■ ما تمثيل المرأة الجزائرية في الانتخابات التشريعية، وكيف تطوّر هذا التمثيل مقارنة بما سبق؟
يخضع تمثيل المرأة لنظام الكوتا، فقد مرّر الرئيس (عبد العزيز) بوتفليقة قانوناً عرضه على التصويت يحدّد تمثيل المرأة في كل قائمة انتخابية بنسبة 33%. التأثير السلطوي هو الذي سمح بحضور كهذا. ويمكن القول إنها نسبة من النسب الأهم في العالم العربي، وحتى مقارنة بدول غربية. لكن هل يُستخلص من هذا أن النساء ممثلات سياسياً؟ لا أعتقد ذلك، فقد أخذنا، منذ عام 2012، المسافة الكافية لنرى كيف تُطبّق الأحزاب هذه القاعدة.

■ عندما ننظر إلى المجتمع الجزائري اليوم، نستنتج أن النساء، مع إظهارهن الارتباط بالتعاليم الدينية والمظاهر المحافظة، هنّ بصدد الخروج من الفضاء المغلق إلى الحيّز العام... هل هناك إعادة تعريف لدور المرأة الجزائرية في الفضاء العام؟

لقد أشرفت على بحث في «مركز البحث في الاقتصاد التطبيقي من أجل التنمية» (CERAD)، نُشر تحت عنوان «التحوّلات الأسريّة في المحيط المدني» وشمل 1200 أسرة في 12 مدينة جزائرية. كانت إحدى الخلاصات الرئيسية لهذا البحث أن النساء هنّ الفاعل الرئيسي في هذا التحوّل. إنّ فكرة ربّة المنزل، أي التي تعرّف عن نفسها بخدمة المنزل فقط، لم يعد لها معنى في الجزائر. يكمن أحد الأسباب الرئيسية لهذا التغيير في الزيادة المذهلة في التحاق الفتيات بالمدارس في بلادنا. وإذا كانت ظاهرة «تأنيث المعرفة» عالمية، فإن هذه العمليّة حدثت بسرعة كبيرة هنا.
لعلّ تكوين النساء في مختلف المجالات قد أدى إلى إعادة تعريف لمكانهن في الفضاء العام مع حصولهن على فرص عمل. المرأة في الجزائر هي اليوم الفاعل الاقتصادي الرئيسي في المنزل، فهي التي تتسوق وتأخذ قرارات الشراء وتدير موازنة العائلة، كما أن اللواتي لا يشتغلن يعرّفن عن أنفسهن كمتعطلات عن العمل وليس كربّات منازل...

■ ألم تتح أيضاً الحركة الإسلامية أمام النساء استراتيجيات نسويّة تستند إلى الفكر الديني لدخول الفضاء العام؟

