على وقع انتصارات محور المقاومة في سوريا، وتحديداً بعد استعادة حلب، خلص أحد أهم المنظرين الاستراتيجيين الاسرائيليين، وزير الأمن السابق موشيه ارينز، الى التسليم بعجز اسرائيل عن تحقيق المؤمل من الخيارات الماثلة أمامها.
وبخلاصة عامة، أجملها بخيارين اثنين: الاول، عملية عسكرية وقائية ضد قدرات حزب الله، والثاني، محاولة ردعه عن تفعيل قدراته. وفي كلا السيناريوهين، خلص ارينز الى محدودية الجدوى، واشكالية عدم جهوزية الجبهة الداخلية في مواجهة ترسانة حزب الله الصاروخية. وهي نتيجة مخيبة لكل الذين يراهنون على التدخل العسكري الاسرائيلي المباشر، الامر الذي يُفسر التردد لدى المؤسستين السياسية والعسكرية الاسرائيلية، حتى الان.
تنبع أهمية مقاربة ارينز، التي نشرتها صحيفة «هآرتس»، من كونها أقرب الى التقدير العملاني الاستراتيجي، وتحضر عناصرها بقوة لدى صناع القرار السياسي والامني في تل ابيب لدى دراسة خياراتهم ردا على الانتصارات التي يحققها الجيش السوري وحلفاؤه.
ومما يعزِّز مصداقية هذا البحث التقديري، الى جانب مضمونه، أن من صاغ هذه التقديرات شخصية لديها خبرة عميقة في صناعة القرار السياسي والامني، وبمتابعة المجريات الاقليمية ذات الصلة بالامن القومي الاسرائيلي.
في ما يتعلق بخيار العملية الوقائية ضد قدرات حزب الله الصاروخية الاستراتيجية، أقر ارينز بتعذر تحقيق النتائج المؤملة منها، بالقول: «من المعقول الافتراض أن عملية كهذه لن تنجح في تحييد كل ترسانة حزب الله». وينطوي تقدير هذه النتيجة على اقرار بأن قدرات حزب الله، التي لن تستطيع اسرائيل المس بها، ستكون كافية لجبي أثمان هائلة من اسرائيل عبر استهداف عمقها الاستراتيجي، وبالتالي سيكون الكيان الاسرائيلي امام عملية محدودة الجدوى وكبيرة الثمن. ومن جهة أخرى، يمكن القول إن تسليم صناع القرار السياسي والامني في تل ابيب بهذه النتيجة هو الذي أدى الى امتناع العدو طوال السنوات التي تلت حرب 2006، عن اللجوء الى مثل هذا الخيار، وأسس لمعادلة ردع متبادل.

