البحر الميت | شجيرات قليلة تتناثر في أرض قاحلة. على الطريق المؤدية إلى مكان انعقاد القمة العربية في البحر الميت في الأردن، يجلس مراهقٌ وحيداً تحت شجرة، شارداً في الأفق. المشهد يُمكن عكسه على الواقع الذي وصلت إليه البلدان العربية؛ زعماء ورؤساء يجلسون ويفكرون، ويشغلون الناس والإعلام في قمّة بات يُمكن توقّع بياناتها مُسبقاً. فالقابض على «الروح العربية»، يُسيطر على مواقف دولها. وهو ليس إلا المملكة العربية السعودية، التي تسعى عند كلّ محطة إلى تثبيت نفسها «الرئيس الأعلى» في نادٍ يضم ٢٢ رئيساً.
يكفي أن يُنظم عرض عسكري في عمان أمس، يشهد عليه الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز (يرأس وفداً سعودياً يضم قرابة ١٠٠٠ شخص)، وينبري خلاله «مدّاحو البلاط» لإلقاء القصائد التي تضمنت رسالتين: إدانة الخوارج الذين يقتلون الأبرياء، وتأكيد أنّ السعوديين والهاشميين يُدافعون عن «السُنّة» في العالم العربي.
إلا أنّ «الخرق» الوحيد الذي يُمكن تسجيله، قبل جلسة القمة العربية، هو حضور لبنان «القوي»، وذلك بعد فراغ دام لسنوات طويلة، تعود إلى ما قبل الشغور الرئاسي عام ٢٠١٤. انتهى زمن أن ينتظر لبنان على أبواب الحكام العرب، ليتكرّموا عليه بلقاء، يُخصّص القسم الأكبر منه لتوجيه الإملاءات. وعوض أن يسعى السياسيون اللبنانيون إلى طلب مناقشة الدول العربية في التطورات السياسية إقليمياً كونها تتقاطع مع لبنان، فرض هذا الأخير نفسه على أجندات عمل الحكام العرب، و«ضيوف» القمة الدوليين. فوفق ما قالت مصادر ديبلوماسية لـ«الأخبار»، إنّ «الوفد اللبناني برئاسة الرئيس ميشال عون لم يطلب موعداً مع أيّ من القادة»، في رسالة يراد منها القول بوضوح «نحن موجودون إن كان هناك من لديه شيء ليقوله لنا». انطلاقاً من هنا، أتت استقبالات عون في مقرّ إقامته، «فالتقى كلّ من طلب موعداً. أما الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس فسيلتقيه صباح اليوم».
اللقاء الأول كان مع المبعوث الخاص للرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى الشرق الأوسط ميخائيل بوغدانوف، فدام أكثر من نصف ساعة. تقول مصادر الوفد اللبناني لـ«الأخبار» إنّ «أهمية اللقاء مع بوغدانوف أنه يأتي في توقيت أصبحت فيه روسيا شريكة النفوذ الأول في سوريا، والتي تهتم بالشأن اللبناني. وفي ظل الحديث عن زيارة عون لروسيا». فكان نقاش مستفيض في ما خصّ «الأزمة السورية ومفاوضات أستانا ومؤتمر جنيف والتطورات الميدانية»، من دون إغفال العلاقات الثنائية بين لبنان وروسيا «مع بروز اهتمام موسكو بقطاع الغاز». وكان بوغدانوف قد صرّح عقب انتهاء اجتماعه مع عون بوجود «أفق واسع لتعاون مثمر بين البلدين في مختلف المجالات»، لينتقل بعدها إلى جناح الرئيس سعد الحريري، حيث أبلغت مصادر الأخير «الأخبار» أنّ النقاش «شمل كلّ الملفات، وتحدثنا خاصة عن التهديدات الاسرائيلية للبنان. فطلبنا منهم (الروس) كأصدقاء أن لا يوفروا جهداً لنبقى محيّدين عن المشاكل والاعتداءات».

