جاءت زيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف لواشنطن أمس، واجتماعه مع نظيره ريكس تيلرسون والرئيس دونالد ترامب، في وقت مهم جدّاً، بالنظر إلى المتغيرات الأخيرة في المشهد السوري. فبينما تسعى موسكو إلى إضفاء شرعيّة دوليّة لمخرجات لقاء أستانا الأخير، وخاصة اتفاق «مناطق تخفيف التوتر»، تحاول إعادة إحياء «الشراكة» مع واشنطن، وخاصة في مجال «الحرب على الإرهاب».
«الغزل» الروسي لواشنطن بدا واضحاً في حديث لافروف الصحافي، الذي أتى عقب الاجتماعات من مقر البعثة الديبلوماسية الروسية في الولايات المتحدة، إذ شدد على أن فكرة اتفاق أستانا الأساسية تتقاطع كثيراً مع «رؤية» أميركية طرحها تيلرسون في موسكو، وترامب في خلال حديثه الهاتفي مع الرئيس فلاديمير بوتين.
وحرص لافروف على التأكيد أنَّ من مصلحة «الشركاء» الأميركيين دعم مشروع «مناطق تخفيف التوتر»، مخصصاً أن لها «مصلحة كبرى في منطقة التهدئة الجنوبية الواقعة إلى جانب (حلفائها) الأردن وإسرائيل... وهي أبدت اهتمامها بتلك المنطقة تحديداً». ولفت إلى أنَّ بلاده «ترّحب بمشاركة الولايات المتحدة في تأمين تلك المناطق، ومراقبة عملية التهدئة فيها»، وهو ما قد يتناغم مع الخطط الأميركية المعدّة للجنوب السوري وعلى طول الحدود مع الأردن.

أكدت أنقرة أن كل سلاح يصل إلى الأكراد يعدّ تهديداً لأمنها



وبدا لافتاً أنَّ زيارة لافروف ترافقت بعناية واضحة من الرئيس ترامب، الذي وصفها بأنها «جيدة جداً»، إذ استقبل الأخير ضيفه في المكتب البيضاوي، الذي درجت العادة على تخصيصه لاستقبال قادة الصف الأول. كما بدا لافتاً حضور الإعلام الروسي لكواليس اللقاء ونشره لصور من داخل البيت الأبيض. وبرغم أنّ دلالات إخراج الزيارة المتفرّد، تقرأ بأغلبها على جبهة ترامب الداخلية، فإن انعكاساتها على تعاون البلدين في الملف السوري قد تلاحظ في خلال الأشهر القليلة المقبلة. وضمن هذا السياق أشار لافروف إلى أن بلاده توافقت مع ترامب «حول أولوية مكافحة الإرهاب في سوريا»، لافتاً إلى «تحسّن الحوار مع إدارة ترامب... وخروج الجانب الأميركي من النقاش المؤدلج في زمن أوباما، إلى حوار براغماتي مع رجال أعمال يريدون التفاوض على حل قضايا محددة». ومن جانبه قال البيت الأبيض في أعقاب المحادثات إنَّ «الرئيس ترامب شدد على الحاجة إلى العمل معاً من أجل إنهاء النزاع في سوريا، ولا سيما التشديد على احتواء روسيا لنظام الأسد وإيران ووكلاء إيران».
«براغماتية» ترامب التي تحدث عنها لافروف، قد تقود إلى إعادة قنوات التنسيق بين البلدين إلى أوج نشاطها الذي بلغته في صيف العام الماضي، قبل تجميدها عقب انهيار «اتفاق جنيف» الثنائي وخططه حول حلب وباقي الأراضي السورية. وليس ببعيد عن هذا النهج، أثار قرار البيت الأبيض «البراغماتي» أيضاً بتسليح الفصائل الكردية داخل إطار «قوات سوريا الديموقراطية»، استياءً كبيراً لدى أنقرة. القرار الذي وصفه البنتاغون بأنه «ضروري لضمان تحقيق انتصار واضح» في الرقة، همّش الطمأنات الأميركية لتركيا بأنَّ واشنطن «ملتزمة منع أي أخطار أمنية إضافية وبحماية شريكتنا في حلف شمال الأطلسي»، وبأنَّ «العتاد المقدّم لـ(قوات سوريا الديمقراطية) سيكون محدوداً، ومحدداً بمهمة معينة، وسيقدم تدريجاً مع تحقيق الأهداف».
وبالتوازي، أعلن المتحدث باسم «التحالف الدولي» جون دوريان، أن بلاده ستبدأ سريعاً بتسليم شحنات أسلحة إلى المقاتلين الأكراد، مشدداً على أن «كل قطعة سلاح» تسلم إليهم «ستوجّه» إلى تنظيم «داعش». وبرغم حديث وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس عن نية بلاده «العمل عن كثب مع تركيا لدعم أمن حدودها الجنوبية... التي تعدّ الحدود الجنوبية لأوروبا»، فإنَّ مواقف أنقرة أمس أبدت التخوف الواضح من تحييدها على حساب الأكراد، وخوفها من تكريس وجودهم القوي في الشمال السوري وما له انعكاسات على حلفائهم في الداخل التركي. إذ دعا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الولايات المتحدة إلى «التراجع فوراً» عن قرار تسليح الأكراد، مضيفاً أنَّ «رجائي القوي أن يُصحَّح هذا الخطأ»، ومؤكداً أنه سيطرح هذه «المخاوف» في خلال المباحثات المقبلة مع ترامب. وبدوره لفت رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم، إلى أن القرار الأميركي قد يكون له «عواقب ونتائج سلبية» على واشنطن، مضيفاً أنَّ «أمام الإدارة الأميركية فرصة كي تأخذ في الحسبان حساسيات تركيا تجاه حزب العمال الكردستاني». وعلى الجانب الكردي، لقي القرار الأميركي ترحيباً كبيراً. ورأى الرئيس المشارك لـ«حزب الاتحاد الديمقراطي» صالح مسلم، أن القرار «متوقع». وبدوره قال المتحدث باسم «الوحدات» الكردية ريدور خليل، إنه «بعد اتخاذ قرار التسليح التاريخي هذا، فإن وحداتنا ستلعب دوراً أكثر تأثيراً وقوة وحسماً في محاربة الإرهاب».
(الأخبار)