يبدو أن النفط والغاز، اللذين يُرجّح وجودهما بكميات تجارية كبيرة في المنطقة الاقتصادية اللبنانية التي تدّعي إسرائيل حقاً فيها، لم يعودا عملياً في متناول اللبنانيين، تماماً كما لم يعودا في متناول الإسرائيليين.
هذه هي النتيجة المباشرة لـ«رسالة الاحتجاج» التي أودعتها إسرائيل لدى الأمم المتحدة، والتي تكاد تنهي فعلياً توجه أي من الشركات الدولية للاستثمار في ثلاثة بلوكات (8 و9 و10) محاذية للمنطقة الاقتصادية الخاصة بإسرائيل، وأبقتها معلقة.
ولكن، هل الغاية الإسرائيلية هي تبادل منع الاستثمار وحسب، أم أن هناك غايات أخرى؟
تأكيد مصادر رسمية لبنانية رفيعة لـ «الأخبار» أن الخطوة الإسرائيلية «لا تقدّم ولا تؤخر، وهي مجرد حبر على ورق»، لا يخلو من الصحة. إذ أن الإجراء التشريعي في الكنيست، على فرض تحققه، لن يفضي بالضرورة إلى التنقيب الإسرائيلي عن الغاز في البلوكات اللبنانية. إلا أن القصة لا تنتهي هنا.
في الأساس، تعد المقاربة الإسرائيلية الحالية لمسألة «المنطقة المتنازع عليها» مغايرة تماماً لطبيعة تعاطي العدو تاريخياً في فرض أطماعه. ففي العادة، تقرّر إسرائيل مصالحها وتفرضها بالقوة، أو التهويل بها في حدّ أدنى، سواء وافق ذلك الحق والقانون الدولي أم تعارض معهما... وعلى الجانب الآخر أن يعترض ويلجأ إلى الشكوى.
لكن ما حدث مع لبنان مغاير. الواضح أن إسرائيل لا ترتدع وحسب عن فرض إرادتها، بل تخشى من التلويح بفرضها بالقوة. فهي تدرك، كما يبدو من مواقفها وأفعالها، أن أيّ تصعيد كلامي من جانبها يتضمن تهديداً باستخدام القوة وأيّ رد من المقاومة، سيؤثران سلباً في مجمل عمليات التنقيب والاستخراج التي تقوم بها، ولن تنحصر السلبيات فقط في المنطقة المتنازع عليها، رغم الأهمية القصوى لهذه المنطقة، إذ تشير التقديرات الإسرائيلية إلى أن «البلوك 9» وحده، يحتوي على احتياطي غاز لا يقلّ عن 7 تريليونات قدم مكعبة (صحيفة «غلوبس» الاقتصادية الإسرائيلية 22/04/2014).
التحذيرات اللبنانية الصادرة عن المسؤولين والخبراء اللبنانيين، وتحديداً رئيس مجلس النواب نبيه بري، من إقدام إسرائيل على «شفط» النفط والغاز اللبنانيين، هو واقع أقرت به إسرائيل بصورة غير مباشرة في معرض منعها الشركتين صاحبتي امتياز التنقيب واستخراج الغاز من حقل ألون د، الواقع جنوب البلوك 9 اللبناني، من مباشرة التنقيب.
في هذا الإطار، كشفت صحيفة «يديعوت أحرونوت» (15/08/2016) أن شركتي «نوبل انرجي» الأميركية و«دليلك» الإسرائيلية طلبتا من السلطات الإسرائيلية إذناً بالتنقيب في المنطقة المتنازع عليها، إلا أن الرفض جاء سريعاً، خشية «تداعيات أمنية» مع الجانب اللبناني. وأضافت أن الشركتين طلبتا لاحقاً البدء بالتنقيب في الحقول المتاخمة للمنطقة محل التنازع (حقول ألون أ ــــ ب ــــ ج ــــ د ــــ هـ ــــ و)، لكن الرد جاء أيضاً بالرفض، وتحديداً في ما يتعلق بحقل «الون د»، بسبب المخاوف من أن يؤدي العثور على الغاز فيه إلى إشعال صراع والتصعيد مع اللبنانيين.
وكشف التقرير أن «الاختبارات الزلزالية أظهرت وجود طبقة جيولوجية تحت الأرض تبدو واعدة ويمكن أن تحتوي على حوض كبير من الغاز». ولفتت إلى أن «الخرائط الزلزالية تشير إلى أن جزءاً كبيراً من هذه الطبقة موجود في الأراضي اللبنانية. وعندما طلبت الشركتان التنقيب هناك، قيل لهما إن هذا لن يحدث قريباً، رغم وجود احتمال بأن يقوم اللبنانيون بالتنقيب أولاً من جانبهم، ويحاولون تخصيص كل الغاز لهم».
هذه المعطيات تكشف نوعين مترابطين من الأطماع الإسرائيلية: أطماع في الاحتياطي الغازي الضخم في المنطقة محل «التنازع» التي تريد أن تتقاسمها مع لبنان، وأطماع في الاستئثار الكامل بالاحتياطي (الضخم أيضاً) المتداخل بين المنطقة الاقتصادية «الخاصة بإسرائيل» (حقول ألون الواقعة خارج منطقة التنازع كما تقول إسرائيل) والمنطقة اللبنانية.

