لم ينس ويزر خارجية فرنسا الأسبق، هوبير فيدرين، أن يختم محاضرته في «المعهد العالي للأعمال» (ESA) أمس، كما بدأها، محذراً الأوروبيين والغرب من الاستمرار بالتعاطي مع العالم العربي من موقع أبوي، ومن منطق شمال ـــ جنوب، مع ما تشهده المنطقة من ثورات وانتفاضات وحراك ثوري. المحاضرة التي كانت تحت عنوان «الوضع الجيوسياسي الجديد وموقع لبنان فيه، في ظل الربيع العربي»، لم تتناول لبنان إلا بنحو مختصر، إذ رفض فيدرين الدخول في خصوصيات البلد، وقال فقط في إجابة عن سؤال، إنّ لبنان لا يحمل مفتاح «المأساة السورية»، بل الحل يكمن في العقوبات الأوروبية والدولية، مشيراً إلى أنّ نتائج ما يحصل في سوريا على لبنان لا تبدو جيدة. فيدرين الذي يزور لبنان لمدة 24 ساعة فقط، طلب من الباحثين والمحللين اتباع حرص فكري في التعليق على «المسيرة الديموقراطية العربية»، لأنّ المرحلة متغيّرة ودقيقة. وأضاف الوزير الاشتراكي أنّ الغرب لم يعد القوة الوحيدة التي تحتكر السلطة، والقرارات، كما كان لقرون خلت، بل برزت دول عربية ذات سلطة اقتصادية وأهداف خاصة بها، يؤدي ذلك إلى منافسة بين الجميع، قد تصل إلى مواجهات، لا يكون للعالم العربي أي قيمة فيها.
يصرّ فيدرين على تجنّب استخدام عبارة «الربيع العربي». يمزح قائلاً إنّ الانتفاضات بدأت في الشتاء، ولا علاقة لها بالربيع. ففي ذلك الفصل تزهر الورود وتتحول إلى ثمار، وهذا ما لم يظهر بعد في المنطقة. لكنّه يؤكد أنّ المسيرة الديموقراطية العربية «كانت غير متوقعة، ولا يمكن تجنّبها، في الوقت نفسه».
يؤكد فيدرين أنّنا أمام نسخات مختلفة من الانتفاضات التي تختلف من بلد إلى آخر. فالديموقراطية ليست قهوة تطلب جاهزة، وهي في المقابل مسار طويل. ويعطي مثال فرنسا «التي تحب أن تعطي دروساً للآخرين»، فهي لم تمنح حق الاقتراع للنساء سوى بعد 150 عاماً من بدء الانتخابات العامة فيها. ويضيف أنّ الوضع في سوريا مثلاً «يقترب من الحرب الأهلية»، فيما «لا شيء مفهوماً في ليبيا»، بينما يشهد المغرب تطوّراً كبيراً. ويتوقع ألا يقتصر الحراك المتنقل على الدول العربية، بل يمكن أن يمتد إلى الدول الآسيوية، مثل الصين وغيرها. لكنّه يقول بعد ذلك إنّه لو كانت هناك وصفة سحرية للديموقراطية لكان الأمر عظيماً، ملمّحاً إلى بعض الأوروبيين والفرنسيين الذين يريدون نسخ التجربة الغربية وفرضها على الدول العربية. ويضيف أنّ الموضوع يشبه محاولة البعض تحويل الصين إلى دنمارك أخرى.
ماذا عن الإسلاميين ووصولهم إلى السلطة في دول ما بعد الثورة؟ يرى فيدرين أنّ المقولة القديمة المتعلقة بقدرة الأنظمة العربية البائدة على وقف الموجة الإسلامية انتهت، وأثبتت فشلها. ويضيف أنّ الشعوب العربية لم تعد تستطيع تحمّل الديكتاتوريات، وفي أوروبا تطلّب الأمر سنوات طويلة كي تتوصل الشعوب إلى تعايش بين الكاثوليكية والديموقراطية، وهما «مثل الماء والنار»، وذلك ما قد يحصل في العالم العربي، إذ يمكن أن نشهد تحوّلاً في عقلية الأحزاب الإسلامية، ومواجهات ربما، للوصول إلى «ديموقراطية إسلامية». يميّز فيدرين بين الرؤية الأوروبية والأميركية لما يحصل في المنطقة. الأوروبيون كانوا بداية مدهوشين، ثم تحمسوا كثيراً، وأصبحوا يريدون مدّ يد المساعدة. أما الأميركيون، فهم ينظرون بطريقة دينية ومذهبية وفئوية إلى المنطقة. همّهم الأول هو أمن إسرائيل، ومن ثم فرض مراحل انتقالية على الآخرين.
يختم الوزير السابق بالتحذير من أنّ ما يحصل في العالم العربي مستمر ولن يتوقف، ويجب تخيّل دول عربية ذات شرعية بين الناس، و«أقل مراعاة لإسرائيل والغرب، لكن من دون أن تتورط في مغامرات مجنونة».