نهاية العام الحالي تدخل الإجراءات "المخالفة للقانون" التي اتخذتها المديرية العامة للأمن العام لتنظيم دخول السوريين الى لبنان والإقامة فيه عامها الثاني من التطبيق. للمرة الاولى في تاريخ لبنان، "قيّدت هذه الإجراءات إمكانية دخول هؤلاء الى لبنان رسمياً"، كتنفيذ مباشر لسياسة الدولة التي لم تتعامل مع ملف اللاجئين منذ بداية الأزمة سوى بعشوائية تخلو من أي مسؤولية فعلية. هكذا، منعت الدولة مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين من تسجيل أي لاجئ جديد على لوائحها، ووسعت عبر الإجراءات التي فرضتها "مفهوم الكفالة ليشمل الاستضافة والعلاقات العائلية والإقامة بحيث لم تعد محصورة فقط بالعمل"، كما تقول المحامية غيدة فرنجية، وفرضت على السوريين الموجودين في البلد رسوماً مالية لا قدرة لمعظمهم على تسديدها. نتج من هذا الأمر سحب الإقامات من الذين ليس لديهم إمكانية التجديد دورياً، مع علم الإدارة المسبق بأنّ هؤلاء أيضاً لا يمكنهم العودة إلى سوريا، وبالتالي تقصّدت الإدارة جعل وجود معظم السوريين في البلد غير شرعي، تشريعاً لاستغلالهم ودفعهم نحو العودة إلى بلادهم قسراً.بعد مرور عامين يتّضح بشكل لا لبس فيه أن هذه الإجراءات لم تؤدّ دورها "بوضع جميع النازحين تحت رقابة الدولة المستمرة تأميناً للانتظام والسلامة العامين"، كما ادّعت الدولة آنذاك، بل على العكس، ساهمت في تعزيز التفلّت وخروج أكثر من 70% من السوريين الموجودين في البلاد عن أنظار الدولة جراء سحب إقاماتهم وإرغامهم على مخالفة أنظمة الاقامة، فضلاً عن المخاطر المستقبلية الجسيمة التي ستطرحها.
تشكل هذه الإجراءات عائقاً أمام عودة عدد كبير من المواطنين السوريين الى بلدهم

لكن في دولة لا تأبه للأرقام ولا لتقييم سياساتها، وفي دولة تعيش منذ 6 سنوات أزمة لجوء من دون أن تضع أي سياسة لإدارتها، لن يتم التراجع عن هذه الإجراءات المخالفة للقانون بشكل ذاتي، وعليه لجأت "المفكرة القانونية" وجمعية "روّاد فرونتيرز" وأحد اللاجئين السوريين، في تموز من عام 2015، إلى الطعن أمام مجلس شورى الدولة ضد التعليمات الخاصة بشروط الدخول والإقامة تلك. دخل الأطراف الثلاثة في سجال قانوني مع الدولة، بانتظار صدور قرار مجلس الشورى.
عرضت الأطراف المستدعية أول من أمس مطالعتها القانونية التي تفصّل فيها الانتهاكات الفاضحة للقوانين والاتفاقيات الناتجة من هذه الإجراءات، والتي تطرح فيها نظرة اجتماعية وإنسانية وحقوقية لهذه الإجراءات وآثارها المستقبلية بهدف "عقلنة الخطاب العام والسياسات العامة". حجة الدولة الأساسية المتمثلة في الظروف الاستثنائية ومناخ الخوف السائد، التي تبرر فيها هذه الإجراءات المخالفة للقانون والمبادئ الدستورية، تناقض كلياً المنطق العام في أن "المبادئ تصبح صمام أمان لحفظ الذات في فترات الخوف، فلا تتخذ قرارات متسرعة تهدد المستقبل تحت غطاء حماية الحاضر فيصبح الأمر أكثر خطورة وسوءاً".
فقد خالفت هذه الإجراءات القانون لخمسة أسباب أساسية، منها تجاوز حدّ السلطة وصدورها عن جهة غير مختصة، كذلك مخالفة الاتفاقيات الثنائية بين البلدين والقوانين اللبنانية التي تفرض منح إقامة تلقائية للمواطنين السوريين لمدة 3 أشهر، إضافة الى حق اللجوء الدستوري ومرسوم إعفاء المواطنين السوريين من رسوم الإقامة. والجدير بالذكر أن جميع المعايير الجديدة أعلنت على الموقع الإلكتروني للأمن العام من دون أن تمهر بتوقيع أي سلطة مختصة، ومن دون تحديد رقمها وتاريخها، ومن دون أن تنشر في الجريدة الرسمية.
عوض ضبط الوضع، ستؤدي هذه الإجراءات الى "الانفجار" جراء "التفلّت من مجمل الضوابط القانونية والحقوقية والإسراف في ردود فعل غير مدروسة وشبه عمياء. ومن شأن هذه المنزلقات أن تؤدي الى مخاطر جسيمة مستقبلاً، حتى لو بدت للوهلة الاولى كأنها تسهم في الحد من المخاطر أو في التقليل من مشاعر الخوف". فعلى عكس ما تدّعي الدولة بمحاربتها للتوطين، قد تشكل هذه الإجراءات عائقاً أمام عودة عدد كبير من المواطنين السوريين الى بلدهم لاحقاً. كيف؟ إن هذه الإجراءات تؤدي الى نتيجة معاكسة لهدف الدولة بتقليص أعداد اللاجئين اليها، كما يرد في المراجعة، "فهي إذ تؤدي الى تقليص عدد المواطنين السوريين بشكل محدود، فإنها ستؤدي الى زيادة عدد الداخلين إلى البلد دخولاً غير نظامي أو المقيمين فيه خلافاً لشروط الاقامة بشكل محسوس جداً، فتتزايد أعداد المقيمين فيه من غير المسجلين ولا المرئيين من سلطاته العامة". وعليه، ووفق المراجعة، ستزداد هشاشة هؤلاء، ويصبحون عاجزين عن ممارسة أدنى حقوقهم خوفاً من الملاحقة، وبالتالي لن يتمكنوا من تسجيل حالات الزواج والولادات (ويقدر عدد الولادات غير المسجلة بأكثر من 50 ألف حالة) ما سيمنعهم من العودة الى سوريا حتى لو رغبوا في ذلك. كذلك، فإحدى تبعات هذه الإجراءات تتمثل في انخفاض أعداد الاطفال السوريين المسجلين في المدارس بسبب فقدان الوضع القانوني.
وفي سياق آخر، وعلى المستوى البعيد، لم تلتفت الدولة اللبنانية الى ضرورة المحافظة على علاقات حسنة مع الشعب السوري، ما يمكن أن يرتد سلباً على المدى الطويل؛ "فالتنكر لحق لجوء كل إنسان الى بلد آمن (لا تعترف الدولة بصفة اللجوء بل تطلق على السوريين تسمية نازحين) ليس أمراً ثانوياً وهامشياً، وهو يكون إلى حدّ كبير من الخطورة في حال تم إنكاره على مواطني الدولة الوحيدة التي يمكن للبنانيين بفعل الجغرافيا والاحتلال الإسرائيلي اللجوء اليها عن طريق البر".