تتحاشى إسرائيل اللجوء إلى التحكيم الدولي لأنه لا يضمن تحقيق أطماعها بالغاز اللبناني



لتحقيق ذلك، عمدت إسرائيل أولاً إلى إبقاء الصوت منخفضاً، من دون تصريحات ومواقف تهديدية، وأيضاً من دون أفعال على الأرض لفرض حقائق كانت ستجرّ تصريحات ومواقف وأفعالاً مقابلة من الجانب اللبناني، وتحديداً من قبل المقاومة. علماً أن إحدى التداعيات السلبية لأي تهديد باستخدام القوة العسكرية من المقاومة كرد على قضم أو محاولة قضم إسرائيلية، سيرفع قيمة التأمين الدولي على عمليات الحفر والتنقيب إلى أحجام خيالية، ما يفقد الجدوى الاقتصادية من التنقيب.
وامتنعت إسرائيل، ثانياً، عن سنّ قانون لتحديد المنطقة الاقتصادية البحرية الخاصة بها، رغم أنها تحدثت مراراً عن مسار تشريعي، سواء في الحكومة أو الكنيست. حدث ذلك عام 2011، وفي 2013، وتكرر عام 2017. ويتبين من المتابعة أن هذه الإجراءات، تهدف إلى الضغط على لبنان للمبادرة إلى «حلّ وسط» هو بطبيعته ملغوم، وكرد فعل على فعل تشريعي عمد إليه لبنان، أو نتيجة مسار منح تراخيص لشركات دولية. فإسرائيل لا تريد مساراً تشريعياً للمنطقة الاقتصادية الخاصة بها ينتهي بإصدار قانون في الكنيست وإيداع التحديد لاحقاً لدى الجهات المختصة في الأمم المتحدة، لأن من شأن ذلك أن يلزمها، لاحقاً، باللجوء إلى القضاء أو التحكيم الدوليين في «نزاعها» مع لبنان، وهما مساران قضائيان قد لا يحققان أطماعها بالغاز اللبناني (الموجود في منطقة النزاع، والاحتياطي الموجود في المنطقة الإسرائيلية الذي ينجر إلى المنطقة اللبنانية).
وعمدت إسرائيل، ثالثاً، إلى توسل الجانب الأميركي كوسيط، لإيجاد تسوية ما، بعيداً عن المقاربة الأمنية أو التهديد بها، وبعيداً عن مسار تشريعي يفضي إلى اللجوء إلى القضاء أو التحكيم الدوليين. الزيارات المكوكية للوفود الأميركية، بحثاً عن «حل تسووي»، لم تأت فقط بناء على تلبية مصالح إسرائيلية، بل أيضاً على مصالح أميركية دفعت واشنطن إلى التدخل، على خلفية مصالح شركة اكسون موبايل (التي كان يديرها وزير الخارجية الأميركي الحالي، ريكس تيلرسون) باعتبارها الجهة التي سيتوافق عليها الجانبان، لتنفيذ التسوية، وإيكالها التنقيب واستخراج الغاز لحسابهما.
عمدت الإدارة الأميركية السابقة إلى إيجاد تسوية، مدفوعة بمصالح «اسكون موبايل»، منها ما رفضها لبنان ومنها ما رفضته إسرائيل، ومن بينها اعتماد الخط الأزرق البري، وسحبه باتجاه البحر، كخط فاصل للمنطقتين الاقتصاديتين. العرض بحسب صحيفة «غلوبس» العبرية، (22/04/2014) قدم إلى الجانبين في تشرين الثاني 2013، وقوبل بتجاوب لبناني مع طلب تعديلات طفيفة، فيما قوبل برفض إسرائيلي. وبحسب تل أبيب، الخط الأزرق لا يغير كثيراً من الخط المعتمد لدى لبنان، ويحرفه قليلاً، ما يبقي «المشكلة على حالها».
في حينه، أيضاً كما هي الحال الآن، هددت إسرائيل بإصدار قانون تحديد المنطقة الخاصة بها. وأعلنت وزارة القضاء الإسرائيلية (20/12/2013)، عن مشروع قانون بشأن حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة، بصورة أحادية الجانب. وذكرت صحيفة «يديعوت احرونوت» أن «القرار يأتي في سياق الضغط على لبنان والولايات المتحدة، ويهدف إلى الدفع باتجاه تسوية رابحة لإسرائيل».
لكن منذ ذلك الوقت، «نام» الملف لبنانياً، و«نامت» معه التسوية الأميركية، إلى أن استيقظ لبنان أخيراً، فعادت إسرائيل إلى «الضغط»، واستئناف التهديد بإصدار قانون التحديد البحري. على ذلك، واضح جداً، أن الحركة الإسرائيلية شبيهة بأفعالها السابقة، وتهدف إلى «استدراج عروض تسوية»، وهذا ما ورد كتأكيد عليه، في رسالة الاحتجاج المرسلة إلى الأمم المتحدة، وتصريحات وزير البنى التحتية الإسرائيلي، يوفال شتاينتس، قبل أيام من أن إسرائيل «منفتحة» على الحلول.
الحقائق الواردة هنا، ومعظمها يرد من إسرائيل، تكشف حجم الأطماع ووجهتها و«قنبلة الحل الملغومة» وأساليب تحقيقها. فهل تستجيب الحكومة اللبنانية صاحبة الحق لتلبية مصالح إسرائيل عبر تسوية ملغومة، أم تمضي قدماً في تحقيق مصالحها هي؟ سؤال يفرض نفسه في بلد كلبنان، يمتهن مسؤولوه الاختلاف، على كل شيء.