العراق مُهتم بربط سوريا ولبنان بأنابيب النفط والغاز


العلاقة بين العراق والسعودية تُشبه علاقة الأخيرة بلبنان. بلد يُحاول «مقاومة» محاولات تطويقه من قبل «شقيق» عربي. قد يكون هذا أحد القواسم المشتركة بين لبنان والعراق الذي يرأس وفده رئيس الوزراء حيدر العبادي، وكان الضيف الثاني في جناح عون أمس. مصادر الوفد اللبناني تتحدث عن بغداد «المعنية بكل الملفات الإقليمية». قبل أيام، عاد العبادي من زيارة للولايات المتحدة الأميركية. فكان اللقاء أمس «مناسبة أيضاً لمعرفة الرؤية الأميركية حيال المنطقة، والتي تؤكد أنه لا حروب بل حلول سياسية». العراق مُهتم أيضاً «بالعلاقات الثنائية مع لبنان وبربط سوريا ولبنان بأنابيب النفط والغاز». يُذكر أنّ الوفد العراقي كان الوفد العربي الوحيد الذي تجرّأ على طلب عودة سوريا إلى القمة العربية.
تُمنع سوريا من حضور القمة وتُعلق عضويتها في الجامعة العربية منذ عام 2011، في حين أنّ الجامعة العربية تقف طرفاً في الأزمة الليبية من خلال استقبالها فريقاً ليبياً من أصل ثلاثة! رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني الليبي فايز السراج التقى عون أيضاً. وفي حين لا تضع مصادر دبلوماسية عربية اللقاء سوى في إطار «بحث السراج عن دور له»، صدر بيان بأنّ عون والحريري طلبا خلال هذا اللقاء «بذل المزيد من الجهد لمعرفة ملابسات تغييب الإمام موسى الصدر ورفيقيه».
ركنا التسوية الرئاسية، عون والحريري، وصلا إلى الأردن تأكيداً على وحدة الموقف اللبناني. ساهم هذا الأمر في النظر إلى لبنان من موقع القوي. وقد برز ذلك في لقاءات رئيس الجمهورية والاستقبال الذي حظي به. سقط بند التحفّظ على التضامن مع لبنان «من دون مقدمات وكأنّ الأمر كان متفقاً عليه قبل اجتماع وزراء الخارجية العرب»، بحسب مصادر ديبلوماسية لم تُحدد ما الدوافع التي أدّت إلى ذلك «ما دامت هذه الدول (السعودية والإمارات تحفّظتا سابقاً على بند التضامن مع لبنان) لم تتراجع في ما خصّ حزب الله أو إيران». ولكن، يبقى في لبنان من يُصرّ على أن «يُبايع» الدول الخليجية. الرسالة التي وجّهها الرؤساء السابقون، أمين الجميِّل وميشال سليمان وفؤاد السنيورة ونجيب ميقاتي وتمام سلام، إلى الجامعة العربية مفادها أنّ «لبنان غير موافق على تدخّل حزب الله في سوريا أو في العراق واليمن». المفارقة أنّ هؤلاء يرفعون لواء «الشرعية»، في حين أنهم يكونون أول من يتخطّاها إن لم تتلاقَ مع مصالحهم. خير من عبّر عن موقفه من الرسالة كان الحريري الذي ردّ على سؤال «الأخبار»، متهكّماً: «أيّ رسالة؟ مين باعتها؟». بالنسبة إلى رئيس الحكومة «على الجميع أن يُدرك أن هناك قطاراً، من يُرد أن يركبه أهلاً وسهلاً، ومن لا يريد، يبقى في الخلف». أما المصادر الديبلوماسية فتجزم بأن «الأمانة العامة لجامعة الدول العربية أبلغت لبنان أنها لم تتلقّ رسالة. ربما يكون النفي أسلوباً للتجاهل».
ليس من المتوقع أن يتضمن البيان الختامي للقمة اليوم موقفاً «مفاجئاً»، رغم رفعه سقف الهجوم على إيران. وستشهد أعمال القمة ثلاث مبادرات: اثنتان يقوم بهما الملك الأردني عبدالله الثاني، ساعياً إلى استكمال المصالحة بين السعودية ومصر، ومحاولاً إطلاق حوار مباشر بين مصر وقطر، بحسب ما ذكرت مصادر دبلوماسية عربية لـ«الأخبار»، أما الثالثة فسيتضمنها خطاب الرئيس عون، الذي تصفه مصادر الوفد اللبناني بـ«الخطاب المهم جداً، وسيحمل مبادرة باسم لبنان موجّهة إلى كل المشاركين في القمة».




بوغدانوف: من الغريب أن سوريا ليست هنا!

لا يُمكن للحديث مع مبعوث الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى الشرق الأوسط، ميخائيل بوغدانوف، إلا أن يتطرق إلى الأزمة السورية. فتحدث إلى الصحافيين عن تعثر المفاوضات في أستانا وجنيف، معتبراً أن «كلمة تعثر تُعتبر قوية. هناك مشاكل طبعاً وقضايا يجب إيجاد حلول لها، ولكن لا نرى بديلاً من المسارات التفاوضية السياسية. والحديث أيضاً بين العسكريين في مجال وقف إطلاق النار، لإيجاد حل سياسي شامل للأزمة على أساس قرار مجلس الأمن». وقال إنه لا «يوجد بديل للحل في سوريا سوى في المفاوضات وإيجاد حلّ أفضل من استكمال العنف والحرب وتدمير البلد». ورداً على سؤال «الأخبار» حول موقف روسيا من المعارضة المصنفة معتدلة بعد مشاركتها التنظيمات الارهابية في معارك الشام وحماه، أجاب بوغدانوف «نحن لسنا طرفاً في الصراع. نتواصل مع الجميع إن كانوا يريدون أن يتعاونوا معنا لإيجاد حل على أساس توافقي ويعيشون في بلد واحد سيّد».
وكان بوغدانوف قد كشف أنه «عبّرنا عن الأمر المنطقي»، بضرورة عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، «لأنه إذا أراد الأصدقاء العرب بحث القضية السورية على مستوى الجامعة العربية، يجب أن تكون الاتصالات مباشرة مع الأطراف السورية ومع الحكومة المركزية في دمشق الشرعية». وما دامت سوريا «موجودة في الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، من الغريب ألا تشارك في نشاط الجامعة العربية».