قيادة الحركة من انفجار التوتر في الشارع أو من أن يتحوّل هذا الغضب ضد حزب الله، الداعم الأول لترشيح ميشال عون؟ أم يراد من هذا الضغط أن يكون محفِّزاً للقوى السياسية الأخرى للتحرّك ضد الترشيح أو أنّ هناك أمراً آخر؟! هذه التساؤلات التي تحوّلت إلى هواجس لدى كثيرين، ردّ عليها ناشطون ومصادر من حركة أمل بالقول: «مواقع التواصل الاجتماعي تسمّى عالمٌ افتراضي، لكنّها تعكس الواقع أحياناً. نحن عبّرنا عن رأينا. متى أصبح التعبير جريمة؟». وما يظهر على أنّه «غضبٌ شعبي»، تعتبره المصادر فرحاً شعبياً، رغم تداول «نداء»، منسوب إلى «المسؤول الإعلامي المركزي»، يطلب فيه من «جميع الإخوة الحركيين وقف جميع الحملات الإعلامية على كل وسائل التواصل الإعلامي، وكل الهاشتاغ من أي نوعٍ وتحت أي عنوانٍ حركي». وتعتبر مصادر مسؤولة في الحركة أنّه لم يكن هناك حملة في الأصل، حتى نضطر إلى إصدار بيان. لكنها تلفت إلى أنّ ما نُشر على أنه نداء كان ضمن محادثة على مجموعة على واتساب بشأن هاشتاغ : «عالسكين يا ليمون». وقد طُلِب إلى الأخ عدم نشرها كي لا تُفهم خطأً. وإذ تؤكّد المصادر أنّ الناشطين الذين تداعوا ليسوا فقط من حركة أمل، بل بينهم مناصرون كُثر من مختلف الطوائف وناشطون في تيار المستقبل حتى. غير أنها تستغرب استنكار حتى التعبير عن الرأي بشكل سلمي. وتقول المصادر: «تطلب من مناصريك الصمت عندما تكون في حالة ترقب لموقفٍ ما، لكنّ الأمر قد قُضي، فماذا ننتظر؟ نحن ذاهبون إلى المعارضة». أما التخوّف من انفلات الشارع، فتردّ عليه المصادر بالقول: «من ضبط شارعه عندما قُتل أهله في أحداث مار مخايل (كانون الثاني 2008) غير قاصر عن ضبطه اليوم»، جازمة بأن الاعتراض على تسوية عون ــــ الحريري لن ينتقل إلى الشارع. أما عن العلاقة بين حزب الله وحركة أمل، فتجزم مصادر حركية رفيعة المستوى بأن «الحرص كبير والتلاحم أكبر من ذي قبل، ولا علاقة له بترشيح هنا أو انتخاب هناك»، مضيفة أنه «طوال الفترة الماضية، كان هناك لقاءات مع إخواننا وعلاقتنا خارج إطار البحث». لكنها تلفت إلى أنّ الحزب والحركة تنظيمان وليسا تنظيماً واحداً. وبالتالي، فإنّ لكل منهما رؤيته الخاصة للملف الداخلي.
أما سبب «الفوعة»، فيقول ناشطون حركيون إن «في التيار من يعتبرون أنهم ربحوا رئاسة الجمهورية وكسروا رأس بري». ويضيف هؤلاء: «مشكلتنا مع الثنائية. مشكلتنا مع جبران باسيل ونادر الحريري. اتفقا على التعيينات والحقائب السيادية والحكومة وقانون الانتخاب وأتوا ليبلغوا الرئيس بري بالنتيجة!! فليأخذوا الحكومة... نحن معارضون لعيون الرئيس».
ناشط آخر ساهم في إطلاق هاشتاغ «عون لا يمثّلني»، ردّ السبب إلى أنّ الرجل «بات على أعتاب التسعين من عمره (في الواقع، يبلغ عمر الجنرال عون 81 عاماً)، فكيف له أن يقوم بأعباء الرئاسة؟». وأضاف الناشط المذكور: «عون لا يمثلني لأن الرئيس الفعلي قطعاً سيكون جبران باسيل الذي لنا عليه مآخذ كثيرة بسبب ممارساته في الوزارات التي تولّاها والتي لا تمت إلى الإصلاح والتغيير بصلة». وعلّق على «ما سُمّي انتفاضة على فايسبوك وتويتر»، قائلاً: «لقد عبّرنا، كما رئيسنا، واعترضنا على التفاهمات الثنائية بدل التفاهمات الوطنية». بدوره، ذهب ناشط ثالث إلى اعتبار أنّ «كلام بري يعبّر عن قواعد حركة أمل وقسم كبير من قواعد حزب الله الذين يُشاركون إخوتهم الحركيين الرؤية نفسها». وأضاف: «العلاقة مع التيار اليوم ليست نفسها عندما وُقِّع الاتفاق في مار مخايل منذ سنوات».
أما اليوم، فالأمور واضحة أمام الحركيين. لقد سافر الرئيس بري ولن يعود إلا قبل يومٍ من موعد جلسة الانتخاب المحددة آخر الشهر الحالي. وقد أبلغ بري عون أنّه سيؤمن النصاب، لكنه سيُصوِّت للمرشح سليمان فرنجية. كذلك أبلغه أنّه لن يُشارك معه في الحكومة. على وقع هذه العبارات، إذا ما انتُخب عون، يستعد الحركيون للانتقال إلى صف المعارضة.