أعلن عيدروس الزبيدي، وهو محافظ عدن الذي أقاله الرئيس المستقيل عبد ربه منصور هادي، إنشاء «المجلس السياسي الجنوبي»، وأعلن نفسه أمس رئيساً للمجلس المذكور، وهاني بن بريك نائباً للرئيس (كان وزير دولة في حكومة هادي)، وبذلك يكون الرجلان قد أعادا إنتاج نفسيهما من جديد، علماً بأنه لاحقت عيدروس الزبيدي في أثناء إدارته محافظة عدن تهم الفساد والرشوة وبيع الأراضي العامة وسوء الإدارة وعدد من القضايا الأخرى.بذلك، يقدّم الزبيدي نفسه باعتباره «قائد مقاومة شعبية وزعيماً سياسياً»، ويمحو إخفاقه الإداري وانخراطه بالفساد في أثناء إدارته، كذلك استطاع تجيير الحشد الجماهيري في 4 أيار الجاري، رغم الالتباس في أعداد المشاركين في الحشد الجماهيري.

لكن الدعاية الإماراتية عكست الحدث على أنه انتصار لدورها وترسيخ له قبالة عدوها التاريخي حزب «الإصلاح» الإخواني المدعوم من السعودية. كذلك، ثبتت أبو ظبي حضورها مستندة إلى شرعية جماهيرية هذه المرة، تاركة للزبيدي الاستثمار المحلي الداخلي، الذي يأتي في إطار الصراع المناطقي بين محافظتي أبين الممثلة للشرعية بالوقت الحالي، والضالع المتمردة، وهو بالمناسبة صراع تاريخي بين المحافظتين للسيطرة على عدن.
في غضون ذلك، صدرت تعليقات متعددة لشخصيات وازنة في «الحراك الجنوبي» وناشطين آخرين حضروا الفعالية، شككت في النسب المعلنة لأعداد المشاركين، قائلة إن كل ما يحدث «سيناريو معد» الغاية منه إعادة جديدة للحمة الشعبية والتفافها حول زعيم جنوبي يعمل كأداة طيعة لدول «التحالف» على اليمن، بعدما وصلت سياسية التحالف في الجنوب إلى طريق مسدود.
وقد أيدت تلك الشخصيات رأيها في عدد من النقاط جاءت كما يأتي:
ــ ظهور بوادر تمرد في عدد من القطاعات الرسمية والشعبية على الحالة المزرية التي وصل إليها سكان المحافظات الجنوبية، وتجرؤ تلك القطاعات على الخروج عن الصمت المفروض، إلى رفع الصوت ومطالبة دول التحالف الخليجي بالقضايا الجنوبية المحقة.
ــ تنامي دور النخب التي لم تتلوث بالمال والرشوة السياسية الخليجية ومطالبتها بضرورة وقف إرسال الشباب الجنوبيين إلى جبهات القتال في الشمال، ما حدا الضباط الإماراتيين إلى الاعتراف لوكالة «رويترز» الأسبوع الماضي بأنهم يعانون وضعاً صعباً في إقناع الشباب الجنوبيين بالقتال في الشمال، وخصوصاً في جبهة المخا.
ــ استنفاد كل الحيل والمبررات والوعود التي قدمها التحالف إلى المحافظات الجنوبية التي تسمى محررة في إعادة الأمن والخدمات والمرتبات ومعالجة الجرحى، وانكشاف أمر دولتَي التحالف في الجنوب (الإمارات والسعودية) وانفضاح دورهما التوسعي والاستغلالي والهيمنة على موارد الجنوب الطبيعية والنفطية وموقعه الاستراتيجي وموانئه وممراته البحرية والمائية، وكذلك تعطيل سبل الحياة في البلد وتجويع سكانه وإبقائه تحت خط الفقر، من أجل إجبار الناس على التركيز على لقمة العيش، وذلك لرفض «التحالف» المطالب الرئيسية للجنوب وقضاياه العادلة بالإضافة إلى تطور الموقف الذي يدعو إلى التعامل الندي مع هذه الدول ورفض التبعية والارتهان.

يقدم الزبيدي نفسه «قائد مقاومة شعبية وزعيماً سياسياً»

ــ بقاء الاختلافات بين الأطراف الجنوبية ضمن الهامش المسموح به لدى راعيي التحالف (الإمارات والسعودية) مستندين في ذلك إلى رد الفعل الهادئ والتجاهل المتعمد للضجيج والصراخ المرتفع من عدن، وعدم انعكاسه السياسي أو العسكري والأمني من الرياض أو وسائل الإعلام والكتاب والمعلقين الذين يدورون في فلكها، بالإضافة إلى اعتبار ولي ولي العهد محمد بن سلمان في معرض التعليق على الخلاف الإماراتي ــ السعودي «شائعات». في المقابل، تحرص الدوائر السياسية الحاكمة في أبو ظبي على استثمار الحدث في عدن من دون العمل على إحراج الرياض وحصر المواجهة في «الإصلاح» مع ملامة شديدة للرئيس المستقيل هادي لتحالفه مع هذا الحزب.
على كل حال، أعلن «المجلس السياسي الجنوبي» وأمام رئيسه الزبيدي عدداً من التحديات المصيرية بالنسبة إلى ما يُسمى «الشرعية»، التي عمل معها قرابة سنة كاملة، فإذا اعترف بها فإنه مطالب بالتزام قراراتها، وكل ما يصدر عنها، ويكون بذلك قد انقلب على التفويض الشعبي الذي خرج من أجل إسقاط هذه الشرعية... أو أنه سيرفض هذه الشرعية، فيكون قد انقلب بالفعل، وتكون الشرعية المزعومة قد تعرضت لانقلاب الجنوبيين بعدما تعرضت لانقلاب الشماليين، وهذا بالتأكيد مستبعد، لأن هذه المهمة ليست من مهمات عيدروس الزبيدي.