قبل أشهر، وتحديداً منذ انطلاق شرارة الأحداث في سوريا في 15 آذار الماضي، تحدث كثيرون عن «تباين» كبير يسود العلاقات بين الجماعة الإسلامية وحزب الله لجهة مقاربة الأزمة السورية، لكن من دون أن يظهر هذا التباين إلى العلن، وإنْ كانت بعض ملامحه ظهرت بنحو أو بآخر في الكواليس.أحد أبرز مشاهد هذا التباين بين الطرفين تمثل في إعلان الجماعة الإسلامية وقوفها إلى جانب الشعب السوري ومطالبه، في حين لم يخف حزب الله إعلانه وقوفه خلف «نظام المقاومة والممانعة».
منذ سنوات عدّة، دأب الطرفان الإسلاميان الأبرز على الساحتين السنيّة والشيعية في لبنان على عقد لقاءات دورية بينهما، كانت تفسّر على أنها «لقاءات تقارب» بين طرفين يجمعهما أكثر من عامل، لعل أبرزها توافقهما على نقطتين: الأولى العداء لإسرائيل وتبنّي خيار المقاومة، والثانية احتواء أي خلاف مذهبي قد ينشب لهذا السبب أو ذاك، انطلاقاً من خلفية أنه ليس لأحد مصلحة فيه. ورغم الفارق الكبير في الحجم والتمثيل والحضور السياسي والشعبي بين الطرفين، بقيت الجماعة تعدّ نفسها صنواً للحزب. كانت ترى في نفسها الفريق الثاني بعد «التيار الأزرق» الذي له امتداد داخل الساحة السنيّة في كل لبنان، وأنها ليست حزباً محلياً ضيّقاً، عدا عن أنها أقدم من تيار المستقبل، وأنها حزب عقائدي له جذوره وامتداداته في طول العالم الإسلامي وعرضه.
تباين تجلى في أوضح صوره في أحداث 7 أيار 2008. ورغم «العودة الباردة» للعلاقات في وقت لاحق، لم يسهم ذلك في كسر الجليد «السميك» بينهما. بل جاءت تطورات أحداث سوريا لتكشف عن وجود تباين عميق لا سطحي بينهما.
مظاهر هذا التباين «فجّرها» المسؤول السياسي للجماعة الإسلامية عزام الأيوبي، خلال نهاية الأسبوع الماضي، عبر مهاجمته خلال احتفال في المنية حزب الله من غير أن يسمّيه، عندما رأى أنه «نعيش منذ عدة سنوات عملية استقواء من قبل فئة من اللبنانيين على فئات أخرى، تعتمد على القوة في فرض رؤيتها على كل أبناء الوطن... أنتم تأخذوننا وفق خياراتكم الخاطئة معتمدين على قوة سلاحكم»، قبل أن يرفع سقف انتقاده للحزب على موقفه الداعم للنظام السوري، بقوله أمس في مهرجان أقيم في عكار «لمن خرج بسواده مؤيّداً لأنظمة القمع والاستبداد، عليه مراجعة حساباته قبل فوات الأوان».
أسباب هذا الموقف ردّها الأيوبي إلى أن «المسؤولين في الحزب قد ذهبوا في تناولهم الموضوع السوري أكثر من اللازم، فأردنا أن نسمعهم صوتنا». وعندما سألته «الأخبار» عن أسباب عدم إسماع مسؤولي الحزب موقف الجماعة خلال اللقاءات الدورية معهم، ردّ: «يبدو أنهم لا يسمعوننا، لأن نقاشاتنا معهم بدت أقرب إلى حوار طرشان، فأردنا أن يكون موقفنا من هذا الموضوع إعلامياً». الأيوبي الذي اعترف بأن «لقاءاتنا مع الحزب لم تعط نتيجة»، أكد أن «موقفنا نابعٌ من خلفية الحرص على الحزب وليس العداء له، لأننا نؤمن بضرورة استمرار الجسور قائمة بين مكوّنات الواقع اللبناني، وليس قطعها».
ولم يكتم الأيوبي عتبه على الحزب، «لأن ما كنا نتحدث عنه في اللقاءات الداخلية لم يُترجم على أرض الواقع»، خصوصاً في ما يتعلق بالموضوع السوري الذي رأى الأيوبي أنه «لا مصلحة للحزب ولا الداخل اللبناني في التعاطي معه على طريقة الحزب ومقاربته له»، كاشفاً عن أن «محاولاتنا لإقناع الحزب تغيير موقفه حيال ما يحصل في سوريا لم تفلح، وجهودنا في هذا الإطار أصبحت عبثية».
غير أن الأيوبي يشير إلى نقطتين يعتبرهما مهمتين للغاية: النقطة الأولى هي أنه في لبنان «لسنا منعزلين عن محيطنا، ولا يمكن أن نعزل أنفسنا، مع أننا لسنا مع ظاهرة الشيخ أحمد الأسير مثلاً». أما النقطة الثانية فهي محاولته نفي أن يكون موقفه نابعاً من ثقة زائدة بالنفس، مشيراً إلى أنه «لا يذهب أحد بعيداً في القول إنه بتنا حكام المنطقة، وإننا نتعاطى مع الآخرين على هذه الخلفية، بل ما نقوله إن الموضوع السوري يحتاج إلى مقاربة مختلفة تكون أقرب إلى المنطق».