نشرت مجلة «فورين بوليسي» الأميركية تقريراً عن هجوم إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب على ألمانيا، الأمر الذي من شأنه إيذاء الاقتصاد الألماني بما قد يهدّد الوحدة المالية للاتحاد الأوروبي برمّتها. وقالت «فورين بوليسي» إن إشارات صدرت عن إدارة ترامب تفيد بالإعداد لحرب اقتصادية تكون «حرب عملات»، ليس ضد الصين فحسب، بل أيضاً ضد ألمانيا (التي صارت أكبر شريك تجاري للولايات المتحدة عام 2015).
وكان رئيس المجلس القومي للتجارة، بيتر نافارو، الأميركي، قد أعلن يوم الثلاثاء الماضي أن ألمانيا «تستخدم العملة لاستغلال جيرانها والولايات المتحدة».
التقرير أشار إلى أن الخوف الأميركي المعلن من ألمانيا هو انعكاس لـ«بارانويا» ولفكرة ذات جذور تاريخية بين اقتصاديي «الاستبلشمنت» وسياسييه، لافتاً إلى أنه لا أحد يشك اليوم في أن البيت الأبيض لديه كل الأدوات اللازمة لإرغام برلين على تغيير سياستها الاقتصادية، بما في ذلك التزامها اليورو الذي يضمن وحدة الاتحاد الأوروبي حالياً، ليتابع أنه رغم هذه الضمانة «يبدو أن إدارة ترامب ماضية في فعل ذلك».
وشرح التقرير الانتقادات التاريخية للسياسة الاقتصادية الألمانية، التي تعود إلى أواخر السبعينيات، وتركز على النظام المالي الأوروبي الذي سبق وجود اليورو. وكانت الانتقادات تشتبه دائماً في أن ألمانيا تحاول الحصول على مكاسب تجارية طويلة الأمد من موضوع ربط العملات، لأن النظام المذكور يسمح لها بالقبض على الصدارة الاقتصادية الأوروبية، وهو ما حدث بالفعل مع نهاية القرن العشرين وبداية الألفية.
أما الإدارات الأميركية السابقة، بما فيها إدارة باراك أوباما، فقلقت لوقت طويل من حجم فائض الحساب الجاري الألماني (الفرق بين الصادرات والواردات)، لكن تلك الإدارات لم تكن ترى هذا الأمر دليلاً على التلاعب في التجارة من جهة برلين (مثلما تتهمها إدارة ترامب حالياً)، بل دليلاً على مقاربة غير صحيحة في السياسة الاقتصادية التي أبطأت كذلك الاقتصاد العالمي عامة.

الرؤية الجديدة لإدارة ترامب تريد غياب الاستقرار الأوروبي


وذكّرت المجلة بأنه في قمة العشرين في سيول، كان هناك محاولة من الولايات المتحدة ــ لم تنجح ــ للدفع باتجاه تحديد حجم فائض الحساب الجاري الألماني بـ4% من الناتج المحلي الإجمالي GDP.
وكان الفائض الألماني على وشك أن يتخطّى فائض الصين في حجمٍ قياسي، والآن حصة برلين من الإنتاج المحلي الإجمالي هي أكبر بكثير من حصة الصين (صندوق النقد الدولي يقدّر فائض ألمانيا لعام 2017 بـ8.1%، فيما يقدّر فائض الصين بـ1.6% منه).
ونقد نافارو لليورو يركّز على أن الاتحاد المالي الأوروبي هو طريق دائمة لإبقاء المارك الألماني أقل مما يجب أن يكون عليه. وأعطت المجلة مثالاً سويسرا التي يمتلك نظامها الاقتصادي القائم على التصدير قواسم مشتركة مع ألمانيا، مثل الفائض الكبير في الحساب الجاري، مع ارتفاع في الفرنك المحلي مقابل الدولار واليورو، ويعاني اختلالات عميقة بين ارتفاع معدلات الادخار والاستثمار المحلي المنخفض.
في المحصلة، إن الهجوم الأميركي على الاقتصاد الألماني يطاول السياسات المحلية لهذا البلد، ويعكس انتقاداً لأنجيلا ميركل، كما يعد الساحة لحملة انتخابية مقبلة ستتمحور حول سياستين: اليورو واللاجئين؛ هذا يعني أن واشنطن تلعب في هذه الانتخابات دور المعارضة.
وكان السفير الأميركي المحتمل لدى الاتحاد الأوروبي، تيد مالوش، قد صرّح بأنه يراهن على انهيار اليورو، وبأنه يريد بيعاً مكشوفاً له (short selling).
وأكدت مجلة «فورين بوليسي» أنه في حال تحقق ذلك وانهار اليورو، ستضعف أوروبا كمنافس، وسيزداد غياب الاستقرار مع عودة الخصومات الوطنية القديمة إلى الواجهة.
وفي الماضي، رأى الأميركيون أن أوروبا قطب استقرار في عالم غير مستقر، لكن الرؤية الجديدة تريد ضعف استقرار أوروبي، سياسي واقتصادي، ما سيؤدي إلى أوروبا أكثر انقساماً، تماماً مثلما ستكون الولايات المتحدة في عهد ترامب.
(الأخبار)