ليل الخميس ــ الجمعة، 2 ــ 3 شباط الماضي، لم يستطِع الرئيس الأميركي دونالد ترامب النوم. كانت إيران تشغل باله. لقد أجرت قبل ذلك بأيام قليلة، تجارب على صواريخ بالستية أثارت «حفيظته» وغضب إدارته، ما دفع مستشاره للأمن القومي مايكل فلين، في الأول من شباط، إلى إطلاق تحذير لها. لاقى ذلك التحذير إشادة من ترامب، ولكنه لم يكن كافياً لأن يعبّر عن مدى انزعاجه من فكرة أنَّ إيران لا تأخذ تهديدات واشنطن بالاعتبار.
حينها، لمعت الفكرة برأسه، فواجه «الخطر الإيراني المُحدق» بتغريدة عبر موقع «تويتر»، عند ساعات الفجر من يوم الجمعة، هدّدها فيها بأنها «تلعب بالنار»، وأنها «لا تقدّر مدى لطف الرئيس باراك أوباما»، قائلاً: «أنا لست كذلك».
ربما عاد ترامب إلى النوم بعدها. ويمكن مَن يراقب تصرّفاته، أن يتوقّع محاربته على مدى ساعات النهار «الطويلة»، لهاجس واحد طغى على تفكيره، محوره التشفي من طهران، ليتبلور في وقت لاحق من ذلك اليوم، على شكل عقوبات جديدة استهدفت 25 فرداً وكياناً إيرانياً. ثمّ، أعقب فلين (استقال في 13 شباط) قرار العقوبات، ببيان أكد فيه أنَّ «المجتمع الدولي كان متسامحاً مع السلوك الإيراني السيئ». وقال إن إدارة ترامب «لن تتحمّل استفزازات طهران التي تهدد مصالحنا».
ظهرت إجراءات ترامب وتغريدته، مع ما رافقها من بيانات صادرة عن فلين، كدلالة على النزعة المستحدثة لدى الرئيس الأميركي، ومثّلت بداية لما يمكن تلخيصه بمحور واحد، هو الهوس بـ»إيران». انفتحت، بعدها، إدارة ترامب على التهديد الجديد، وصبّت كل اهتمامها عليه، حتى وصل الأمر بقائد القيادة المركزية الأميركية جوزيف فوتيل، إلى إخبار لجنة الخدمات المسلّحة في مجلس الشيوخ، في التاسع من آذار، أن إيران تشكّل أكبر تهديد على المدى البعيد لاستقرار الشرق الأوسط.

