حملت المرحلة الماضية التي تلت اجتماع أستانة الأول تكثيفاً للعمليات العسكرية ضد تنظيم «داعش» في مختلف الجبهات المشتركة معه، وكان واضحاً أن الأطراف المنخرطة في الاتفاق من ضامنين ومشاركين، قد تجاوزوا مسألة أولوية محاربة التنظيم، وعكفوا على دراسة باقي الملفات العالقة، وعلى رأسها آلية الحفاظ على وقف إطلاق النار ومعالجة «جبهة النصرة»، التي استعصى فصلها عن الفصائل المعارضة خلال السنوات الماضية.
وتشير المعطيات التي رشحت عن اجتماع أمس في أستانة، إلى اتفاق الأطراف حول خرائط انتشار «النصرة» على الأرض السورية، برغم الخلافات التي شابت هذه القضية، وهو ما أكده رئيس الوفد الروسي إلى الاجتماع، ونائب مدير العمليات في هيئة الأركان الروسية ستانيسلاف حاجيمحمدوف، بقوله إن «هذا الاجتماع ركّز على تحديد المناطق التي تعمل فيها (جبهة النصرة)»، موضحاً أنه «برغم وجود خلافات بين الأطراف على كل قضية»، غير أن المشاركين في الاجتماع «نجحوا في تحديد هذه المناطق على الخرائط».
ويأتي هذا التقدم في وقت حساس، تشهد فيه مناطق تداخل نفوذ «النصرة» مع باقي الفصائل في أرياف الشمال السوري، استقطاباً حاداً مع إعلان تشكيل «هيئة تحرير الشام» التي جمعت مزيداً من الفصائل حول «جبهة فتح الشام» في وجه «حركة أحرار الشام» المنقسمة. ومن شأن هذا الانقسام أن يحفّز فصائل المعارضة على الانخراط مع أقطاب أستانة، في تعزيز التعاون ضد النصرة، وفي هذا السياق لفت حاجيمحمدوف إلى أن «بعض تشكيلات (الجيش الحر) تقوم بعمليات قتالية فعلية ضد مجموعات من (جبهة النصرة) في محافظات حلب وإدلب، في شمال سوريا»، مشدداً على «ضرورة القيام بهذا العمل في المحافظات الجنوبية والوسطى من سوريا».
ولا يندرج الكلام الأخير حول توسيع العمليات في إطار نظري فقط، فقد شهد اجتماع أمس تقدماً مهماً على هذا الخط، تمثل بحضور وفد أردني المشاورات، وإعلانه أن جماعات المعارضة السورية في المناطق الجنوبية من سوريا مستعدة للانضمام إلى اتفاق وقف العمليات القتالية وتوحيد الجهود ضد تنظيمي «داعش» و«جبهة النصرة»، وفق ما أوضح حاجيمحمدوف.
الأخير أشار إلى أن «الجانب الأردني طرح معلومات مهمة جداً، إذ أبلغ في تقريره عن الوضع في الجنوب السوري وكشف عن استعداد الجماعات المسلحة العاملة في تلك المناطق، للانضمام إلى وقف إطلاق النار والقتال ضد تنظيمي (داعش) و(جبهة النصرة)، النشطين في المنطقة الجنوبية»، مضيفاً أن «كلاً من الجانبين التركي والإيراني، إلى جانب ممثلي الأمم المتحدة، قد أبدوا اهتمامهم بالتقرير، وبمواصلة العمل مع الجانب الأردني».
الدخول الأردني بطرحه «المهمّ» من شأنه ــ إن نجح ــ تعميم وقف إطلاق النار على كامل البلاد، بما يضمن لمحادثات جنيف المقبلة هامشاً كبيراً لنقاش قضايا التسوية السياسية بعيداً عن خلافات الميدان. ولم يكن هذا الطرح وليد الصدفة، فموسكو أجرت العديد من المشاورات السياسية والعسكرية مع الجانب الأردني منذ تدخلها العسكري في سوريا، وأنشأت مركزاً مشتركاً للمعلومات مع الجانب الأردني، مقرّه عمّان، كذلك فإنها كثفت مشاوراتها واتصالاتها منذ التفاهم الثلاثي المشترك بينها وبين كل من أنقرة وطهران، لضمان التنسيق حول الجبهة الجنوبية التي يتمتع الأردنيون بنفوذ ليس بقليل على أهم فصائلها، وتُعَدّ مهمة لضمان استقراره الداخلي.
