أسبوعٌ واحدٌ كان كافياً لإيصال التصعيد السياسي بين تركيا ودولٍ أوروبية إلى نقطةٍ غير مسبوقة، آخرها أزمة دبلوماسية بين أنقرة وأمستردام «توّجت» بحملة تركية من الاتهامات السياسية والايديولوجية للحكومة الهولندية. وعلى الرغم من أن التوتر في العلاقات التركية ــ الأوروبية ليس جديداً، إلا أن ما شهده الأسبوع الماضي يوحي بأن مرحلة جديدة بدأت بين الطرفين، ليس واضحاً مآلها بعد، مع الأخذ بالاعتبار المحاولات، الأوروبية غالباً، للتذكير براية حلف «شمالي الأطلسي» التي تضمن عدم وصول الخلافات بين الطرفين إلى نقطة اللاعودة.
من القاموس نفسه الذي استخدمه في هجومه على ألمانيا قبل أسبوع، شنّ الرئيس التركي رجب طيب اردوغان مع أعضاء من الحكومة التركية حملة على هولندا التي وصفها بـ«الفاشية»، فيما سارع إلى اتهامها بـ«العداء للمسلمين».
استسهل الرئيس التركي الذي يبدو في حالة هياج إعلامية ليست غريبة عن خطابه، وإنما بلغت في الأسبوع الماضي مراحل جديدة من العشوائية، رمي الاتهامات لهولندا، مثلما فعل تجاه ألمانيا. أما السبب فهو رفض هولندا منح وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، إذن الهبوط بطائرته على أراضيها والمشاركة في تجمع جماهيري نظمته الجالية التركية في روتردام، بالتزامن مع أمر أمستردام إبعاد وزيرة الأسرة والشؤون الاجتماعية التركية، فاطمة بتول صيان قايا، إلى ألمانيا، بعد حظرها من دخول قنصلية بلادها في روتردام.

أمستردام: تركيا حليفتنا في «الأطلسي»، لكن لا يمكننا القبول بلغة الابتزاز والتهديد


الإجراءات الهولندية سبقتها إجراءات ألمانية شبيهة، حين منعت بلديات تجمعات للجالية التركية لمناصرة التعديل الدستوري المقبلة عليه تركيا في السادس عشر من نيسان المقبل، بهدف تحويل النظام إلى رئاسي، ما سيعزز صلاحيات اردوغان.
ويعوّل اردوغان على الحملة التي تشمل عواصم أوروبية عدة، لبرهنة مدى شعبيته قبيل الاستحقاق المصيري والذي يسعى إليه منذ تسلمه منصب الرئاسة في آب 2014. إلا أن الحكومات الأوروبية التي شهدت علاقاتها بأنقرة توتراً كبيراً منذ محاولة الانقلاب الفاشلة في تموز الماضي، ترى أن تركيا، الطامحة إلى الانضمام للاتحاد الأوروبي، أصبحت بعيدة إلى حدّ كبير عن المعايير والقيم الأوروبية، وهو ما انعكس في زيادة سطوة اردوغان الداخلية، وتضييقه على الحريات والصحافة، بالإضافة إلى حملات الاعتقال الواسعة.

