القاهرة | للمرة الأولى منذ وصول الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، إلى سدة السلطة قبل ثلاث سنوات، يبدو أنه قرر فتح باب مصالحة مع جماعة «الإخوان المسلمين»، بتصريحات أكد فيها الترحيب بأي صاحب رأي دون مصادرة رأيه أو تغيير قناعاته، شريطة ألا يؤدي فكرُهُ إلى القتل.ويعكس هذا التصريح تحولاً في آراء السيسي السابقة التي كان يتحدث فيها برفض حاسم للمصالحة مع «الإخوان» بصفتها «جماعة إرهابية»، وهو التصنيف الذي صدر بقرار من مجلس الوزراء وبحكم قضائي لاحق.

ولم يبدِ السيسي، الذي شارك في مؤتمر عرض نتائج «حملة استرداد الأراضي» أمس، مزيداً من التفاصيل حول طريقة احتواء أصحاب الفكر المعارض، مكتفياً بالإشارة إلى الترحيب بالمعارضة الفكرية لما يقوله دون أن تسبب أذى للمجتمع الذي يعيش فيه.
وكان الرئيس المصري قد رفض مراراً عروض وساطة عدة للتصالح مع الجماعة، وجرت بعضها بجهود عربية، بل كان يؤكد أنه «لا تصالح على الدم»، وأن من «ارتكب جريمة عليه تحمل تبعتها».
وخلال سنوات حكمه الماضية، صدرت أحكام قاسية بحق أعداد كبيرة من أعضاء «الإخوان»، يصل عددهم وفق إحصاءات غير رسمية إلى أكثر من 30 ألف شخص، بعضهم تمكن من الهرب خارج البلاد.

أمر السيسي الحكومة
بالحزم في ملف
الأراضي غير المسجلة

لكن حديث السيسي عن المصالحة اختلط بكلام قاسٍ، كما يرى المواطنون، خلال المؤتمر، إذ تحدث عن رغبته في زيادة موارد الدولة على حساب المواطنين وانتزاع الأموال منهم لمصلحة خزانة الحكومة التي تعاني عجزاً كبيراً في الموازنة، قائلاً: «اللي عاوز يقنن يدخل بشنط الفلوس».
وجاءت توجيهات السيسي إلى الحكومة حاسمة بشأن انتزاع الأموال من المواطنين بأي طريقة، ومنع تقديم أي تسهيلات في ما يتعلق بملف الأراضي غير المسجلة، وكذلك الحال بشأن العقبات القانونية التي حرمت آلاف العائلات من توثيق وجودها على الأرض، مكتفية بوضع استمر سنوات طويلة.
وبخلاف استعادة الحكومة آلاف الأفدنة من المواطنين والشركات التي وضعت يدها على مساحات شاسعة في الصحراء والمدن، وجّه الرئيس بنزع ملكية الأراضي التي تم الحصول عليها بوضع اليد واستثمارها لسنوات في حال رفض المنتفع بها سداد سعر البيع الذي تحدده الحكومة.
وكانت الوزارات المعنية قد طالبت المخالفين بتسديد سعر المتر في عدد كبير من المناطق بسعر اليوم، وهو ما رأى فيه المقيمون إجحافاً بحقهم بعد عمر طويل من استثمارهم في المكان، لكن السيسي أمر بإخراجهم منها وبيعها لمستثمرين آخرين في حال تطلب الأمر ذلك.
السيسي أعلن أن الدولة استعادت 65 مليون متر من الأراضي، وأنها صارت مسؤولة عن إدخال بنية أساسية لها وصرف صحي ومياه شرب وكهرباء وخدمات كثيرة بما يكلف 65 مليار جنيه، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن التجاوزات التي حدثت خلال إزالة التعديات سببها الحماسة أو التضارب أو التداخل.
كذلك دافع عن الحكومة في تصرفاتها بحق عشرات الحالات من الشباب الذين تم التسليط الضوء على هدم مشاريعهم الصغيرة بسبب مشكلات في أوضاعها القانونية. واستدرك بأنه حريص على مساهمة الشباب في هذه الحملات بمساعدة رجال الشرطة والجيش والمحافظين وذلك «بهدف المشاركة وتحمل المسؤولية».
في شأن متصل، طالب السيسي بضرورة الحفاظ على الجزر الموجودة في النيل وتجنب إقامة عشوائيات عليها، لأن «التعدي على حرم النيل يؤدي إلى تلويث مياهه»، ما يكلف الدولة ملايين الجنيهات من أجل إقامة محطات تنقية وترشيح.
وشدد على منح الأولوية لإزالة التعديات على هذه الجزر، قائلاً: «التجاوز غير مقبول بالمرة، ولن نسمح بأي تعدٍّ ليس فقط على النيل، وإنما أيضاً على أي ترعة أو مصرف... لذا لا بد من خروج سكان هذه المناطق المتعدى عليها وتدبير حلول أخرى لهم».
وفيما وجه حديثه إلى المحافظين ومسؤولي الوزارات، قال: «هناك بعض الجزر في نهر النيل من المفترض ألا يسكنها أحد طبقاً للقانون، فهي إما محميات وإما من غير المسموح وجود أحد عليها»، لافتاً إلى أن إحدى الجزر، التي بلغت مساحتها أكثر من 1250 فداناً، شهدت إقامة عشوائيات وبناءات عبر وضع اليد، ثم «تلقي هذه المباني الصرف الخاص بها في نهر النيل الذي نشرب منه، ثم تبدأ المطالبات بإنشاء محطات صرف ومحطات معالجة».