حالة الغضب تتنامى في عكار، إذ بات إسعاف شاب يستدعي الخروج بمظاهرات وقطع طرق للتمكّن من إيصال الصوت. تتصدر صور الضحايا يومياً مواقع التواصل الاجتماعي في محاولة لتشكيل رأي عام ضاغط، وتأمين العلاج إن كان عبر وساطة مع الوزارات المعنية أو تأمين النفقة من تبرعات المواطنين.
الحوادث المتكرّرة تفتح ملف المستشفيات في محافظة عكار والاستنسابية في تعاطي وزارة الصحة مع المستشفيات الحكومية في لبنان، حيث يصار إلى تجهيز وتأهيل المستشفيات الحكومية في مختلف المناطق اللبنانية، بينما تُحرم عكار من أبسط حقوقها.
تضم محافظة عكار (ثلاثة مستشفيات خاصة) عاجزة عن تحمل الضغط الزائد، الأمر الذي يؤدي إلى تكرار الحوادث المؤسفة مع المواطنين، إما بسبب عدم توفر أسرة عناية، أو لعدم توفر سقف مالي على حساب وزارة الصحة، أو لعجز الأهالي عن بلوغ المستشفى بالسرعة المطلوبة أو عجزهم عن تسديد مبالغ مسبقة للطوارئ أو للعمليات الجراحية الطارئة.
عكار المترامية الأطراف تضمّ مستشفى حكومياً وحيداً، وتتوفر العناية الخاصة وقسم القلب في «مركز اليوسف الاستشفائي» الذي يضم سبعة أسرة فقط، وقدرة «مستشفى عكارـ رحال» محدودة جداً، أما مستشفى «السلام» في القبيات فيعاني من ضغط كبير جرّاء تعاقده مع «مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين» التي تقوم بتأمين الرعاية الصحية للنازحين السوريين.
المستشفى الحكومي الوحيد في المحافظة، يتم وضعه عن قصد خارج المعادلة الصحيّة، بسبب النقص الفاضح في الأقسام والمعدات، والمحاصصة السياسية التي حالت طوال الأعوام الماضية دون تأهيله وتجهيزه ودون تعيين مجلس إدارة جديد قادر على القيام بالأعمال المطلوبة، حيث يتولى إدارة المستشفى بالتكليف المهندس حسين المصري منذ عام 2009.
على الرغم من أن مطلب تأهيل مستشفى «عبد الله الراسي الحكومي في حلبا» يعدّ من المطالب الرئيسة، التي يسعى العكاريون لتحقيقها منذ الانتهاء من تشييد المستشفى في عام 1998، إلا أن أيّ بوادر إيجابية لم تظهر في الأفق.

حصة عكار من وزارة الصحة
لا تتعدى الـ 8% فيما يجب
ألّا تقل عن 15%

ترقد الطفلة رهف محمد (عام ونصف العام) داخل غرفة طوارئ «مركز اليوسف الاستشفائي»، إثر سقوطها من على علو 12 متراً، وإصابتها بكسور في الجمجمة، ونزف دماغي بحسب ما أثبتت الصور الشعاعية. حالة الطفلة الحرجة وضع العائلة والمستشفى في مأزق تدبر غرفة عناية لها في مستشفى آخر، بسبب عدم وجود مكان في قسم العناية الفائقة داخل المركز، فعمد الفريق الطبي التمريضي لمحاولة إبقاء الطفلة على قيد الحياة وذلك عبر القيام بالإسعافات، وتأمين الأوكسيجين يدوياً من خلال كيس التنفس.
هذا المشهد يتكرر باستمرار في مستشفيات عكار الخاصة، بحسب ما يؤكد نقيب أطباء الشمال الدكتور عمر عياش، الذي قال لـ«الأخبار»: «إن حاجة المحافظة تفوق قدرة المستشفيات الخاصة، ونحن نعمد باستمرار إلى بذل مجهود كبير لتأمين غرف عناية وإنعاش في مستشفيات أخرى عندما تكون الحالات طارئة ولا يمكن الانتظار».
«الداخل إليها مفقود والخارج منها مولود»، عبارة يردّدها أهالي عكار عندما يُطلب إليهم التوجه إلى المستشفى الحكومي لتلقي العلاج. فهل المطلوب تسجيل المزيد من الضحايا حتى تتحرّك وزارة الصحة؟ وأين الجهات الرقابية التي من المفترض أن تتأكد من البروتوكولات الطبية المرعية الإجراء في المستشفى الحكومي؟ والأهم أين حصة عكار التي من المفترض أن تكون ثلاثة مستشفيات حكومية؟ وأين حصة المستشفيات في عكار من موازنة وزارة الصحة؟
يُظهر التدقيق في توزيع الاعتمادات على المؤسسات العامة والخاصة للعناية على نفقة وزارة الصحة العامة وفقاً لسقف الاعتماد الشهري لكلّ من المستشفيات والمؤسسات تفاوتاً ملحوظاً في الحصص الموزعة على المحافظات، والتي من المفترض أن تكون وفقاً لمعايير محددة، كعدد السكان في كل محافظة وعدد المستشفيات والخدمات التي تقدمها. حيث يتضح من الجدول الصادر عن وزارة الصحة سابقاً أن محافظة عكار لا تزال حصتها ضمن محافظة الشمال، وذلك على الرغم من إعلانها محافظة مستقلة، واللافت أنه بالرغم من الكثافة السكانية في عكار والتي يزيد عدد السكان فيها على 600 ألف نسمة، إلا أن حصة مستشفياتها الخاصة لا تتجاوز 8 مليارات ليرة، في حين يحصل مستشفى في قضاء آخر على ضعف المبلغ. وبالتالي فإن حصة عكار من وزارة الصحة لا تتعدى الـ 8 في المئة، في حين يجب أن لا تقلّ عن 15 في المئة.
يشير الوزير معين المرعبي إلى «أن تكرار هذه الحوادث بات بحاجة إلى حلول جذرية وفورية من قبل وزارة الصحة، التي يتولاها نائب رئيس الحكومة غسان حاصباني الذي نعول على فكره وخبرته ليباشر بتأهيل وتجهيز المستشفى الحكومي الوحيد في عكار والذي من المفترض أن يكون مستشفى جامعياً».
ويشير المرعبي إلى «أنه لو تم الكشف على المستشفى من قبل أيّ لجنة صحية لوجدت أن المستشفى نفسه بحاجة إلى العناية الفائقة، فهو لم يتطور بالشكل المناسب ويتهرّب بعض الأطباء من التعاقد معه، والمواطنون يفقدون الثقة به، لذلك نأمل من وزارة الصحة المبادرة إلى تعيين مجلس إدارة جديد، خصوصاً عقب وفاة عضو مجلس الإدارة بيار بريدي، واستقالة رئيس مجلس الإدارة سعد خوري منذ عدة سنوات، أما مفوض الحكومة الحالي الدكتور فايز خليل فهو مكلف خلافاً للقانون كونه لم يعين بمرسوم حسب الأصول، لذلك كلّه بات من الضروري فتح ملف مستشفى حلبا الحكومي ليكون قادراً على استقبال المرضى وتلقيهم العناية اللازمة أسوة بباقي المواطنين في المحافظات الأخرى».