تظاهرات مضادة

المنع الهولندي الذي طاول وزيرين تركيين، أثار موجة غضب واسعة في تركيا، حيث انطلقت تظاهرات منددة دفعت الشرطة إلى إغلاق مداخل السفارة الهولندية في أنقرة ومخارجها وقنصليتها في إسطنبول لـ«دواعٍ أمنية».
وفي أول رد فعل رسمي على هولندا، طلبت أنقرة من السفير الهولندي الذي يقضي إجازة في الخارج، «عدم العودة إلى تركيا». وقالت وزارة الخارجية التركية إن الحكومة الهولندية «حاولت في شتى الطرق عرقلة اجتماع جاويش أوغلو مع الجالية التركية، بالرغم من موافقة الجانب التركي على الطلب الهولندي بعقد الاجتماع في لاهاي بدلاً من روتردام». وأشارت وزارة الخارجية في بيان، إلى أن «الموقف الهولندي العدائي» الذي تمثّل أولاً بإلغاء إذن هبوط الطائرة، جاء بعدما «رفضت أنقرة تقديم لائحة بأسماء الدبلوماسيين المشاركين في الاجتماع»، محملةً الحكومة الهولندية «مسؤولية زعزعة العلاقات بين البلدين التي يصل تاريخها إلى 405 سنوات».
أما الهجوم الأعنف على القرارات الهولندية، فجاء على لسان اردوغان، الذي قال «إن هؤلاء (هولندا) لا يتقنون السياسة ولا الدبلوماسية، إنهم جبناء... بقايا الأنظمة الفاشية والنازية». وأضاف ساخراً: «لنر كيف ستهبط طائراتكم بعد اليوم في تركيا». وردّاً على رئيس الوزراء الهولندي مارك روته، الذي دعا إلى «نزع فتيل التوتر»، قال اردوغان: «لم تدفعوا بعد الثمن للحديث عن إصلاح علاقاتكم مع تركيا... يجب أن تُحاسبوا على وقاحتكم»، متوعداً هولندا، التي وصفها بـ«جمهورية الموز»، بـ«الرد الحازم». كما دعا مؤسسات الاتحاد الأوروبي والمنظمات الدولية إلى «معاقبة هولندا... ودحض العنصرية ومعاداة الإسلام، والعمل على إنشاء أرضية يمكن من خلالها مناقشة المستقبل المشترك».
من جهته، قال جاويش أوغلو قبيل مشاركته بفعالية للجالية التركية في مدينة متز الفرنسية، أمس، إن بلاده ستتخذ «الإجراءات اللازمة» ضد هولندا، داعياً «عاصمة الفاشية» إلى الاعتذار على «ممارساتها العنصرية والوقحة». وأشار إلى أن هذه الممارسات «مخالفة للديموقراطية والحرية... وتشكّل تمييزاً عنصرياً ضد الأجانب والمسلمين». كذلك اتهم هولندا بالسعي إلى «تقليل عدد المسلمين... وهو ما يشبه تصرفات النازيين في الماضي». وكان زعيم حزب «من أجل الحرية» اليميني الهولندي خيرت فيلدرز، الذي سبق ووصف اردوغان بـ«الديكتاتور الإسلامي»، قد كتب في تغريدة: «إلى كل الأتراك في هولندا المتفقين مع إردوغان: اذهبوا إلى تركيا ولا تعودوا أبداً».
من جهتها، أرجعت هولندا سحب تصريح هبوط الطائرة إلى «أسباب أمنية»، في حين قال روته إن القرار جاء ردّاً على جاويش أوغلو الذي تحدّى، صباح أول من أمس، الحكومة الهولندية وهدّد باتخاذ «عقوبات اقتصادية وسياسية شديدة» ضدها في حال منعه من حضور التجمّع على أراضيها. وأكّد رئيس الوزراء أن «من غير الوارد، بل مستحيل، أن أقوم بتقديم أي اعتذار»، مشيراً إلى أن «تركيا حليفتنا في حلف شمالي الأطلسي، ولكن لا يمكننا القبول بلغة الابتزاز والتهديد». واتهم روته تركيا بالتعامل مع الهولنديين من أصول تركية (نحو 400 ألف) على أنهم مواطنون في بلادها، واصفاً تصريحات اردوغان التي اتهم فيها هولندا بـ«النازية» بـ«الغريبة».
وفي ما يخص وزيرة الأسرة والشؤون الاجتماعية التركية، أكّد روته ما أعلنته السلطات الهولندية في بيان قالت فيه: «قلنا وكررنا إن قايا شخص غير مرحب فيه في هولندا... ومع ذلك، فإنها قررت السفر وتصرفت بطريقة غير مسؤولة».
وصباح أمس، تجمع المواطنون الأتراك أمام مبنى القنصلية الهولندية ورددوا هتافات مناهضة لـ«العنصرية الهولندية». وبينما كان المتظاهرون يرفعون العلم التركي على المبنى في اسطنبول، كشفت قايا، في مؤتمر صحافي عقدته في مطار أتاتورك في إسطنبول فور وصولها من ألمانيا، عن تعرضها والوفد المرافق لها لمعاملة «فظة وقاسية في البلد الذي يتحدث عن الديموقراطية وحرية التعبير». وقالت الوزيرة إن الشرطة الهولندية تعاملت مع المحتجين الأتراك في روتردام بطريقة «غير إنسانية ولا أخلاقية»، وكذلك مع الصحافيين، إذ «قامت بجرهم على الأرض».
ووفق وسائل الإعلام التركية، فرّقت الشرطة الهولندية بـ«القوة» تظاهرة مؤيدة لأنقرة في روتردام، فجر أمس، ما أدّى إلى جرح سبعة أشخاص على الأقل. واتهمت التقارير الصحافية الشرطة باستخدام «العنف» والسماح للكلاب البوليسية «الشرسة» بمهاجمة المحتجين الذين رفعوا الأعلام التركية أمام القنصلية التركية «قبل تفريقهم بخراطيم المياه من قبل عناصر في الشرطة يمتطون خيولاً».
من جهتها، قالت المتحدثة باسم الشرطة الهولندية، باتريشيا فيسيلز، إن المحتجين عمدوا الى «رمي الحجارة أولاً»، مشيرة إلى توقيف 12 منهم بتهمة «عدم الانصياع لأوامر الشرطة».




