عقب انهيار «اتفاق جنيف» الروسي ــ الأميركي بشأن حلب، بدا واضحاً أن جميع مسارات الحل المستقبلية لا بد أن يعاد رسمها في الميدان. ومنذ إعلان الجيش السوري «بدء عمليات تحرير أحياء حلب الشرقية» أواخر أيلول الماضي، توالت الإشارات التي تقود إلى «الساعة الصفر» الحلبية المؤجلة، وقد يكون آخرها وأهمها الاجتماع الثلاثي الروسي ــ الإيراني ــ السوري، الأخير في موسكو، الذي وضع النقاط الأساسية لتحرك ميداني «حاسم». اليوم، يبدو أنّ جميع المعطيات توحي بأن تلك «السّاعة» التي ستعلن بدء عمليّات عسكريّة كبيرة يشنّها الجيش السوري وحلفاؤه على محاور عدّة في محافظة حلب قد اقتربت.وبتزامن لافت، بدأ الجيش وحلفاؤه تحركات على المحاور الجنوبية والغربية لحلب، مع كشف مصادر عسكرية روسيّة لموقع «غازيتا» أن «مجموعة السفن الحربية الروسية التي تقودها حاملة الطائرات الأميرال كوزنيتسوف، ستنضم إلى معركة حلب في غضون ساعات». وفي الوقت نفسه، أكدت معلومات ميدانيّة لـ«الأخبار» أنّ معسكرات الجيش وحلفائه تشهد استعداداتٍ على محاور عدّة، من بينها محاور كانت لمدة طويلة في حالة أشبه بـ«ستاتيكو».
وأدت العمليّات التي شنّها الجيش أمس، إلى السيطرة على تلّتي الرّحبة والرّخم (مؤتة) جنوب غرب حلب، ما أدّى إلى قطع خطوط الإمداد نحو المسلّحين المتمركزين في «مشروع 1070 شقّة» (توسّع حي الحمدانيّة)، ما أجبر المسلّحين على الانسحاب من المشروع. وأوضح مصدر عسكري سوري لـ«الأخبار» أنّ «العمليّات لن تتوقّف قبل استعادة كل النقاط التي نجح الإرهابيّون في تحقيق اختراقات عبرها، ويمكننا القول إنّ عقارب السّاعة قد بدأت الدوران في الاتجاه الصّحيح». ومن شأن هذه التطوّرات أن تخفّف الضغط عن مشروع 3000 شقّة» الذي شنّت مجموعات «جيش الفتح» هجمات عنيفة نحوه عبر محور «1070» (جنوباً) ومحور مدرسة الحكمة (غرباً).
شارف الروس على الانتهاء من تحديد مناطق تجمع الفصائل الإرهابية

ومن المتوقّع أن يسعى الجيش وحلفاؤه إلى استعادة «ضاحية الأسد» في خلال السّاعات المقبلة، ما يؤدّي إلى إبعاد مجموعات «جيش الفتح» عن تخوم «أكاديمية الأسد العسكريّة» التي شكّلت هدفاً أساسيّاً لـ«غزوة أبو عمر سراقب». في الوقت نفسه، استمرت الاشتباكات العنيفة بين الجيش وحلفائه من جهة، و«جبهة فتح الشّام» (النصرة) وحلفائها من جهة أخرى، على محور «منيان ــ بنيامين» الواقع على أطراف حيّ حلب الجديدة.
وفي سياق متصل، أوضحت مصادر وزارة الدفاع الروسية أنّ «من المتوقع توجيه الضربة التي ستشارك فيها الطائرات الحربية من على متن حاملة الطائرات، بالإضافة إلى إطلاق صواريخ (كاليبر) المجنحة، ضد مواقع التنظيمات الإرهابية على مشارف حلب، وليس ضمن أحيائها السكنية». ولفتت إلى أن «العسكريين الروس أوشكوا على الانتهاء من تحديد مناطق تجمع الفصائل الإرهابية، ومسارات انتقالها وتحصيناتها، ومخازن أسلحتها ومنافذ إمدادها»، موضحة أنه بعد توجيه الضربات «سيكون من السهل نسيان طرق إمداد الإرهابيين من خارج المدينة».
وفي ضوء الحديث الروسي عن ضربات مركّزة في محيط المدينة، يتوقع أن يتابع الجيش وحلفاؤه تقدمهم لاستعادة مناطق واسعة جنوب غرب المدينة، بما يضمن توسيع الطوق حول المدينة وينهي أي تهديد قد تفرضه هجمات جديدة لمجموعات «جيش الفتح»، ما قد يقود لاحقاً إلى عمليات قضم ضمن الأحياء الشرقية من شأنها أن تفضي إلى «مصالحات إجبارية» على الطريقة الروسية. كذلك قد تشهد المحاور الجنوبية الشرقية من المدينة والمحاذية لمطار حلب الدولي (النيرب) عمليات من شأنها توسيع رقعة السيطرة حوله، خاصة أن تلك المناطق لا تحتوي على تجمعات سكنية كثيفة، مقارنة بباقي الأحياء الشرقية في المدينة.
وبقدر أهمية البعد الميداني لعمليات حاسمة في حلب ومحيطها، فإن بدء عودة عاصمة الشمال ــ وإن على مراحل ــ إلى كنف الدولة السورية، في ضوء المتغيرات التي تعصف بمناطق الشمال والشرق، سيضع المشهد السوري في مكان مختلف تماماً عمّا سبق. ولا يمكن النظر إلى توقيت العملية وهدفها بمعزل عن مجريات الأسابيع القليلة الماضية، التي استطاع الجيش وحلفاؤه في خلالها فرض معادلة جديدة في ميدان المدينة، رغم غياب الغطاء الجوي الروسي، عبر إفشال هجومين عنيفين لـ«جيش الفتح»، القوة الأكبر ضمن تحالف «المعارضة ــ القاعدة» العسكري، الذي يتلقى مروحة دعم دولية وإقليمية عريضة.
ويأتي إخفاق هجومي «جيش الفتح» (الذي يظلّل تعاون «جبهة فتح الشام» (النصرة) مع مجموعات الفصائل الإسلامية و«المعتدلة»)، في وقت تعاني فيه غالبية جبهات المعارضة من تراجع في الزخم العسكري. فبينما تتكبد فصائل الجبهة الجنوبية (درعا والقنيطرة) خسائر مع كل معركة تطلقها، يستمر الجيش في التضييق على معقل «جيش الإسلام» في غوطة دمشق الشرقية، بالتوازي مع اقتراب غوطتها الغربية من كونها منطقة خالية من الاشتباكات، في حال اكتمال معارك خان الشيح ومحيطها. كذلك، تشهد جبهة ريف حماه الشمالي استعادة الجيش وحلفائه لعدد كبير من المناطق التي كسبتها الفصائل المسلحة في «غزوة مروان حديد» قبل أسابيع.
وقد يعكس المشهد السابق المهتزّ والمشتّت لتلك الفصائل على امتداد الخريطة السورية، الانحسار الواضح لدور بعض داعميها الإقليميين (الخليجيين)، وانضباط البعض الآخر ضمن أجندات محددة الأهداف (الأتراك)، وانشغال اللاعبين الدوليين بخريطة نفوذ أكبر تمتد لتشمل العراق، وتحمل في جعبتها معارك استراتيجية عديدة، تتطلب «مساومات» من الحجم نفسه.
(الأخبار)