لا يتوقف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، عن تكرار لازمة دعوة يهود أوروبا إلى تركها والمجيء إلى فلسطين بعد كل هجوم في القارة العجوز، وهو كان قد أعلن ذلك صراحة منذ عملية باريس 2015.
دويّ هذه الدعوات يتردد كثيراً في فرنسا، وتساهم في التحفيز إليها مجموعة جمعيات إسرائيلية، وكذلك السفارة الإسرائيلية لدى باريس، التي تعكف على نشر كتيّبات ومقاطع مصوّرة تخصّ «نموذجية الحياة» داخل مستوطنة تطلّ على القدس المحتلة أو الإشادة بقوة الاقتصاد الإسرائيلي وقلة الضرائب على عكس أوروبا.
مع ذلك، لا يترتب على كل هذا الجهد إلا استجابة ضعيفة منها استقبال قسري لـ 220 شخصاً أواخر العام الماضي من يهود الفلاشا القادمين جواً من إثيوبيا. هنا تحديداً، استحدثت إسرائيل طرقاً تظهر فيها الخداع. تظهر قصة ديفيد كرواش وأخته إيفونا، من مولدافيا في أوروبا الشرقية، وجهاً من نماذج الخداع، فقد وصل الاثنان إلى مدينة ليل الفرنسية القريبة من بلجيكا ليلتحقا بمعسكر الجيش هناك، الذي يفتح أبوابه لجميع الشبان حول العالم لدخول القوات العسكرية الفرنسية.

يكتشف «المهاجرون» أن مكان سكنهم
هو العيش في مستوطنة

ووفق المعلومات، فإن هذه الخطوة هي تمهيد لسفر الشبان إلى إسرائيل، وهم عبر تسهيل من السفارة الإسرائيلية يدخلون معسكر الجيش الفرنسي، حيث يحصلون خلال الخدمة بعد ثلاث سنوات على حق الإقامة، ثم الجنسية بعد عامين إضافيين. بناءً على هذا المكتسب، يأتي هؤلاء الأوروبيون الشرقيون ممن صاروا فرنسيين إلى تل أبيب، ثم يجري إسكانهم في مستوطنات الضفة مع عِلم فرنسي بما يحدث.
تضيف المصادر إن إيفونا، مثلاً، قضت في مستوطنة «إيتمار» قرب نابلس شمال الضفة المحتلة، 18 شهراً، لكنها قررت العودة إلى أوروبا، وهي حالياً تعمل نادلة في مطعم مرموق وسط بروكسل في بلجيكا. ويُنقل عمن عاينوا تجارب هؤلاء أنهم كانوا أيضاً في حياة شبه عسكرية داخل المستوطنات، ويعيشون جواً من التدريب المتواصل على التصدي لإلقاء الحجارة أو عمليات الطعن. وبعضهم هرب من المستوطنات التي كانوا فيها، وخاصة التي يكثر فيها المتدينون اليهود، ليبحثوا عن عمل في مدن أخرى داخل فلسطين المحتلة، مشتكين من الخداع الذي وقعوا فيه وأنهم سيأتون إلى «جنة».
وفق إحصاءات، وصل أكثر من 200 فرنسي يهودي في تموز 2016 إلى فلسطين المحتلة للإقامة فيها، برفقة مسؤول إسرائيلي من إدارة الهجرة نقل عنه الحديث عن تراجع عدد اليهود الفرنسيين الآتين العام الماضي، وهي آخر دفعة رسمية تصل حتى الربع الأول من 2017. ونقلت وسائل إعلام عن دانييل بنحاييم، وهو مدير «الوكالة اليهودية لإسرائيل في فرنسا»، أن هناك تناقصاً في عدد القادمين من فرنسا كل عام، وقد وصل التراجع إلى 30% وأكثر.
في هذا السياق، عقّب دبلوماسي فلسطيني في فرنسا، طلب عدم نشر اسمه، بالقول، إنه «ليس لدينا خطة للتصدي لمثل هذه الحالات، أي خروج اليهود إلى مستوطنات الضفة... التصويت على عدم شرعية المستوطنات معروف للجميع، لكنني وأنتم قرأنا منذ أيام عن دعم بنوك وشركات فرنسية للمستوطنات».
وأقرّ هذا الدبلوماسي بأنه ليس لدى السلطة تصوّر عن كيفية تقديم احتجاج حتى على هكذا تطورات مكشوفة، فكيف بعمليات التجنيد، مضيفاً: «السلك الدبلوماسي الفلسطيني في أوروبا يتحدث عن الانتهاكات الإسرائيلية واستمرار خرق حل الدولتين للجهات المسؤولة... هذا كل شيء، فلا يمكن منع أحد من زيارة إسرائيل أو حتى الهجرة».
في غضون ذلك، حاولنا التواصل مع وزارة الداخلية الفرنسية وسؤالها عن حالات الهجرة إلى مستوطنات الضفة بدعم إسرائيلي وعلم فرنسي، لكنها لم ترد على تلك الأسئلة.
لا تقتصر الحال على النموذج الذي يمثله ديفيد وإخوته من مولدافيا، بل إن الإسرائيليين يعملون على استغلال الأوضاع الأمنية في شرق أوروبا عامة، وتحديداً أوكرانيا، حيث أنشأت السفارة الإسرائيلية مكتباً يشبه القنصلية لتسجيل العائلات اليهودية هناك من أجل نقلهم إلى إسرائيل، علماً بأن ذلك المكتب يصرف ثلاثة آلاف دولار لكل عائلة قبل السفر، كما يجري تعليمهم اللغة العبرية ووعدهم بتوفير مسكن وعمل. ووصلت 45 عائلة أوكرانية إلى فلسطين المحتلة في الثامن والعشرين من الشهر الحالي، تقول تل أبيب إنهم يهود.