أربع إشكاليّات رقابيّة، توالت في الأيام الأولى من «أيام بيروت السينمائية 2017». الروائي الطويل «بيت البحر» لروي ديب، لم يحصل على إذن رقابي، لعرضه في الموعد المحدّد مساء الخميس الفائت. تمّ تأجيل العرض إلى وقت، لم يُحدّد حتى لحظة كتابة هذه السطور. «الأخبار» علمت أنّ الموضوع أصبح عند وزير الداخليّة نهاد المشنوق، وأنّ إدارة المهرجان تتواصل مع أحد مستشاريه، من أجل السماح بعرض الشريط.
«بيت البحر» هو الروائي الطويل الأوّل لروي ديب (1983). يلحق أربعة أصدقاء إلى سهرة في بيت بحري لعائلة أحدهم. على العشاء، تبوح النفوس بما يثقلها حول هويّاتها. من المرجّح أنّ الحديث عن المثليّة الجنسيّة في لبنان، لم يرق إلى الأمن العام. السينمائي التونسي علاء الدين سليم، تضامن مع زميله اللبناني، فأهداه عرض فيلمه «آخر واحد فينا» (راجع المقال أدنه)، الذي تمّ في اليوم نفسه.
صفحة الفيلم على الفايسبوك أصدرت توضيحاً، بيّنت فيه أنّ «الرقيب قرّر المماطلة بمنح الفيلم إجازة عرض تجاريّة، أو حتى إجازة عرض خاصة بالمهرجان، خلال الموعد المحدد للعرض من قبل المهرجان (...) لم تصدر حتى الآن إجازة عرض أو حتى قرار منع للفيلم من قبل قسم الرقابة، لكننا ما زلنا بانتظار القرار الرسميّ حتى الآن، إذ إن مهرجان «أيام بيروت السينمائية» يقفل عروضه يوم الجمعة ٢٤ آذار، وما زالت الفرصة سانحة أمام الرقيب لمنح فيلم «بيت البحر»، وبحدّ أدنى، إجازة عرض خاصة بالمهرجان». التوضيح أضاف: «على أمل ألا يسجّل التاريخ أن مديريّة الأمن العام اللبناني قامت بمنع عرض فيلم لبنانيّ على الأراضي اللبنانيّة بعد عرضه أولاً في «مهرجان قرطاج السينمائي» في تونس، وحيث نال جائزة تنويه من قبل «شبكة الشاشات العربية البديلة – ناس» (...) ويجرى العمل حالياً على تنسيق عروض مستقبليّة للفيلم في صالات عربيّة في كل من مصر وفلسطين».

منع «تصريح» لغنى عبود
بدعوى إساءته للجيش


البيان أوضح أنّ مخرج ومنتج الفيلم روي ديب، «أصرّ على تقديم الفيلم ضمن صالة سينمائية لبنانيّة، وليس على أيّ أرض أجنبيّة في لبنان حيث يمكن تفادي الرقيب»، مؤكّداً أنّه يتشبّث «بحقّ أيّ فيلم لبنانيّ أنّ يقدَّم في الصالات السينمائية في لبنان، عوضاً أن يجول فقط في مهرجانات وصالات عربيّة وعالميّة. ولا بدّ من أن نصل إلى يوم قريب يكتفي فيه الرقيب فقط بتحديد الفئات العمريّة، التي يُسمح لها بمشاهدة أيّ عمل فنيّ، لحماية الفئات العمريّة ما دون ١٨ سنة، ومحافظاً على حقّ الجمهور الراشد بمشاهدة الأعمال الفنيّة، من دون الانتقاص من حقّه ومقدرته على فهم وتحليل ومناقشة ما يشاهده».
الحال المعلّق ينسحب على الروائي المصري الطويل «مولانا» (إخراج وسيناريو: مجدي أحمد علي، عن رواية بالاسم نفسه لإبراهيم عيسى الذي كتب الحوار، توزيع Cedars Art Production «صادق الصباح»)، المبرمج في اليوم الأخير من المهرجان (24 آذار/ مارس الجاري). دار الفتوى اللبنانية كانت قد تحفّظت على الشريط، بسبب «استهزائه برجال الدين، واحتوائه على مشاهد قد تؤدي إلى إثارة النعرات الطائفية» (الأخبار 2/2/2017)، قبل أن تقرّر الرقابة اقتطاع حوالى 12 دقيقة من الشريط لإجازة توزيعه في الصالات اللبنانيّة (الأخبار 6/2/2017). إدارة «أيّام بيروت السينمائية» تحاول عرض الشريط كاملاً من دون اقتطاع، على اعتبار أنّه سيتم في حدث ثقافي، وليس ضمن عروض تجاريّة. أيضاً، لا قرار حاسماً حتى الآن.
الأفلام القصيرة نالت حصّتها الرقابيّة أيضاً. مديرية التوجيه في الجيش اللبناني منعت عرض «تصريح» لغنى عبود. السبب هو حوار يدور بين شخصية يلعبها غابريال يمين وجندي لبناني على حاجز عند الشريط الحدودي مع الأراضي المحتلّة. الرجل يرافق لاجئة فلسطينيّة تدعى «ميرا»، تحاول العودة إلى فلسطين، مستغلّة السماح بذلك لمن ينوي اعتناق الرهبنة في الأراضي المقدّسة. يقول الرجل للجندي إنّ ميرا «نادرة لمار الياس»، فيسأله هذا الأخير: «مار الياس تبع الروم ولا تبع الشيعة؟». مديرية التوجيه رأت في المشهد إساءةً لمؤسسة الجيش وصورة الجندي اللبناني، المترفّع عن الطائفيّة والمذهبيّة، فقرّرت منع عرض الشريط. في السياق، أجازت الرقابة عرض «صبمارين» لمونيا عقل لمرّة واحدة فقط مساء الجمعة الفائت. الشريط رأى النور في «مهرجان كان السينمائي 2016» ضمن مسابقة «سينيفونداسيون»، ونال جائزة لجنة التحكيم ضمن مسابقة «المهر القصير»، في «مهرجان دبي السينمائي الدولي 2016». شارك في أكثر من 10 مهرجانات دولية، منها تورونتو ومونبلييه ونيوأورليانز وهامبتنز. يتخذ من أزمة النفايات المرعبة في لبنان، مدخلاً لطرح أسئلة شائكة، وأفلمة هواجس فرد وهوية وانتماء. يلمّح إلى اهتراء النظام اللبناني برمّته، والحلم بإسقاطه، في مكان خانق للحب والأمل. الرقابة ارتأت أنّ المدينة المغطّاة بالأوساخ ليست بيروت الحقيقيّة، فلم تقم بإجازته سوى لمرّة واحدة، لتضييق نطاق العرض والانتشار المحلي ما أمكن.

* «أيام بيروت السينمائية 2017»: حتى 24 آذار (مارس) ـــ «متروبوليس أمبير صوفيل» وفضاءات أخرى في بيروت ـ للاستعلام:
ayambeirut.wordpress.com/programme