لقد خرجت النساء بالحجاب أو من دونه. ففي خلال شهر رمضان، تذهب «جحافل» من النساء وحيدات إلى المسجد، ويتبادلن أطراف الحديث في الشارع، ويخرجن إلى المقاهي، وهو ما يثير حفيظة بعض الأئمة.
لقد حازت هذه النساء مكانة بسبب معرفتهن بالنصوص الدينية، والمعرفة هي التي تشكل دائماً الفرق. في الجامعة، يوجد العديد من الفتيات المحجبات والآتيات من محيط محروم، ولا شيء يُغلق في وجوههن بسبب الإسلام. كذلك فإن فتيات كثيرات يتعلمن في المعاهد الدينية ويكتبن عن الإسلام. إنه أمر غير قابل للرجوع عنه... لقد استندت النساء إلى القاعدة الدينية للمطالبة بالمساواة، ولكن الطريق طويلة.
في إيران، تحصل النساء على فرص عمل أكثر بكثير ولهن كلمة حقيقية. لا يجب أن ننسى أن المجتمع في الجزائر هو مجتمع «ما بعد استعماري»، ورهان المرأة فيه رهان بعيد جداً. علينا الرجوع إلى الفترة الاستعمارية حيث اللحظة الرمزية التي يخلع فيها المستعمرون الحجاب عن النساء الجزائريات. واليوم، لا تزال دول الشمال تولي اهتماماً بالمجتمع الجزائري لقياس تطوره الديموقراطي. فعدد النساء المحجبات بالنسبة إليها مؤشر تبنٍّ لحضارتهم وثقافتهم. والسياسيون الجزائريون واعون تماماً لهذا الرهان ويريدون أن يقدموا أنفسهم دوليا كديموقراطيين ووسطيين بتبنيهم على سبيل المثال نصوصاً قانونية كتلك المتعلقة بالكوتا مثلاً. فيبيّنون هكذا أن النساء ممثلات في البرلمان، وأن التكافؤ يُحترم...
المفاهيم لا يُمكن أن تستورد ببساطة، إذ توجد ظروف موضوعية لإنتاجها. لقد اتخذت الحكومة خيار التكافؤ (بين المرأة والرجل) لكنه أمر شكلي فقط. بالطريقة نفسها، لا تطرح مسألة الكوتا قضية النساء فقط ولكن أيضاً مسألة نوعية العملية الديموقراطية. إن محاكاة الكوتا في السويد لا تعني أن الجزائر ستصل إلى النتيجة نفسها، ففي وضع غير ديموقراطي حيث تدور الأمور حول تحديد زبائن للنظام، تشكل النساء كما الرجال جزءاً من هؤلاء الزبائن، فهن لا يمثلن النساء أكثر من السابق، ولكنهن يمثلن النظام الذي اختارهن.

■ بالعودة إلى مسألة المساواة، هل للنسوية معنى اليوم خارج النضال من أجل العدالة الاجتماعية؟ وكيف تربط مسألة النضال لتمكين النساء بالعلاقات الطبقية؟

تختلف النسوية وفق المكان الذي تدور فيه، لكنها تمثل دائماً طموحاً نحو مزيد من الحقوق، ويجب أن تتوق نحو المساواة ورفض الانصياع. بالنسبة إلي، موقف المرأة هو موقف المهيمن عليه. في بلد تهيمن عليه الإمبريالية، تقع المرأة تحت هيمنة مهَيمن عليه. والنسوية أداة رائعة لتفكيك الهيمنة... إن كانت هيمنة القوى الاستعمارية القديمة أو هيمنة النظم القائمة. ومن الصعب تحدي الهيمنة من الموقع الأكثر هشاشة، أي موقع المرأة.
عندما أحلل مسألة تشغيل النساء في الجزائر، لا أقول إن الرجال أشرار ولا يعطوننا فرص عمل، بل أقول إنّ دمج الاقتصاد الجزائري المعتمد على الريع في الاقتصاد العالمي لا يقوم على الإنتاج. ونظام الريع يدمج أساساً الرجال.
وعندما نعرف أن دخول كل هذه المسارات يعتمد على رأس المال الاجتماعي للعائلة وليس على مكاتب التوظيف، نفهم أن رأس المال الاجتماعي يوضع في خدمة الرجال أكثر من النساء. وفي بحثنا، تبيّن أن النساء يلجأن أكثر إلى مكاتب التوظيف، فيما يعتمد الرجال على العلاقات الاجتماعية.
وبارتكاز الدولة على عائدات النفط، تخلت عن قطاعات الإنتاج والخدمات التي كان للنساء فيها حضور مهم، ما خلّف بطالة كبيرة. فإذا ما أخذنا مثالاً «مجمّع حاسي مسعود البترولي» حيث وقع في التسعينيات تعنيف نساء واغتصابهن ودفنهن أحياء، تُبيّن الملاحظة أن الحدث وقع في منطقة تضرب فيها البطالة. هذه المدينة، حيث يقوم الاقتصاد على حقول النفط، كان يوجد فيها من جهة مساكن لنساء كوادر درسن في الخارج ويعشن في مواقع محمية، ومن جهة أخرى كان يوجد النساء العاملات اللواتي هيئن لأنفسهن حياً للسكن. وبتأثير خطبة لإمام، اتهمت النساء بسرقة العمل من الرجال، فاحتشد شباب واتجهوا نحو حي النساء وقاموا بسحلهن. كيف يمكن أن نحلل هذا بينما نحاول أن نتوخى الفكر والعقل وليس الاتهام التبسيطي للإسلاميين والإسلام!