وجد ترامب أنه لا يمكنه أن يفي بوعوده ربطاً بالاتفاق النووي


وبالالتفات إلى تصريح فوتيل، تحديداً، يمكن الجزم بمكان إيران المتقدّم في سياسة ترامب الخارجية، على الرغم من الحيرة التي لا يزال يواجهها عدد كبير من المراقبين عند التطرّق إلى مقاربة ترامب للخارج، بشكل عام. فمنذ دخوله إلى البيت الأبيض، في 20 كانون الثاني الماضي، عالج الرئيس الأميركي الكثير من المسائل بأسلوب مخالف لخطابه الانتخابي، فيما بقيت إيران الثابت الوحيد. ولكن في هذه المعادلة، برز ما هو خاضع للمواربة، أي تصريحاته المتعلّقة بالاتفاق النووي، الذي طالما وصفه بـ«الكارثي»، في خلال حملته الانتخابية، ووصل به الأمر إلى الإعلان أنَّ «الأولوية لديه هي تفكيكه»، وذلك في خطاب أمام مؤتمر «أيباك» الذي عقده اللوبي الإسرائيلي في واشنطن، في آذار 2016.
مع تقدّم الوقت، وجد ترامب أنه لا يمكنه أن يفي بوعوده، على هذا الصعيد، بل أفادت تقارير إخبارية بأن «مسؤولين أميركيين كباراً طمأنوا الاتحاد الأوروبي بشأن التزام إدارته تطبيق الاتفاق النووي». كذلك أكدت الإدارة الأميركية أنها ستواصل منح التصاريح لشركات مثل «بوينغ»، كي تتمكن من مواصلة صفقاتها التجارية، التي وقعتها مع إيران.
ولعلّ الأكثر تعبيراً عن المعضلة التي يواجهها ترامب، هو ما يشير إليه الدبلوماسي والمفاوض الإيراني السابق حسين موسويان، الذي يؤكد أن ترامب «سيضيف المزيد من العقوبات، مستغلاً مظلة حقوق الإنسان والإرهاب من أجل عرقلة علاقة طهران الاقتصادية مع الغرب ومع العالم، دون أن ينتهك الاتفاق النووي مباشرةً». موسويان، يلفت في حديث مع «الأخبار»، على هامش مشاركته في إحدى الفعاليات التي استضافها «معهد عصام فارس» الأسبوع الماضي، إلى أنَّ «هذه أسسس استراتيجية ترامب، حالياً»، معرباً عن اعتقاده بأنه «لن ينجح فيها، لأن أوروبا والصين وروسيا ودول عدم الانحياز، أي 120 دولة، كلها مقتنعة بأنَّ هذا أفضل اتفاق نووي يمكن التوصل إليه في التاريخ»، بالاستناد إلى التعاون الذي أبدته طهران في سياقه.
وبما أنَّ ما بيد ترامب وإدارته حيلة في ما يتعلق بالاتفاق النووي، يتسابق مشرّعو الكونغرس من كلا الحزبين، إلى إقرار مسودة قانون عقوبات جديدة على إيران، «لا تتعارض مع الاتفاق»، وذلك قبل انعقاد مؤتمر «آيباك» لهذا العام ــ من الـ 26 من آذار إلى الـ 28 منه ــ وفق ما يشير إليه جوليان بيكيه، في موقع «المونيتور».
مع ذلك، يرى البعض في تصرّفات ترامب البعيدة عن الاتفاق النووي، «إيماءات تصالحية تبدي رغبته في إعطاء الأولوية للصفقات التجارية، بدل الدخول في مواجهة مع إيران»، وهو ما تطرّق إليه حسن داعي، في تقرير على موقع «ذا هيل» الأميركي. وقد يكون ذلك صحيحاً بالنظر إلى أن ترامب طالما تحدّث عن المال والثراء الأميركيين، وغيرهما من «المبادئ» التي أدت إلى انتخابه. ولكن من وجهة نظر أميركية، أيضاً، يبقى «هناك تناقض بين رغبة ترامب في القيام بالتجارة، والحاجة لمواجهة نشاطات إيران الخبيثة»، وهي نظرية ينقلها داعي عن الخبير السياسي روول مارك غيريث.
عموماً، لن تُغلق السبل أمام ترامب. وعندما يتعلّق الأمر بإيران، هناك دائماً جوانب أخرى للتعامل معها، ترضي مختلف الأطراف الفاعلة في السياسة الأميركية، داخلياً وخارجياً. وبناءً على التطورات القليلة التي حصلت، في خلال الشهرين الماضيين، يمكن تلخيص مقاربة ترامب لإيران، بثلاثة أسس أشار إليها الخبير المختص بشؤون الأمن القومي مايكل سينغ، في «معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى»، وهي: تنفيذ وتعزيز الاتفاق النووي، ومكافحة أنشطة إيران الإقليمية، وتقوية حلفاء واشنطن في المنطقة.

