«بيمون الوزير غازي العريضي»، قالها رئيس مجلس إدارة شركة طيران الشرق الأوسط محمد الحوت بثقة أمس. المونة هنا قوية جداً. قادرة على توقيف قرار اتخذه الحوت بصرف 160 طياراً من الشركة. «المونة» ثلاثية. أقطابها: حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، العريضي والحوت.
كل منهم له يد طولى في إغداق التوظيفات السياسية والحزبية، والمشاريع المشتركة مع كبار نافذي السلطة. كل منهم محاط بحصانة سياسية من كل حدب وصوب. حصانة تجمع الأضداد، لتحوّل هذا الثلاثي الى ملوك حقيقيين على ممالك هي ملك للشعب أصلاً. 160 طياراً لا يزالون في إضراب مفتوح عن العمل. المطلب هو وقف الحوت قراراته القاضية بحسم 5 أيام من رواتبهم الشهرية كـ «قصاص» على تنفيذهم تحركاً نقابياً. الهدف أبعد طبعاً، فالمطلب هو منع الحوت من ابتلاع مكونات مطار بيروت الدولي. كل المكوّنات. وخصوصاً النقابية منها.
إلا أن «ملك ملوك لبنان»، بحسب وصف أحد الطيارين للحوت، وبدلاً من وقف هذه الحسومات، قرر أن يمنع 21 طياراً من الدخول الى حرم الشركة أمس، بحجة أنهم «مشاغبون». حصل الطيارون «المشاغبون» على قرار من قاضي الأمور المستعجلة يقضي بدخولهم النقابة. غير أن «فرمانات» الملك تطورت، فإذا به يرسل محامي الشركة لإغلاق مقر النقابة الموجود منذ عام 1978 في حرم الشركة، إغلاقاً تاماً، في سابقة تكتب في تاريخ «الشركة الوطنية». والغريب في هذا الإطار أن جهاز أمن المطار، الذي منع دخول الطيارين الى حرم الشركة، وأقفل مع المحامي مقر النقابة، امتنع عن تنفيذ قرار قاضي الأمور المستعجلة. امتناع مريب ينفذه جهاز يقع تحت إمرة وزارة الداخلية والبلديات. يبدو أن الحوت يبتلع السمك الصغير... والكبير.
طبعاً، كل هذا الانتهاك المفرط للعمل النقابي في مطار بيروت مر كنسمة هواء في أذن رئيس الاتحاد العمالي العام غسان غصن. الأخير لم يصدر صوتاً، لا بياناً، لا تصريحاً، ولم يُجرِ حتى اتصالاً بأصحاب التحرك. علماً أن غصن عضو في اتحاد النقل الجوي. ومن عضويته هذه، اكتسب موقعه الرئاسي في الاتحاد العمالي منذ سنوات... وسنوات.
هذا الانتهاك المفرط دفع الطيارين الى عقد جمعيتهم العمومية للمرة الأولى خارج نقابتهم، وأعلنوا من مطعم الساحة أنهم يرفضون التراجع عن الإضراب، قبل تراجع الإدارة عن كل قراراتها.
وكان نهار الطيارين قد بدأ بفشل الوساطة التي قام بها وزير العمل شربل نحاس، بين إدارة الشركة والطيارين. رفضت الإدارة الحل الذي اقترحه نحاس بإلغاء متزامن للإضراب وإجراءات الحسم والطرد التي اتخذتها الإدارة، وذلك على نحو فوري كي تعود الأمور الى ما كانت عليه في 25 تشرين الثاني. أصرت الإدارة على الحسومات، أما تنازلها، فاقتصر على «وقف قرارات الصرف التي اتخذت بحق الطيارين، في حال عودتهم عن قرار الإضراب»، علماً بان أياً من الطيارين لم يتلق كتاب صرف من العمل!
من نحاس الى العريضي، انتقل الطيارون. هناك تكررت المطالب، وتصلّبت المواقف. «لن تتراجع إدارة الشركة عن قرار الحسم من الرواتب، كتعويض عن الخسائر التي لحقت بها من جراء الإضراب».
