القدس المحتلة | لا يعيش الفلسطينيون في مناخ ديموقراطي طبيعي منذ تسلّم «السلطة» زمام الأمور في الضفة المحتلة، رغم أنها بنت دستورها على ذلك كما يبدو من نصوصه. مثلاً، رئيس السلطة محمود عباس يترأس الحكم منذ أكثر من عشر سنوات، رغم أنه لا يفترض أن يجلس على مقعده أكثر من أربع سنوات قابلة للتجديد لمرة واحدة إذا فاز بدورة جديدة.
وهذه الأجواء، بينما يغيب عن المشهد معنى الانتخابات الحقيقية، فضلاً عن مفهوم «السيادة» تحت رحمة الاحتلال، انشغلت الضفة، وعلى خط موازٍ القدس، في انتخابات المجالس المحلية، وقبلها انتخابات مجالس الطلبة في الجامعات، وذلك من دون قطاع غزة الذي حرم الانتخابات بقرار قضائي للسلطة.
رغم اختلاف ضواحي القدس عن غالبية المناطق التي جرت فيها انتخابات المجالس المحلية في الضفة، لجهة تبعية الأراضي (السيطرة والسيادة)، لأنها وفق اتفاقية أوسلو تقع ضمن القسم «ج» الذي يخضع بشكل كامل للإدارة الاسرائيلية، فإنها خاضت مع باقي القرى الفلسطينية الانتخابات الرابعة للمجالس المحلية من بعد تسلّم السلطة زمام الحكم في الضفة، إذ تتنوع مناطق الأخيرة بين «أ» و«ب» و«ج».
المقدسي محمد رمان (69 عاماً) لفت الحضور في مركز الاقتراع في بلدة أبو ديس، شرقي المدينة المحتلة. بعد التصويت، أخذ يحث الناس على الاقتراع، وفي رأيه أن إعمار بلدته الصغيرة لا يكون إلا باختيار الشخص المناسب، مع أنه وآخرين يعلمون بمحدودية صلاحيات المجالس المحلية التي تقع ضمن حدود مناطق «ج»، وكذلك صعوبة تحدي الذين سينتخبهم الناس للمعوّقات الإسرائيلية.

فازت حركة «فتح» بغالبية مجالس ضواحي القدس بالتزكية


وأبو ديس واحدة من ست هيئات مقدسية جرت فيها انتخابات تنافسية بين القوائم. أما الهيئات المقدسية الأخرى، البالغ عددها 22، ففي 21 منها فازت المجالس بالتزكية، في حين أن قرية جبع، الواقعة إلى الشمال من القدس، امتنعت عن المشاركة في الانتخابات.
في النتائج، حصدت حركة «فتح» غالبية الأصوات، إذ فازت برئاسة 17 مجلساً محلياً، 15 منها حازتها بالتزكية، فيما فازت في الانتخابات التنافسية برئاسة مجلسين اثنين من أصل ستة. أما باقي المجالس الستة، فتوزعت على المستقلين وقوائم الائتلاف و«الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين» و«الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين».
ولم تشارك «حماس» في انتخابات القدس، لكن بعض المنتمين إليها قد ترشحوا بقوائم مستقلة، ما حصر المنافسة بين «فتح» والتنظيمات الأخرى التي شعبيتها محصورة بعدد قليل من الفلسطينيين بالمقارنة مع «حماس».
المشهد نفسه تكرر في الضفة، إذ إن «حماس» شاركت في بعض القوائم الانتخابية بصورة فردية تحت إطار «منظمة التحرير»، كما حدث في نابلس، شمالي الضفة، إذ يترأس القائمة الموحدة في المدينة عدلي يعيش المحسوب على الحركة ورئيس قائمتها في انتخابات 2006، بالإضافة إلى الخليل، جنوبي الضفة، حيث لم تغب الشخوص المحسوبة على «حماس» عن القوائم الأربع المتنافسة، بل جمع عدد منها بين مرشحين من «فتح» و«حماس»، إذ يلعب البعد العشائري دوره في عملية تشكيل القوائم، وكذلك التصويت.
ومنطقة ضواحي القدس تحيط بالمدينة من الشمال والشرق، لكنها جميها معزولة عنها بفعل الجدار العازل الذي أقامه الاحتلال حول الضفة منذ 2003. في المقابل، لا يستطيع جميع المقدسيين الذين يسكنون داخل حدود بلدية الاحتلال (البالغ عددهم 315 ألفاً)، المشاركة في الانتخابات المحلية، ولا يحق لهم تكوين مجلس بلدي خاص بهم.
هذه المجالس المحلية تقدم خدماتها إلى المقدسيين على صورة شق الطرق وتعبيدها، بالإضافة إلى مد خطوط الكهرباء والصرف الصحي وتوصيل المياه إلى البيوت. كذلك يمكنها أن تعمل على استصدار رخص المهن والحرف، علماً بأن المجلس المحلي في القدس يختلف قليلاً عن باقي مجالس الحكم المحلي في الضفة، لكونها لا تخضع لسيطرة السلطة كلياً.
يشار إلى أن هذه الانتخابات عقدت للمرة الأولى عام 2005، ثم جرت تباعاً كل أربع سنوات، لكنها تأخرت عن الانعقاد في السنة الماضية لاعتراضات قدمت إلى محكمة فلسطينية بسبب استثناء القدس وغزة من المشاركة في الانتخابات.