مهّد ريكس
تيلرسون لزيارة عادل الجبير إلى بغداد

ترامب يسير وفق هذه التوصيات، ففي الوقت الذي بدأت فيه إدارته بإطلاق تهديداتها ضد إيران على خلفية التجارب البالستية، سعت إلى إصلاح علاقتها مع حلفائها التقليديين في المنطقة، وعلى رأسهم إسرائيل والسعودية.
بدأ الأمر في اليمن، حيث راحت الولايات المتحدة تكثّف تدخّلها وعملياتها، في إطار دعمها للعدوان السعودي. ولاقى هذا التطوّر انتقادات كثيرة في الداخل الأميركي. حتى أن دانيال لاريسون ربط دعم الحرب على اليمن بـ»هوس ترامب بإيران». وفي مقال نشره على موقع The American Conservative، أذعن لفكرة أن ترامب تلقى نصحاً سيئاً في ما يتعلق بهذه المسألة، ولكنه رأى أنَّ المشكلة الأكبر هي أنه «قبل رؤية خاطئة وخطيرة للصراع، تجعله يظن أنه يؤذي إيران، بمساعدة التحالف الذي تقوده السعودية في حربها على اليمن».
وجهة نظر الأستاذ في جامعة «برينستون» حسين موسويان، ليست مختلفة كثيراً عن رأي لاريسون. وبنظرة أكثر شمولية، يؤكد موسويان أنَّ ترامب «سيفعل أي شيء من أجل التراجع عن سياسة أوباما تجاه إيران». إلا أنه يشير إلى أنَّ ترامب سيكون أمام خيارين: الأول فهم حقيقة أنَّ السلام والاستقرار في المنطقة لا يمكن أن يتم من دون إيران. أما الخيار الثاني، فهو أن تقف الولايات المتحدة بجانب إسرائيل ودول مجلس التعاون الخليجي ــ والسعودية تحديداً ــ لمحاربة إيران، وهو ما يقوم به ترامب، حالياً. موسويان يؤكد أنَّ هذا الخيار أثبت فشله، منذ عام 1979 إلى عام 2013. ولكنه يبدي اعتقاداً آخر مفاده أنّ «الولايات المتحدة وعدت بتحجيم نفوذ إيران وقوتها الإقليمية». والأهم بحسبه، هو أن «ترامب سيتمكن في النهاية من الحصول على بضعة مليارات الدولارات من احتياط دول مجلس التعاون الخليجي، وهذا ما يهمّه... إنه المال».
في غضون ذلك، واصلت المؤشرات على تحسّن علاقة واشنطن بحلفائها، بالارتفاع. وقد ظهر الأمر جلياً في اللقاء الذي جمع ترامب مع رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، وأيضاً في اللقاء مع ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان. تمحورت البيانات الصادرة عن هذه اللقاءات حول مواجهة «التهديد الإيراني في المنطقة». وانعكست رضىً لدى الحلفاء، الذين كانوا قد استبشروا خيراً بوصول ترامب إلى السلطة، لمجرّد أن حملته الانتخابية بُنيت في جزء كبير منها على مهاجمة إيران.
أما في العراق بالذات، فقد كانت الإدارة الأميركية قد بدأت عملها بالفعل. ويبدو اهتمام ترامب واضحاً بالإبقاء على حضوره السلس في هذا البلد، من خلال إزالته عن لائحة الدول التي حظّر على مواطنيها الدخول إلى الولايات المتحدة. يومها، أفاد بيان صادر عن البيت الأبيض بأنَّ السبب وراء هذه «اللفتة»، هو أنَّ بغداد حليفة لواشنطن في محاربة الإرهاب. إلا أنَّ البعض ربط المسألة بأهمية الحفاظ على علاقة جيدة مع العراق في مواجهة إيران. وقد توازى ذلك مع ما أوردته صحيفة «نيويورك تايمز» عن أنَّ وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون، هو من مهّد وأعدّ لأول زيارة قام بها الوزير السعودي عادل الجبير، للعراق، بعد أكثر من ربع قرن على انقطاع العلاقة بين البلدين. تيلرسون رمى عصفورين بحجر، مانحاً السعودية اهتماماً خاصاً بتحصين حضورها الدبلوماسي في العراق، وبالتالي معززاً نفوذ واشنطن هناك، في وجه طهران. وانعكست خطوته هذه، وقبلها لفتة البيت الأبيض، في لقاء ترامب مع رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، أول من أمس، عندما قال هذا الأخير إنّه يرى فرصة لتحسن محتمل في العلاقات مع السعودية، موجّهاً الشكر إلى الرئيس الأميركي لرفعه العراق من أمر حظر السفر على مواطني عدة دول ذات أغلبية مسلمة.
خلال اللقاء أيضاً، ظهر جلياً هوس ترامب بإيران، وربما انطلاقاً من نقص إلمامه بسياستها في العراق، أشار إلى الاتفاق النووي، متسائلاً: «ماذا كان يفكر أوباما عندما وقّعه؟»، ليعقب على ذلك بتأكيده أنه «لم يكن ينبغي أن نرحل (من العراق)، رحيلنا خلف فراغاً».




دنيس روس: يجب ابتعاد روسيا عن إيران في سوريا

لا تزال مقاربة الرئيس الأميركي للأزمة السورية، غير واضحة. ولكن في غضون ذلك، هناك من يرى أنه في حال حصول تعاون مع الروس في سوريا، يجب أن يكون ذلك قائماً على ابتعاد روسيا عن إيران.
ومن بين هؤلاء، الدبلوماسي الأميركي السابق دنيس روس، الذي يقول في تقرير في «معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى»، إنه «بينما تنظر إدارة ترامب في ما إذا كانت ستتعاون عسكرياً مع روسيا في سوريا، فإن هناك اختباراً أكثر أهمية يمكن من خلاله الحُكم على ذلك، هو وقف تعزيز سلطة الإيرانيين والميليشيات الشيعية التي تعمل عنهم بالوكالة». ويرى روس أنَّ «توسيع نطاق النفوذ الإيراني ووجوده، يحوّلان كفة ميزان القوى في المنطقة ضد الشركاء العرب للولايات المتحدة»، معتبراً أن ذلك «جعل من الصعب كسب تأييد السنّة داخل سوريا وخارجها».
بالتالي، يشير الدبلوماسي الأميركي السابق إلى أنَّ «مفتاح أي تعاون مع الروس في سوريا يجب أن يكون قائماً على أن يكون بوتين قد برهن أنه يدرك ما تفعله إيران في المنطقة، وأنه مستعد للانضمام إلى الولايات المتحدة في سعيها إلى التصدي لطهران».
من جهة أخرى، يرى روس أنه «إذا فشل الروس في الاختبارات، وإذا ما قررت الإدارة الأميركية تركيز النسبة الكبرى من اهتمامها على تنظيم داعش، وليس على نظام (الرئيس السوري بشار) الأسد، يجب على سياستها أن تأخذ في الاعتبار عاملاً آخر»، مشيراً في هذا السياق إلى أنَّ «وجود كل من إيران وحزب الله في سوريا سيستمر لفترة طويلة».
(الأخبار)