تصدّرت الشركة الألمانية «تيسنكروب» عناوين الصحف العبرية في الأسابيع الأخيرة، وذلك في أعقاب صفقة الغواصات بين إسرائيل وألمانيا، التي أثارت أسئلة كثيرة؛ أولها عن حاجة الجيش الإسرائيلي الفعلية إليها، وجدوى دفع أموال طائلة في صفقة كهذة، وخصوصاً أن التجربة اليونانية في هذا المجال أخفقت وأدخلت البلاد في أزمة اقتصادية قاسية.
كذلك أثارت هذه الصفقة شبه فساد يرتبط فيها مباشرة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، بالإضافة إلى مقربين منه ومسؤولين في مناصب رفيعة وحساسة.
ما لم يكن متوقعاً في حساب الإسرائيليين، أن تضاف إلى سلسلة الفضائح، أزمة من نوع آخر، أمنية واقتصادية؛ فقد كشفت صحيفة «يديعوت أحرونوت»، أمس، أن شركة حكومية إيرانية تمتلك نحو 5% من أسهم «تيسنكروب» التي تصنع الغواصات والسفن الحربية من نوع «ساعر 6» لسلاح البحرية الإسرائيلي، بواسطة شركة تابعة لها تدعى «HDW».
الشركة الإيرانية هي استثمارية وتنشط، وفقاً للصحيفة العبرية، خارج إيران، وتدعى «IFIC»، لكنها بملكية حكومية، كما أنها الشركة الأساسية التي تستثمر أموال طهران في العالم عبر شركات تابعة لها.
ويقول الصحافي الإسرائيلي يوسي يهوشوع، المتخصص في المجالين الأمني والعسكري، إن «حقيقة استثمار شركة إيرانية في تيسنكروب تثير أسئلة مقلقة بشأن إمكانية اطلاع أصحاب الأسهم الإيرانيين على أحد أكثر المشاريع سرية في الجيش الإسرائيلي».
يشار إلى أنه في 2011، أعلنت «IFIC» أنها تمتلك 4.5% من أسهم «تيسنكروب»، لكن مجلة «ذا بزنس يير» أجرت هذا العام مقابلة مع رئيس الشركة فرهارد زارجاري، أكد فيها أن شركته لا تزال تمتلك أسهماً في الشركة الألمانية من دون أن يحدد قيمتها.
وقبل بضعة شهور، قال زارجاري في مقابلة ضمن ملحق خاص بمعهد الأبحاث بشأن استثمارات إيران في 2016، إن «كون شركة IFIC هي الهيئة المركزية المسؤولة عن استثمارات الحكومة الخارجية، فإنها تتحمل مسؤولية كبيرة في تعزيز العلاقات الاقتصادية الدولية لإيران». وأكد أن «لهذه الشركة حضوراً في القارات الخمس، واستثمارات في 22 دولة... وتمتلك أسهماً في شركات مهمة مثل بريتش بتروليوم، وتيسنكروب، وأديداس، وماركات أخرى مهمة».
واللافت في تقرير «يديعوت» أن استثمارات «IFIC» في العالم ضخمة جداً، فقد ذكرت أن مدير الاستثمارات صرّح سابقاً بأنه في 2007 «استُثمر ما يقارب مليار ونصف مليار دولار في العالم»، كذلك يؤكد موقع الشركة أن 57% من الاستثمارات في أوروبا وحدها.

تخشى إسرائيل إمكانية كشف مشروعها السري لدى الإيرانيين

علاقة الشركة الإيرانية بالألمانية كانت «الأهم»، وفق الصحيفة، فمنذ عهد الشاه محمد رضا بهلوي، استثمرت طهران في الشركة أكثر من مليار مارك ألماني، أي ما يعادل 400 مليون دولار. وفي 1974، بدأت «IFIC» الاستثمار في «تيسنكروب» بمبلغ ضخم جداً إبّان أزمة الأخيرة في 1977، ونتيجة ذلك، امتلكت إيران 24.9% من أسهم الشركة مع نهاية السبعينيات.
لم تملك «تيسنكروب» في ذلك الحين الحوض الذي يصنع الغواصات الإسرائيلية، وإنما تركزت إنتاجاتها في مجال المركبات والمصاعد. أمّا الشركات التي تشكل اليوم «تيسنكروب للأنظمة البحرية» (TKMS)، فاشتُريت في 2005.
وفي 2000 كان نائب وزير الاقتصاد الإيراني، محمد مهدي نواب مطلق، عضواً في مجلس إدارة الشركة الألمانية، لكن في 2003، ومع إعلان الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش، أن إيران واحد من مكونات ما سماه «محور الشر»، هددت واشنطن برفض التوقيع على أي صفقة مع «تيسنكروب» ما دامت لن تقلص حصة إيران في الشركة، التي بلغت في ذلك الوقت 7.8% من الأسهم، لتحتل الترتيب الثالث في عدد الأسهم.
خضعت «تيسنكروب» للشروط الأميركية واشترت أسهم شركة الاستثمارات الإيرانية بقيمة 17 مليون دولار، فتراجعت حصة الأخيرة إلى أقل من 5%، كما أُخرج محمد مطلق من مجلس الإدارة. وفي 2007، قدّر مدير شركة الاستثمارات الإيرانية قيمة أسهم بلاده في «تيسنكروب» بـ600 إلى 700 مليون يورو، لكن في 2010، أُدخلت الشركة الإيرانية وشركتان تابعتان لها ضمن العقوبات الاقتصادية الأميركية التي وقع عليها الاتحاد الأوروبي، ومن ضمنه ألمانيا، ضد إيران، فأعلنت «تيسنكروب» تجميد كل الصفقات مع الأولى، وإلغاء العقود القائمة.
يذكر أن أعمال «تيسنكروب» في إيران تضمنت بصورة أساسية مشاريع هندسية في مجال الباطون المسلح، وأرباحها بلغت 200 مليون يورو سنوياً، أي 0.5% من نسبة أرباح الشركة العملاقة، لذلك قررت الشركة الألمانية التعامل بحزم مع العقوبات الأميركية، وخصوصاً تلك التي تركزت في مجالي الغاز والنفط.
لكن، مع توالي الفضائح المرتبطة بقضية الغواصات، يبدو أن وزارة الأمن الإسرائيلية وجدت نفسها محرجة، فعقبّت في رد مقتضب بأنه «لا علم لدينا بعلاقة الشركة الإيرانية للاستثمارات الخارجية بتيسنكروب».