سلسلة تنقلات إدارية وأمنية تدور رحاها داخل حركة «حماس»، وتستهدف بصورة أساسية الملف الحكومي في قطاع غزة، وذلك بعد مدة قصيرة على انتخاب المكتب السياسي للحركة في القطاع، وصعود جناح «الصقور»، أو المحسوبين على العسكر، إلى سدته، وتحديداً الأسير المحرر يحيى السنوار. هذه التنقلات، المترافقة مع تغيّر عام في استراتيجية إدارة العمل الحكومي الذي تصفه رام الله بعمل «الظل»، ستتزامن مع تعديلات في الاستراتيجيات والتوجهات الحركية، وفق ما تفيد به مصادر مطلعة على هذا الملف.
تعيد هذه المصادر التذكير بأن ما كان يُحكى عن خلاف بين العسكر والسياسيين في «حماس»، وهو خلاف اتخذ شكل المنحنى بين تصاعد وهبوط في السنوات الماضية، ليس مردّه الموقف من «القرارات الإقليمية» التي اتخذها المكتب السياسي، وخاصة في العلاقة مع محور المقاومة، إنما كان منطلقه الأساسي «طريقة إدارة الأمور في غزة... والانخفاض الذي طاول شعبية الحركة وسمعتها بسبب مجموعة قرارات لم تدرس آثارها جيداً وأضرّت بفئات مختلفة من الناس».
في هذا الإطار، كشفت تلك المصادر عن حملة تنقلات واسعة ستشمل الوزارات وقيادات الأجهزة الأمنية كافة، وهي تأتي ضمن ترتيبات إدارية تحت عنوان «تشكيل إدارة تنفيذية لقيادة العمل الوزاري في غزة»، وسيشرف عليها يوسف الكيالي (وكيل وزارة المالية في غزة)، كما ستضم اللجنة وجهاً أمنياً هو مسؤول أجهزة غزة اللواء توفيق أبو نعيم.

التهويل الإسرائيلي على شخص السنوار مراده حرب نفسية


وداخل الحركة، ثمة لجنة خاصة بإدارة وزارات غزة، أُطلق عليها اسم «اللجنة الإدارية الحكومية العليا»، وقد كُلف أخيراً تشكيلها ومتابعتها نائب رئيس المكتب السياسي في غزة خليل الحية، بعدما تقرر إعفاء زياد الظاظا من هذا المنصب، علماً بأن الأخير هو من الفريق المحسوب على نائب رئيس المكتب السياسي إسماعيل هنية.
هذه اللجنة سيكون دورها مرهوناً باستيعاب التطورات الجديدة على صعيد العمل الحكومي في غزة، إذ إن الغضب المصري الحالي من رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، والبرود الذي أصاب العلاقة بين رام الله والقاهرة مع استمرار القيادي المفصول من حركة «فتح» محمد دحلان في مؤتمراته داخل مصر، فتحا باباً واسعاً للعلاقة بين «حماس» والمصريين، في وقت استطاع فيه جهاز «المخابرات العامة» أن يحيّد دور «المخابرات الحربية» في منع التفاهم مع الحركة.
حالياً، صار التواصل المصري ــ الحمساوي مفتوحاً خارج اشتراطات السلطة، وهو ما سوف تتبدّى مظاهره قريباً بتحسينات على حالة الجانب المصري من معبر رفح بما يشمل استحداث مبانٍ وترميم أخرى، إضافة إلى رفع مستوى الخدمات هناك. لكن الملف الأهم، الذي تراهن عليه «حماس» للخروج من أزمتها المالية التي بدأت بعد صيف 2013، هو الاقتناع المصري الذي تشكل أخيراً بإمكانية الانفتاح على غزة من دون وساطة من دحلان أو عباس.
وفيما يساهم الضغط الحمساوي على السلفيّة الجهادية في تحسين العلاقة بالقاهرة، لا يزال المصريون يتمهلون قبل الانتقال إلى خطوات من قبيل إنشاء منطقة تجارية حرة مع القطاع، لكنّه أمر إذا ما تم، فإن القيادة الصاعدة أخيراً ستكون بصدد البرهنة على صحة وجهة نظرها منذ سيطرة الحركة على غزة عام 2007.
رغم ذلك، تؤكد المصادر أن الجدل الداخلي حول «مدى ضرورة الحسم العسكري في غزة (أحداث الانقسام)، والحديث عن العودة إلى ما وراءه... انتهى بلا رجعة»، مشددة على أن التعامل مع الأمر الواقع وإيجاد حلول للأزمات التي تخص «حماس» أو عموم الغزيين هو ما يشغل السنوار والأعضاء الذين انتخبوا معه حالياً. ولا تنكر تلك المصادر أن السنوار يتعامل بـ«قبضة حديدية» في عدد من الملفات، في إشارة إلى التعاطي مع السلفيين (راجع عدد أمس)، لكنه «لا يخرج عن شورى الحركة... كل التهويل الإسرائيلي على شخص السنوار كان مراده استهداف الوعي الفلسطيني في غزة، وإشعار الناس بأن قدوم هذا الرجل سيكون سبباً في الحرب ومآسي على القطاع».
أما عن حكومة التوافق، فتقول تلك المصادر إنها تتعامل مع حكومة حاضرة غائبة في آن، لذلك تركت لبعض وزارات «التوافق» حرية العمل والتنسيق، فيما بقيت الملفات الأساسية بيد موظفي الحركة داخل الوزارات، وخاصة أنه «لا أمل في حل مشكلة الموظفين ما دام محمود عباس موجوداً على رأس السلطة». وتضيف إن رام الله تواصل التضييق على الموارد المالية لـ«حماس»، التي تمر مؤسساتها التنظيمية (الشق السياسي) والإعلامية والخيرية، وكذلك الجامعة الإسلامية وبعض مدارسها، بأزمة خانقة أدت إلى وقف التثبيتات ومنع ازدواجية الوظائف، وكذلك صرف ما يمثل 50 ــ 70% من الراتب الأساسي للموظفين، فضلاً عن التأخر في الصرف.
ماذا عن حرب جديدة؟ تشرح المصادر ذاتها أن التوقع بحرب جديدة، رغم تضخمه على صعيد التحليل السياسي والإعلام، فإن لدى المقاومة تقديراً آخر بشأنه لا تودّ الكشف عنه الآن، لكنها ترى أن الدفع في تعزيز الانتفاضة الشعبية في الضفة والقدس المحتلتين قد يخفف احتمالية وقوع حرب على غزة. رغم ذلك، يبقى هامش الخطأ حساساً، إذ إنه في إحدى جولات التصعيد الأخيرة (قبل نحو عشرة أيام) كادت تستشهد مجموعة صغيرة من مقاومي «كتائب القسام» خلال خروجهم من إحدى فتحات الأنفاق جنوب القطاع، وهو سيناريو كان سيؤدي إلى مواجهة محتومة.
ولا تنكر هذه المصادر غياب الاستعدادات الطبية واللوجستية في غزة بما يؤثر في دافعية المقاومة، رغم استعدادها عسكرياً، نحو التصعيد، كما ترى في الوقت نفسه أن زيادة التحشيد للانتفاضة الشعبية قد يكون لها آثار سلبية في العلاقة بالسلطة، التي تجني الآن «ثمرات الحصرم» عن عملية سياسية فاشلة، وربما تستغل بموجب هذا الوضع التصعيد الفصائلي للانتفاضة من أجل تبرير الرضوخ للاشتراطات الإسرائيلية، وإقفال ملف المصالحة الداخلية مجدداً.