لم يكن لفشل «غزوة حلب» الأخيرة (انطلقت في 28 تشرين الأول) مفاعيل ميدانية ومعنوية فقط. فبعد الخرق الكبير الذي نجح المسلحون في تحقيقه في خاصرة الأحياء الغربية عبر السيطرة على «ضاحية الأسد» ومنيان وكامل مشروع «1070 شقة» ونقاط محيطة ووصول الخطر إلى تخوم الأكاديمية العسكرية (حامية المدينة الأساسية)، استطاع الجيش السوري وحلفاؤه قلب الموازين وخلق معادلة جديدة كانت دول اقليمية تجري حسابات على أساسها، كما كانت أطراف حليفة لدمشق تُعد «الخطة ب» لكيفية التعامل مع تغلغل مؤثر وطويل الأمد للمسلحين داخل مدينة حلب، ونقل الجهد اللوجستي والعملياتي لمكان لم يكن في الحسبان بعد كسب معركة «فك الحصار عن الأحياء الشرقية» (31 تموز).الجيد بالنسبة لروسيا، كان حضور عناصر حزب الله في استيعاب الموجة الأولى من الهجوم ثم صدّ الموجة الثانية، وبعدها المساهمة على نحو كبير في إدارة الهجوم المضاد (بعد قتال شرس استخدم فيه 12 مفخخة، واشتباك من مبنى إلى مبنى) ما أفضى سريعاً إلى انهيار في صفوف «جيش الفتح» وإخوانه واستعادة جميع النقاط وعودة محيط حلب إلى ما كانت عليه الوضعية بعد اكمال الطوق من جهة طريق الكاستيلّو شمالاً.
الضباط الروس أثنوا على القدرات الكبيرة التي أبداها عناصر الحزب في المعركة

الكرملين الذي كان مصمّماً على قراره وقف الطلعات الجوية فوق مدينة حلب، وحيث كانت المعارك في مكان يحدّ من فاعلية سلاح الجو طَلبت للمرة الأولى منذ حوالى الأسبوع لقاءً مع مسؤولين ميدانيين في حزب الله في حلب عبر القنوات العسكرية المشتركة، اثر رؤيتها للنتيجة النهائية لـ«غزوة أبو عمر سراقب».
اللقاء الذي جرى في مدينة حلب يُعد اللقاء «الرسمي والمباشر الأول»، بعد اقتصار العلاقة سابقاً على حضور ممثلين عن الطرفين في «غرفة عمليات بغداد» أو في غرف عمليات في سوريا. وكان أي تبادل معلومات متعلّق بشأن جبهة ميدانية ما يجري عبر منسقّين من الجيش السوري أو من الإيرانيين.
اللقاء حضره ضباط روس كبار، وأثنوا فيه على القدرات الكبيرة التي أبداها عناصر المقاومة الاسلامية في المعركة وعن تفاجئهم بميزاتهم القتالية والاستعلامية، رغم معرفتهم أنّ التطورات الميدانية السريعة كانت توحي بخسائر متدحرجة بعد الخرق الكبير. هذا اللقاء سيكرسّ تواصلاً دائماً عبر قنوات مشتركة داخل سوريا، وهو متصل بالميدان وما ستؤول إليه الأمور المتعلقة بالخطط العسكرية.
ومنذ الدخول الروسي إلى سوريا آثرت المقاومة هناك الابتعاد عن أي تواصل مع الجانب الروسي، وكان «الاحتكاك» في حدّه الأقصى مترتّبا عن وجود الطرفين في غرفة عمليات سورية كتلك المتعلّقة ببعض العمليات في محافظة درعا (معركة الشيخ مسكين نموذجاً). يومها طلب الروس خطة تحرير المدينة وتفاصيلها العسكرية، وابلغوا مندوب حزب الله أنه تقرّر اعتمادها للتدريس في كليات الجيش الروسي. لكن تدحرج الأخطار، وخصوصاً في خلال ميدان حلب المفتوح على مصراعيه، ودور الحزب الرئيسي في جوانب عدة متعلقة بالمعركة ومتطلباتها، أفضيا إلى الموافقة على اللقاء الأخير وتأطيره في شكل مختلف عن السابق.
هذه القناة المفتوحة اليوم جاءت نتيجة مسألة عملياتية بحتة، ولا تترتّب عليها ملفات أو خلافات أساسية في نظرة كل من الطرفين للصراع مع إسرائيل على سبيل المثال. وفي هذا السياق، تجدر الإشارة لما قاله رئيس لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست الإسرائيلي آفي ديختر بعد زيارته منذ أسبوع لموسكو بما يوضح خلاف روسيا مع تل أبيب في ما يخصّ تفاصيل مشاركتها في الحرب السورية.
ديختر صرّح في مقابلة مع موقع «واللا» العبري بأن «الجانب الروسي يعارض إسرائيل في موقفها من أعدائها، وتحديداً ما يتعلق بإيران وحزب الله». وأشار إلى أنّ «الروس أعربوا له عن تقديرهم لإسرائيل... لكنهم أضافوا أن من ناحيتنا حزب الله ليس منظمة إرهابية، وإيران ليست دولة عدوة، والجانبان (إيران وحزب الله) شركاء لروسيا في قتالها في سوريا».