■ لكن المجتمع الجزائري والنساء لهنّ تجارب انتقال مع الثوار زمن حرب التحرير؟

نعم، لكن حرب التحرير حدث استثنائي. أنا من عائلة كانت منخرطة جداً في الحركة الوطنية وقد عشت طفولتي الأولى مع المجاهدات اللواتي أعرفهن شخصياً. ما يمكننا ملاحظته أنه عند الاستقلال طلب منهن العودة إلى عائلاتهن، وقيل لهن: انتهى الأمر، لقد قمتن بواجبكن اتجاه المجتمع، لذا يجب أن تعدن إلى المنزل، أنتن ربات عائلة.
لقد أجريت مقابلة مع مامية شنتوف، وهي الأمينة العامة المساعدة لحزب الشعب الجزائري لمصالي الحاج، وهي مناضلة كبيرة في خلال حرب التحرير وكوّنت أول جمعية نسائية عام 1947. ولقد أقرّت بأن الإخفاق في حياتها كان بتبني «مجلة الأسرة». لقد كانت مامية شنتوف بعد الاستقلال، بطلب من الرئيس الأسبق الهواري بومدين، الرئيسة الأولى للاتحاد الوطني للنساء الجزائريات، وقد كانت وراء مظاهرة ضخمة للنساء في العاصمة ضد مشاريع مجلة العائلة الأولى، التي أُلغيَت لأن السلطات لم تجرؤ في تلك المرحلة على مواجهة المناضلات القدامى.
أتأثر دائماً عندما أفكر في الثوار. تخيلوا أنّ الفتيات في الثامنة عشرة كنّ يعشن في عائلات تقليدية. وكانت تلك العائلات أكثر محافظة في مواجهة الاستعمار بغية حماية أنفسها أمام إرادة تفكيك المجتمع. لقد ذهبت الفتيات للالتحاق بالثورة مع الرجال، وقد قاتلن في خلال الحرب، وبعضهن حملن السلاح على غرار تومية لعريبي الملقبة بـ«بية الكحلة»، وعند الاستقلال، يجب على هؤلاء البطلات العودة إلى عائلاتهن.
نجهل التغيير من أجل الفرد، وننسى أن الكفاح من أجل المساواة مع الفرنسيين امتداده الطبيعي هو الكفاح للمساواة مع الرجال في المجتمع الجزائري. لقد عشت حدثاً معبّراً حين كنا في تونس مع الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية، إذ أسست الحكومة منزلاً للفتيات لاستقبال الثائرات، وقد وضعوا على رأسه والدَي بيار وكلودين شولاي للاهتمام بهؤلاء الفتيات.
في المقابل، الشباب الذين كانوا يخرجون من الثورة كانوا يتحصلون على مساكن صغيرة مستقلة. عندما دُعِيت «بية الكحلة» إلى العيش في هذا المنزل أحست بالإهانة. لمَ عليها، وهي التي حاربت على قدم المساواة مع رفاقها الرجال، أن تعود الآن إلى جو عائلي، بينما يعيشون في مساكن مستقلة. وللاحتجاج على هذا الوضع، نشرت إعلاناً في جريدة تونسية يقول: «ثائرة سابقة تبحث عن عمل كمعينة منزلية مقيمة»، وهو ما أخذ على مأخذ الإهانة.
يجب أن نفهم أن نضالات النساء كانت مستمرة في الجزائر، ولقد تعلمت النسوية من بية، ومن والدتي ومن كل اللواتي كافحن، وأحاول أن أنقل ذلك إلى ابنتي وطالباتي والشابات النسويات. إن الحصول على المساواة أمر طبيعي، ويجب أن نكافح داخل مجتمعنا وفق مبادئنا لنفرض هذه الفكرة.