لا تستطيع إسرائيل تجاهل حقيقة ما ينطوي عليه وصول حليف حزب الله الى منصب رئاسة الجمهورية. وما قد يرفع من درجة القلق في تل أبيب هو الرسائل التي ينطوي عليها هذا التطور الداخلي، كونه أتى ترجمة لموازين قوى إقليمية ومحلية. أيضاً، تدرك إسرائيل أن اضطرار خصوم حزب الله، المحليين والإقليميين، إلى التسليم بوصول العماد ميشال عون الى رئاسة الجمهورية، في ظل مروحة تحالفاته ومتانة التحالف الشيعي ــــ الشيعي، يساهم في تحصين الجبهة السياسية الداخلية لحزب الله في لبنان، الذي يتكامل مع استراتيجيته في الردع والدفاع إزاء إسرائيل، وأيضاً في مواجهة الاخطار التي تشكلها الجماعات الارهابية والتكفيرية على لبنان.وما لم يتناوله المسؤولون الرسميون حتى الآن في إسرائيل، تكفّل به العديد من المعلقين والخبراء الذين تناولوا المستجد اللبناني، من زاوية أن ما جرى يشكل انتصاراً لحزب الله، و«بشرى سيّئة لإسرائيل»، كما لفتت "يديعوت أحرونوت" قبل أيام. لكن هؤلاء لم يفوّتوا، خلال الايام الماضية، فرصة شن هجوم حاد على عون، في محاولة للتشكيك في مزاياه الشخصية وخياراته السياسية، وهو ما يعكس حنقاً إسرائيلياً صريحاً من هذا الحدث. ويكشف من جهة أخرى عن القلق من تراجع مستوى الرهانات الاسرائيلية على الداخل اللبناني، لجهة ما قد يساهم في تقييد حزب الله أمام إسرائيل على المستويين المحلي والإقليمي.
السعودية والحريري رفعا الراية البيضاء لحزب الله والإيرانيين

امتداداً للمقاربة الاسرائيلية، رأت صحيفة «إسرائيل اليوم»، المقرّبة من رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو، أن انتخاب عون رئيساً للجمهورية اللبنانية، يعني أن الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله هو «الفائز الأكبر». ورأت أن «انتخاب الرئيس، وحتى تعيين رئيس الحكومة، لا ينطويان على أي أهمية»، بل الأهم هو أن حليف السعودية سعد الحريري «أحنى رأسه ووافق على إملاءات نصرالله». وأضافت الصحيفة أن الموقف المؤيد لوصول عون الى رئاسة الجمهورية يعني أن «الراية البيضاء التي رفعها الحريري والسعودية تسمح لنصرالله والايرانيين بالتقدم خطوة أخرى نحو إخضاع لبنان لإملاءاتهم».
واستحضرت الصحيفة محطات تاريخية في الفترة الواقعة بين اجتياح عام 1982، وعام 1990. وانتقلت الى مرحلة عودة عون «منتصراً الى لبنان»، في أعقاب مقتل رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري، ووصفته بالزعيم الأكثر شعبية بين الموارنة في لبنان.
وبلغة ينضح منها حجم الاستياء الاسرائيلي من خيارات عون الاستراتيجية، قالت الصحيفة إن عون «استغل قوته السياسية لعقد تحالف استراتيجي بعيد المدى مع نصرالله»، ورأت في ذلك تحولاً في الخيارات المارونية في لبنان. وأوضحت: «خلافاً للماضي، حين علّق الموارنة آمالهم على فرنسا أو الولايات المتحدة، وفي وقت لاحق على إسرائيل، فإن عون والموارنة يربطون مصيرهم الآن بمصير نصرالله وإيران».
وتعبيراً عن التقدير الاسرائيلي السائد في الاوساط الاعلامية الاسرائيلية، والسياسية والاستخبارية، لمفاعيل تراجع رئيس حزب المستقبل عن سقوفه السياسية والعودة الى تبنّي مرشح حزب الله، رأت «إسرائيل اليوم» أن هذا الموقف يعني أنه «آن الأوان لتنكيس الرايات». وعزت هذا التحول الى أنه «في العراق وسوريا تميل الكفة مرة أخرى لمصلحة الإيرانيين، وهؤلاء يحظون بدعم روسي، أما الاميركيون فلا يجدر التذكير بهم، فقد تخلت الولايات المتحدة بإرادتها عن مكانتها في المنطقة، ولم تعد تقوم بدور ملموس فيها».
وبدت الصحيفة أقرب الى لعب دور من ينبّه، بالقول «من المفاجئ أن الحريري نسي أن الرئيس في لبنان يخدم كامل المدة، ست سنوات، وكما في الولايات المتحدة يصعب جداً إطاحته، بينما يرتبط مصير رئيس الحكومة اللبناني، كما في إسرائيل، بوجود غالبية داعمة له في البرلمان، ويمكن إطاحته بجهود ليست كبيرة». وختمت بالتساؤل: «هل يريد الحريري الخضوع للثعالب الإيرانيين وحزب الله؟». وقدّرت أن النتيجة التي ستترتّب على خيار الخضوع، في حال قرر فعل ذلك، أن الحريري سيكتشف أنه «الوجبة الاولى في احتفال انتصار نصرالله وعون».
بدورها، نشرت "يديعوت أحرونوت" تحليلاً بعنوان "الجنرال ميشال عون خبر سيّئ لإسرائيل"، تقول فيه إنه "كيفما نظرنا إلى الأمر، فإن انتخاب عون سيسبّب وجعاً في الرأس (لإسرائيل)"، إذ إن وصول الجنرال اللبناني الى الرئاسة سيعطيه صلاحية "تشكيل الوزارة وتحديد السياسة الخارجية للبلاد". ويضيف المقال، "سيعزز ذلك موقع إيران في لبنان، ولن يكلّف أحد نفسه عناء الطلب من حزب الله نزع سلاحه وتسليمه الى الدولة، كما أن السعودية ستكون غاضبة، بينما إسرائيل سترفع درجات حذرها تجاه لبنان".