أقدمت السلطات السعودية على تنفيذ تهديداتها السابقة بهدم حي المسورة التاريخي وسط بلدة العوامية، في محافظة القطيف، التابعة إدارياً للمنطقة الشرقية. حالة من الترهيب يعيشها أهالي الحي الذي تحول إلى ما يشبه ساحة حرب حقيقية، وكذلك الأحياء المجاورة، حيث تفرض السلطات طوقاً أمنياً مشدداً على كامل العوامية، مغلقة جميع مداخل البلدة.
واستخدمت السلطات، يوم أمس، القوة وإطلاق النار والدهم ضد السكان الرافضين ترك الحي، والذين لم يخضعوا لطلب الحكومة مغادرة منازلهم. وأفادت مصادر محلية بسقوط قتيلين في المنطقة وما يقارب 16 جريحاً، جراء إطلاق النار الكثيف بعشوائية على منازل الحي، وسط حالة غضب تسود مختلف بلدات القطيف والمنطقة الشرقية.
وأوضحت المصادر أن عاملاً من التابعية الهندية قتل في الهجوم إلى جانب شاب آخر من أبناء المنطقة يدعى علي عبد العزيز أبو عبدالله. ولم يستطع الأهالي إيصال الجرحى، ومن بينهم كبار في السن، إلى المستشفيات، بسبب الحصار المفروض على البلدة. وقال أحد الناشطين من أبناء المنطقة، لـ«الأخبار»، إن الهجوم تنفذه قوات الطوارئ السعودية، التابعة لوزارة الداخلية، واصفاً الهجوم بـ«الاقتحام الهمجي والوحشي».

وقع قتيلان
و16 جريحاً فيما تفرض السلطات طوقاً
على المنطقة
وبدأ الهجوم قرابة الثالثة والنصف فجراً، وقد استقدمت القوات الأمنية عدداً من الجرافات ومعدات الهدم بمرافقة عدد كبير من المدرعات ورجال مسلحين يرتدون أقنعة سوداء. وأوضح مصدر محلي آخر لـ«الأخبار» أن الأهالي يعيشون حالة حرب في البلدة، حيث توقفت مظاهر الحياة، والسكان الذين يقارب تعدادهم ثلاثين ألف نسمة لازموا منازلهم منذ صباح الأربعاء، فيما لم يستطع الطلاب الحضور إلى مدارسهم.
المصادر نفسها قالت إن السلطات هدمت عدداً من المنازل، قبل أن توقف عمليات الجرف وتسيّر دوريات للمدرعات في شوارع المنطقة، وذلك تخوّفاً من ردّ فعل الأهالي المعارضين لعمليات الهدم، وفي محاولة لإجبار من تبقّى على المغادرة، قبل إتمام عمليات الجرف والتهديم.
ويعارض أهالي المسورة، وأبناء بلدة العوامية عموماً، عملية هدم الحي التاريخي، الذي يضم أكثر من 400 بناء تجبر السلطات أصحابها على نزع ملكيتها، ومعظم هذه الأبنية تعود إلى قرابة 200 عام، وقد شيّدت على الطراز القديم، وهي تحافظ على الذاكرة التاريخية للعوامية، التي بدأت الحكومة محوها تماماً. وتقول الحكومة إن مشروع الهدم يهدف إلى تحديث العمران وتنفيذ مشروع للتطوير العمراني.
لكنّ طيفاً واسعاً من أهالي العوامية التي تشكل معقلاً رئيسياً للحراك السلمي المعارض يشككون في نية السلطة، ويتهمونها بأنها تريد الانتقام من المنطقة لانتماء أبنائها إلى الحراك المعارض. ويشار إلى أن العوامية مسقط رأس الشيخ نمر باقر النمر، وهو أحد وجوه الحراك الشعبي السلمي في منطقة القطيف، وقد نفذت السلطات حكم الإعدام بحقه قبل أكثر من عام.
كذلك، فإن حي المسورة هو قلب بلدة العوامية القديمة، وهو مشيّد منذ 300 عام، ويسمى المسورة لبناء سور حوله، ويعرف لدى أبناء العوامية بتسمية «الديرة» أو «داخل الديرة»، وهو يضم شوارع ضيقة وبيوتاً متلاصقة. وتحتج السلطات في هدم هذه البيوت بأنها تشكل خطراً على ساكنيها، مطلقة الوعود بإطلاق مشاريع تنموية في المنطقة المحرومة والمهمشة، لكنها حجج «لا تنطلي» على أهالي العوامية الذين يرفضون المشروع، ويؤكدون وجود «نيات انتقامية» من السكان، ولا سيما أن السلطات لم تستجب لمطالبهم بترميم الحي، كما جرى التعامل مع أحياء مشابهة في مناطق أخرى من المملكة.
وتلمح وسائل الإعلام التابعة للنظام السعودي إلى أن عدداً من الناشطين المطلوبين يتحصّنون داخل حي المسورة، في محاولة لتبرير عمليات الاقتحام وإطلاق النار العشوائي المتكررة منذ مدة، وبالخصوص عقب صدور قرار هدم الحي. أما المصادر فتقول إنه إلى جانب الوضع الإنساني المأسوي الذي تعيشه العوامية، مثلت العملية تصعيداً خطيراً زاد من التوتر وعمّق الشرخ مع عموم أبناء المنطقة الشرقية «المهمّشة وغير المتصالحة مع النظام» أساساً.
(الأخبار)