ليعطونا الآبار وليأخذوا منا شيئاً من المال!

24/06/2010 «يديعوت أحرونوت»
… يقول مصدر رفيع جداً في سوق الطاقة في إسرائيل، إنه سواء كان لبنان على حق، أم لم يكن، فإن أسهل طريقة كي يكسب مالاً من احتياطات الغاز، هو توقيع معاهدة سلام مع إسرائيل… نعم إذا كان لدينا غاز هنا، فمن المرجح أن لديهم غازاً هناك. وواضح أيضاً أن رجال الأعمال الإسرائيليين والأميركيين مستعدون للبحث والتنقيب واستخراج الغاز كذلك في المياه اللبنانية.
بحسب المصدر الاقتصادي الإسرائيلي، «إذا كان اللبنانيون جادين حقاً ويريدون الاستفادة من الغاز، فبإمكانهم تمكين الشركات الإسرائيلية من البحث عن الغاز في المنطقة الاقتصادية الخاصة بهم، وإيكال عمليات التنقيب إلى إسرائيل مقابل عطاءات مالية تدفع لهم. لكن بعد دراسة هذه المسألة والمراجعة حولها، تبين أنها متعذرة، ذلك أن لبنان وإسرائيل في حالة حرب، ما يعني أن مسائل التنقيب واستخراج الغاز غير ذات صلة، وسيحتاجون إلى مدة طويلة جداً، سنوات طويلة، كي يتمكنوا من الاستفادة من احتياطي الغاز لديهم».





«ليخرس اللبنانيون»

إحدى أهم الحجج المعتمدة لدى تل أبيب، في إثبات «الحق الإسرائيلي» في المنطقة «المتنازع» عليها مع لبنان، هي حماقة أو خطأ أو خطيئة أو تفريط حكومة الرئيس السابق، فؤاد السنيورة بحدود المنطقة الاقتصادية الخاصة بلبنان. عام 2007، فاوضت حكومة السنيورة الحكومة القبرصية، على ترسيم الحدود البحرية بين الجانبين، ووافقت على خط حدودي، جنوبي، يفرّط بمساحة واسعة جداً من المنطقة الاقتصادية الخاصة بلبنان، تزيد في مساحتها، عن المنطقة البحرية التي تطالب بها إسرائيل. وتعتمد إسرائيل هذا التفريط، كإثبات، على «الحق الإسرائيلي»، في أي مقاربة للنزاع البحري مع لبنان.
كمثال على ذلك، قال رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، بعد إقرار خط الحدود البحرية للمنطقة الاقتصادية لإسرائيل عام 2011، (التي تعود الآن لإقراره من جديد!)، إن «الخط الحدودي البحري الذي أودعه لبنان لدى الأمم المتحدة، يتعارض مع الخط الذي توافقت عليه إسرائيل وأبرمته مع قبرص، والأهم من ذلك كله، أنه يتعارض مع الخط الذي حدده لبنان بنفسه، عام 2007، في اتفاقية ترسيم الحدود مع الجانب القبرصي».
في ذلك، أيضاً، للدلالة على حجم الخطيئة، كتبت «يديعوت أحرونوت»، تحت عنوان «ليخرس اللبنانيون»، (10/12/2012) أن «ادعاء لبنان بسرقة إسرائيل أجزاء من حقول الغاز اللبنانية في المتوسط، هو محض افتراء»، مشيرة إلى أن «الخرائط التي رسموها بأنفسهم مع القبارصة، تظهر أن إسرائيل لم تستول على أي منطقة بحرية لبنانية، بل إنها تنازلت لهم عن منطقة بحرية كبيرة، قياساً بالخط الحدودي الذي أقروه مع قبرص»، وبحسب الصحيفة «على اللبنانيين أن يخرسوا، لأنهم قد يربحون من جراء صمتهم من الوضع، كما هو عليه حالياً».