المرشحون الفرنسيون على «الموجة الأوروبية»

هاجم المرشحون للانتخابات الرئاسية الفرنسية، أمس، باريس لموافقتها على زيارة وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، أراضيها للمشاركة في تجمع في مدينة ميتز، يهدف إلى تشجيع المواطنين الأتراك على المشاركة في استفتاء حول تعزيز صلاحيات الرئيس رجب طيب اردوغان.
وتساءلت مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبن، في تغريدة: «لماذا علينا أن نتسامح على أرضنا مع أقوال ترفضها ديموقراطيات أخرى؟ لا نريد حملات انتخابية تركية في فرنسا». فيما اتهم مرشح اليمين فرنسوا فيون، الرئيس الاشتراكي فرنسوا هولاند، بـ«الابتعاد بشكل فاضح عن التضامن الأوروبي»، بعدما ألغت عواصم أوروبية عدّة تجمعات تركية مماثلة على أراضيها في الأيام الماضية. من جهته، وصف المرشح الوسطي، إيمانويل ماكرون، تصريحات اردوغان بـ«غير المقبولة»، مشدداً على ضرورة «رفض فرنسا أي هجوم على ديموقراطيتنا أو على حلفائنا وقيمنا».




راسموسن يدعو يلدريم إلى إرجاء زيارته للدنمارك

اقترح رئيس الوزراء الدنماركي لارس لوك راسموسن، أمس، على نظيره التركي، بن علي يلدريم، إرجاء زيارته المقررة للدنمارك نهاية الشهر الحالي، بسبب التصعيد بين أنقرة وهولندا.
وقال راسموسن إن «زيارة مماثلة لا يمكن أن تتم من دون التطرق إلى الهجوم التركي الراهن على هولندا»، مشيراً إلى أنه «في الأوقات الطبيعية، سيكون من دواعي سروري أن أستقبل رئيس الوزراء بن علي يلدريم الذي أجريت معه حواراً صريحاً وبنّاءً في العاشر من كانون الأول في أنقرة». وأوضح راسموسن أنه لا يريد أن تُفهم زيارة يلدريم على أنها دليل على موافقة الدنمارك على السياسة في تركيا، مؤكداً أن بلاده «تنظر بقلق بالغ إلى تطور الأمور في تركيا، حيث تتعرض المبادئ الديموقراطية لضغوط كبيرة». وكان يلدريم قد شدّد على أن هولندا «ستدفع الثمن باهظاً»، معتبراً أن «الأصدقاء الأوروبيين المزعومين الذين يتحدثون عن حقوق الإنسان فشلوا في امتحان الديموقراطية».
بدوره، أعرب وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون، عن أسفه حيال التوتر الذي تشهده العلاقات بين تركيا وهولندا، وقال إن «تركيا وهولندا حليفتان مقربتان من بريطانيا».
(الأخبار)