غزة | على شاطئ قطاع غزّة، الذي يمتد لنحو 43 كلم على البحر المتوسط، ويمر بخمس محافظات، ويعتاش منه قرابة ثلاثة آلاف صياد، يتجسد الحصار بصورة أبلغ للمعاناة الفلسطينية. هنا يقع الصيادون في شباك اللاءات الإسرائيلية الثلاث: لا قانون يحميهم من انتهاكات الاحتلال، ولا مساحة صيد واسعة متاحة لهم، ولا معدات أو أسماك في منطقة ملوثة بيئياً.
وتمنع بحرية العدو على الصيادين الغزيين تجاوز مساحة الصيد التي حدّدتها لهم بنحو ستة أميال بحرية فقط. وهي مساحة من النادر وجود الأسماك فيها، وإذا وجدت، تكون محددة الأنواع وصغيرة الحجم. في تلك المساحة الضيقة لا يَسلَم الصيادون من الملاحقة والانتهاكات، وهم يتعرضون يومياً لنيران رشاشات الزوارق الحربية التي تضيّق عليهم تارة، وتتلف مراكبهم وتصادر معداتهم تارة أخرى.
في الخامس من الشهر الجاري، صدمت بحرية الاحتلال قارب الصياد محمد الهسي (32 عاماً)، وبعد بحث استمر نحو عشرة أيام من دون نتيجة، أعلنت عائلته و«نقابة الصيادين» أنّه استشهد في البحر، ولم يعثر على جثته حتى اليوم. دفع العدوان على الهسي وزارة العدل إلى التواصل مع عائلة الشهيد لمعرفة معلومات عنه تمهيداً لرفع دعوى قضائية ضدّ بحرية العدو. وعلمت «الأخبار» من عائلة الشهيد بأنّ المركب الذي أُغرق ليس ملكاً لابنها. كذلك فإن نقيب الصيادين، نزار عياش، قال إن المركب «هو المركب الثاني ضخامة في القطاع، ويبلغ طوله 17 متراً وعرضه خمسة أمتار، وتُقدّر ثمن معداته بنحو 150 ألف دولار».
وعدا إغراق المراكب ومصادرة معداتها، يشتم جنود البحرية عبر مكبرات الصوت الصيادين، كذلك تخترق زوارق العدو شباكهم، وتُطلق النار على مولداتهم الكهربائية، وليس أخيراً يُرَشّون بمياه البحر الباردة أو الصرف الصحي. زيادة على ذلك، تمنع سلطات العدو دخول المواد اللازمة للصيد من خلال المعابر التي تتحكم فيها، حيث لا تسمح بإدخال قطع الغيار ولا مادة الفيبرجلاس المستخدمة في صيانة القوارب، ولا حتى الكوابل المستخدمة في ربط المراكب.

سُجّلت 137 حالة اعتقال و37 مصادرة مراكب في عام 2016
وتمنع أيضاً إدخال الشباك الخاصة بصيد الأسماك، وهي إجراءات دفعت عدداً من الصيادين إلى ترك مهنتهم، فيما تتدنى يومياً أعداد الصيادين، وهي قد كانت عام 2009 تقدر بنحو أربعة آلاف، فيما وصلت السنة الماضية إلى قرابة 2500.
وكانت اتفاقية أوسلو المبرمة عام 1993 قد منحت السلطة الفلسطينية مساحة عشرين ميلاً بحرياً للصيد فيها، لكن الاحتلال قلصها إلى ستة أميال بحرية وأحياناً ثلاثة أميال. ومن ثمّ، نصّ اتفاق وقف إطلاق النار في نهاية العدوان على غزة صيف 2014 على أن يسمح الاحتلال بزيادة مساحة الصيد إلى تسعة أميال كمرحلة أولى، على أن تزداد إلى 12 لاحقاً. لكن الستة أميال بقيت كما هي، ويحرم الصيادون جراء ذلك الوصول إلى المناطق التي تكثر فيها الأسماك.
كذلك، أكدت تقارير عدة أن المساحة المسموح الصيد فيها دائماً ملوثة بسبب المياه الآسنة ومخلفات مصانع غزّة التي أدت إلى انخفاض الثروة السمكية، وحدّت من تكاثرها في تلك المناطق، ما يؤثر سلبياً في صحة المواطنين، ويضرب قطاع إنتاج الأسماك. ويقول عياش إنّ 2016 كان «العام الأسوأ في الثروة السمكية والأعلى في انتهاكات الصيادين»، إذ سُجل اعتقال قرابة 137 صياداً ومصادرة 37 مركباً بمعداتها، وإتلاف خمسين قارباً، فضلاً عن إطلاق النار يومياً وإصابة تسعين صياداً، وهو ما ينذر هذه السنة بـ«كارثة اقتصادية ستصيب الصيادين نتيجة اعتداءات بحرية الاحتلال المتكررة وشبه اليومية. كذلك تظهر الأرقام أن خسائر الصيادين تبلغ سنوياً عشرة ملايين دولار. وبينما يحتاج قطاع غزة إلى نحو خمسة آلاف طن من الأسماك سنوياً، لا يتمكن صيادوه سوى من صيد نحو ألف طن فقط، غالبيتها من السردين.