منذ اندفاعة الجيش السوري وحلفائه شرقاً نحو عمق البادية، ارتفع احتمال الاشتباك مع القوات الأميركية وحلفائها من غربيين وفصائل محلية.فالقرار الذي اتّخده محور دمشق في مواجهة التوجّه الأميركي لفرض حزام أمني على طول الحدود مع العراق، جعل من التصادم واقعاً مؤجّلاً. هذا الواقع اقترب من التحقق في الأيام الماضية بعد تقدّم القوات السورية نحو عمق البادية، إثر اشتباكات مع فصائل محسوبة على واشنطن وعمان.

فوصول الجيش إلى مشارف مفترق الطرق بين دمشق وبغداد وتدمر، ثم تقدّمه ليكون على بعد 35 كيلومتراً من التنف أمس، وضع الكرة في ملعب «التحالف الأميركي».
لحظة مفصلية جديدة من عمر الحرب السورية شهدتها الصحراء السورية في أول غارة مقصودة ومعترف بها للتحالف الدولي ضد موقع للجيش السوري. الرسالة الأميركية الواضحة والسريعة جاءت بسبب تشكيل القوات السورية المتقدمة «تهديداً لقوات شريكة للولايات المتحدة».

العبادي للأسد: لتنسيق الجهود في محاربة «داعش» على الحدود


في المبدأ، تشكّل التنف القاعدة الرئيسية للقوات الأميركية والبريطانية والأردنية في البادية السورية. ومنها مركز تخطيط ومنطلق عمل التشكيلات السورية العاملة إلى جانب «التحالف» في باديتيّ حمص ودمشق ودير الزور. ولمّا كان القرار الأميركي فاصلاً بإمساك الحدود مع العراق، كان الردّ من دمشق وحلفائها بإطلاق سلسلة عمليات على محاور عدة بهدف إفشال مخطط واشنطن. هذه العمليات وضعت الجيش في قلب منطقة العمليات الأميركية، وتبيّن أن الخطوات المقبلة هي الاقتراب أكثر من «القاعدة الغربية»، وعبرها إلى الحدود القريبة حيث المعبر الرسمي. حراك الجيش السوري وحلفائه جاء استباقاً لتحضيرات أميركية عبر «مغاوير الثورة» ومجموعات عشائرية أخرى، لتشكيل ضغط كبير على مدينة البوكمال قرب الحدود العراقية، وبالتالي إقفال الحدود.
وبدا لافتاً في التصريحات الأميركية التي صدرت عقب الغارة التأكيد على أنها جاءت بعد تحذيرات لتلك القوات المتقدمة. وذكر بيان «التحالف الدولي» أنه تم «قصف قوات سورية موالية للنظام بالقرب من التنف، في منطقة (وقت تصادم) كانت تشكل تهديداً لقوات شريكة للولايات المتحدة الأميركية». وأضاف أنّ التحرّك السوري «جاء على الرغم من المحاولات الروسية لثني القوات الموالية للنظام عن التحرك باتجاه التنف، وعرض طائرات (التحالف) للقوة إلى جانب إطلاقها طلقات تحذير». وختم أنّ قوات (التحالف) عملت «في منطقة التنف منذ عدة أشهر، في التدريب وتقديم المشورة للقوات الشريكة التي تقاتل (داعش)».
وأفادت قناة «سي بي إس» الأميركية نقلاً عن مصادر خاصة، أن الأيام القليلة الماضية شهدت «اختراقاً من قبل القوات السورية لمنطقة (وقف تصادم) قريبة من موقع المستشارين الأميركيين الذين يدربون قوات سوريّة». وذكرت أن «قافلة من 27 آلية وصلت إلى بعد 18 كيلومتراً من التنف، وقامت طائرة أميركية بالضغط عليها، وعندما لم تتراجع استهدفت الطائرة عدداً من المركبات»، مضيفة أنه في حادثة أخرى «اخترقت طائرة (سو 22) سورية منطقة (وقف التصادم) ولكن تم اعتراضها من قبل طائرتي (اف 22)».
وبدا لافتاً حجم التركيز الأميركي على أن «الضربة قد تم تشخيصها على أنها دفاعية»، إذ أكد وزير الدفاع جايمس ماتيس أن بلاده «لا توسّع دورها في الحرب الأهلية السورية... لكنها ستدافع عن قواتها إذا اتّخذ أَحَد خطوات عدائية ضدنا».
وفي أول رد فعل روسي تجاه الغارة، أعرب رئيس لجنة الدفاع والأمن في مجلس الاتحاد الروسي فيكتور أوزيروف، وفق ما نقلت عنه وكالة «نوفوستي» الروسية، عن أمله «ألا يؤثر هذا الحادث على العملية التفاوضية في جنيف»، مشدداً على أهمية ترتيب «تنسيق أكثر وضوحاً بين (التحالف) والقوات الحكومية». وبدوره، رأى عضو اللجنة الدولية في مجلس الاتحاد إيغور موروزوف، أنّ على مجلس الأمن الدولي تصنيف الضربة على أنها «عمل عدواني أحادي الجانب» ضد دولة ذات سيادة.
هذه الأجواء التصادمية أتت في سياق تعزيز دمشق وبغداد لتعاونهما في الحرب ضد «داعش»، خصوصاً على الحدود المشتركة، إذ تلقّى الرئيس بشار الأسد أمس رسالة شفهية من رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، نقلها مستشار الأمن الوطني فالح الفياض. وأكد العبادي في رسالته «أهمية الاستمرار في تعزيز التعاون القائم في الحرب ضد التنظيمات الإرهابية، وخصوصاً ما يتعلق بتنسيق الجهود في محاربة تنظيم داعش على الحدود المشتركة». بدوره، أكد الأسد أمام ضيفه أن «أي إنجاز يحقّقه الجيشان السوري والعراقي يشكّل خطوة هامة... فالعدوّ مشترك والمعركة واحدة ضد المخططات الهادفة إلى إضعاف وتقسيم دول المنطقة عبر الأدوات المتمثّلة بالتنظيمات الإرهابية».
(الأخبار)