تعنت من قبل الحوت زاد من حدة المواقف. «يبدو أن الحوت يريد أن يفلس الشركة، فهو يدرك أن النقابة لن تتراجع عن مطلبها، لأن ذلك يعني ضرب العمل النقابي على نحو كامل في الشركة، بحيث لن يستطيع أي طيار المطالبة بأي حق اذا جرت الموافقة على مبدأ: الإضراب يقابله قصاص إداري»، على ما أفاد أحد المعنيين. علماً بأن حصرية الأجواء لمصلحة MEA ستنتهي في 2012، «وثمة اتجاه لدى العديد من الشخصيات، ومنها الحوت، إلى إنشاء شركات جديدة تستفيد من فتح الأجواء، ومن الحظر الجوي المفروض على سوريا».
اتهام قابلته اتهامات من الجانب الآخر. إذ رداً على سؤال عن المستفيد من إصرار الشركة على قراراتها الجائرة بحق الطيارين، في ظل فتح الأجواء العام المقبل، أشار أحد المقربين من الحوت لـ «الأخبار» إلى أن الطيارين «مدفوعون من جهات سياسية تريد إنشاء شركات جديدة، وهؤلاء يريدون تدمير شركة الميدل ايست لكي تستطيع هذه الجهات السياسية تنفيذ مشاريعها». لا بل اتهم هذا المصدر الطيارين بأنهم «يتاجرون بصحة الكابتن جوزف عياط لتحقيق مصالح سياسية، وإلحاق الضرر بالشركة الوطنية»!
إلا أن عدداً من المتابعين لقضايا المطار وشركة الميدل ايست أكدوا أن «لا خلفيات سياسية للطيارين في تحركهم، إذ إن مطلبهم بسيط جداً، وهو أن تتراجع الإدارة عن قرار الحسم من رواتبهم، وأن لا تتدخل في نقابة الطيارين، وأن توقف كل القرارات الجائرة المتخذة بحق الذين أضربوا عن العمل، بدءاً من السماح لهم بالدخول الى حرم الشركة، مروراً بإعادة مقر النقابة الى النقابيين، وصولاً الى الكف عن التهويل بصرف الطيارين في كل مرة يرفعون فيها مطلباً محقاً».
يذهب أحد المطلعين على «ملفات» الحوت أكثر من ذلك. يسأل «كيف لهؤلاء الطيارين، الذين يصل عددهم الى 160 طياراً، والذين ينتمون الى كافة المشارب الحزبية والسياسية من دون استثناء، أن يأتمروا بأوامر شخصية سياسية واحدة؟ وكيف يمكن أن يساق بحقهم هذا الاتهام في ظل المخالفات المتراكمة على الحوت، التي تشير الى أنه كالمنشار الذي يستفيد من كل شيء على الطالع والنازل؟». فالحوت طلب من مهندسي طائرات الشركة الفرنسيين صناعة الطائرات على شكل «حوت»، لا بل إن ملك الملوك أطلق على كل طائرة اسماً يعود الى زوجته وأبنائه، أو والده ووالدته. طائرة مسجلة باسم MAH، أي محمد عبد الحوت. وأخرى باسم RMH أي روضة محمد الحوت. وثالثة باسم MRT، أي محمد روضة طارق... قصة ملوكية أخرى. فقد دعا الحوت 50 شخصية للاحتفال بتخرج ابنه، وحضور مصارعة للثيران في إسبانيا، بينهم مدراء في الشركة، مع إقامة لـ5 أيام، استقلوا طبعاً طائرات الميدل ايست. الطائرات التي تسير بأموال اللبنانيين. والتكاليف كلها على حساب الشركة! والحوت يحب «الشخصيات»، فإذا به يدعو على نحو دائم عدداً من كبار الشخصيات النافذة والقضاة والضباط في القصر الجمهوري، ورئاسة الحكومة، ورئاسة مجلس النواب، وكبار الصحافيين في رحلات الى لندن وبلجيكا مع تحمّل حساب الشركة كافة التكاليف المتعلقة بالرحلة... ملفات كثيرة. ملفات تشير الى أن الحوت أصبح اسماً على مسمى. يتغذى من سكوت أركان السلطة عن مخالفاته. يكبر بزيادة نفوذه في الشركة ومطار بيروت الدولي.