أي عملية عسكرية وقائية عاجزة عن استئصال قدرات حزب الله الصاروخية



في ضوء عجز جيش العدو عن سلب حزب الله القدرة على استهداف العمق الاستراتيجي للكيان، من الطبيعي أن يتراجع سقف الطموح الاسرائيلي الى محاولة شل الحزب عن تفعيل هذه القدرات ردا على اعتداءات اسرائيلية، عبر التلويح بأثمان هائلة، وهو ما عبر عنه ارينز بالردع.
وفي ما يتعلق بهذا الخيار، رأى أرينز أن معادلة الردع المتبادل أثبتت جدواها في الحرب الباردة انطلاقا من ادراك الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي، في حينه، أن شن الضربة الاولى سيؤدي الى ضربة ثانية. لكنه أقر بأن هذه المعادلة لم تنجح في مواجهة حزب الله. وارجع ذلك (بعيدا عن العبارات التي استخدمها) الى قدرة الصمود، وكانت لافتة إشارته الى «ثقة حزب الله بالنصر النهائي».
وفي السياق نفسه، كشف أرينز عن حجم كي الوعي الذي حققه انتصار حزب الله عام 2006، بالقول إن «الردع الاسرائيلي لم يمنع حزب الله من اطلاق الصواريخ في حرب لبنان الثانية» كما لم يمنع حركتي حماس والجهاد الاسلامي عن ذلك ايضا في غزة. اما التهديد بتدمير جزء كبير من لبنان لردع الحزب، فاعتبره ارينز جزءاً من المعادلة، واصفا نجاح اسرائيل في ردع حزب الله بأنه أمر اشكالي. ويسجل في هذا المجال، تجاهل ارينز المتعمد لحقيقة أن التدمير الذي تحدث عنه يمكن لحزب الله أن يرد عليه، بضربات نوعية استراتيجية تفوق مفاعيلها ما شهدته اسرائيل طوال تاريخها، كما هدد بذلك الامين العام للحزب السيد حسن نصر الله قبل أشهر.
هكذا، يبدو من خلال التقدير الذي عرضه أرينز، أن العامل الاساسي في اجهاض أي محاولة شن حرب وقائية أو ردع حزب الله عن الردود، تستند الى تسليم اسرائيل بقدرته على استهداف العمق الاسرائيلي وارادته على تفعيل هذه القدرات.
ومن هنا، يأتي تناول ارينز، في مقدمة بحثه، عدم جهوزية الجبهة الداخلية، مستندا الى تقرير مراقب الدولة الذي أكد على هذه الحقيقة. وعزا عدم الجهوزية الى الحجم الهائل لصواريخ حزب الله التي لا يمكن في ضوئها توفير ملاجئ لسكان الدولة البالغ عددهم أكثر من ثمانية ملايين، متسائلا في الوقت نفسه عن مصير منشآت البنية التحتية والمصانع وغيرها..
وفي ما يتعلق بالرهان على فعالية منظومات الاعتراض الصاروخي، «القبة الحديدية» و»مقلاع داوود» و»حيتس»، اقر ارينز بأنها غير قادرة على توفير مظلة حماية لكل الدولة التي تطالها صواريخ حزب الله، مشددا على قدرة الهجمات الصاروخية المكثفة لحزب الله على اختراق هذه المنظومات، في اشارة الى تعطيل فعاليتها امام الكثافة الصاروخية الهائلة التي يفترض أن يُفعِّلها الحزب في أي مواجهة واسعة.
في ضوء عقم هذه الخيارات العملانية، خلص ارينز الى أن الخيار الوحيد المتبقي أمام اسرائيل، يتمثل بالرهان على الضغط الدولي لتفكيك ترسانة حزب الله الصاروخية، متسائلا ما إن كان هذا الامر يثير اهتمام المجتمع الدولي في هذه المرحلة. وختم ارينز بحثه التقديري، بالاقرار أن «اسرائيل مضطرة الى البحث بين خيارات غير بسيطة عليها». لكنه كشف، بشكل غير مباشر، عن حجم الرهان الاسرائيلي، الذي تبين فشله، على انتصار الجماعات المسلحة والارهابية في سوريا باعتباره الخيار الاستراتيجي البديل الذي لجأت اليه اسرائيل لتحقيق ما عجزت عنه في مواجهة حزب الله.




تسليم بالعجز

في خطوة استثنائية، تكشف عن التسليم الاسرائيلي بعجز سلاح الجو عن التعامل مع قدرات حزب الله الصاروخية، كشف مصدر امني اسرائيلي رفيع، أن اسرائيل بدأت دراسة شراء مئات صواريخ ارض ــــ ارض، يصل مداها الى 200 كلم، رغم معارضة القيادة العسكرية لهذا الخيار، لأسباب تتعلق بالموازنة. وأقر المصدر أن الهدف من هذا الخيار، محاولة تغطية الاعداد الكبيرة للاهداف على الساحة الشمالية. وكشف المصدر لموقع «واللا» العبري أن الرؤوس الانفجارية لهذه الصواريخ تتراوح بين 400 الى 500 كلغ من المواد المتفجرة، وتهدف الى تمكين الجيش من مواجهة سيناريوهات مختلفة.