وهنا لا يمكن إغفال الغارات الأردنية أول من أمس على تنظيم «داعش»، التي تبدو تمهيداً لتعاون لاحق مع الجانب الروسي في تأمين غطاء جوي لأية عمليات برية، يجري التفاهم عليها ضد التنظيم.
وفي هذا السياق، لفت الملك الأردني عبد الله الثاني، في لقاء مع صحافيين في عمّان، إلى «أهمية الدور الروسي في التوصل لحل الأزمة السورية»، مؤكداً «أهمية ضمان الاستقرار في الجنوب السوري من خلال تثبيت وقف إطلاق النار، بالتوازي مع العمل لإيجاد حل سياسي من خلال مسار جنيف ومواصلة الحرب على الجماعات الإرهابية وداعش».
وضمن هذا الإطار، يشير نشاط موسكو الديبلوماسي إلى أنها تعمل على إدخال الجنوب السوري إلى مسار التفاهم في أستانة، بالتفاهم مع أكثر القوى تأثيراً عليه، وهي الأردن وإسرائيل. فبالتوازي مع الحديث عن استعداد الفصائل هناك للدخول في وقف إطلاق النار، أعلنت وزارة الخارجية الروسية أن وزيري الخارجية الروسي سيرغي لافروف، والدفاع الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان، بحثا في اتصال هاتفي الوضع في سوريا، وسبل تطوير التعاون المشترك في عديد من المجالات. وقبل أربعة أيام، قال السفير الإسرائيلي لدى روسيا غاري كورين، في لقاء مع رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الاتحاد الروسي، قسطنطين كوساتشيف، إن «إسرائيل ترحّب بجميع أنشطة موسكو في سوريا».
وحول تفاصيل ما نجح اجتماع أمس في إقراره، قال حاجيمحمدوف إن روسيا «أعدّت وثيقتين حول اتفاق وقف إطلاق النار، الأولى هي بروتوكول للاتفاق ينظّم الشروط والتزامات الجانبين بضمان وصول المساعدات الإنسانية، وتبادل الأشخاص المحتجزين قسراً، وغيرها من التفاصيل».
وأضاف: «قمنا أيضاً بصياغة لوائح حول المناطق التي جرى التوصل إلى تسوية فيها. ونعتقد أن هذه الوثيقة ستتيح تحقيق الاستقرار في المناطق التي وقّعت فيها جماعات المعارضة اتفاقات وقف إطلاق النار، وعلى وجه الخصوص، في الغوطة الشرقية ووادي بردى». ولفت إلى أن «هذه الوثائق معقدة وتتطلب اتفاقات مع كل من الحكومة السورية والمعارضة... ولكننا نأمل الانتهاء منها في الاجتماع المقبل». وأضاف أنه «لم تجرِ مناقشة الدستور، بل تركّز الاهتمام من قبل الخبراء العسكريين على وضع آليات التحكم بوقف إطلاق النار».
وقال إنه اتُّفق على «تعيين موعد الاجتماع المقبل في 15 ــ 16 شباط، أي قبل الاجتماع المرتقب في جنيف. ونحن نخطط للتركيز بمزيد من التفصيل حول الوضع في الغوطة الشرقية ومنطقة وادي بردى»، مشيراً إلى أن ممثلين عن المعارضة والحكومة سيحضرون في خلال الاجتماعات الدورية المقررة مستقبلاً في أستانة.
ويتماشى الإعلان عن التركيز على وضع الغوطة الشرقية في خلال الاجتماع المقبل مع المخاوف التي أبداها رئيس وفد الفصائل المسلحة المعارضة إلى أستانة، محمد علوش، الذي اشترط للمشاركة في الجولة الجديدة من مفاوضات جنيف، التزام الوعود التي حصلوا عليها في محادثات أستانة الماضية، حول وقف إطلاق النار، والإفراج عن كافة المعتقلين، وحل ملفّ المناطق المحاصرة.
وفي تعليقاته على اجتماع أستانة، وكلام الرئيس الأميركي دونالد ترامب، حول إيران، قال وزير الخارجية الروسي خلال مؤتمر صحافي مع نظيرته الفنزويلية ديلسي رودريغز، في موسكو، إن بلاده «ضغطت طويلاً نحو تشكيل تحالف عالمي لمحاربة الإرهاب، ونحن متأكدون من أننا إذا كنا على مسافة واحدة من جميع أطراف هذا التحالف، فإن إيران يجب أن تكون جزءاً من الجهود المبذولة» ضمن هذا المجال، مشدداً على أن «إيران لطالما قدّمت جهوداً من جانبها في محارية تنظيم (داعش)».
(الأخبار)